بعد إعلان الاتحاد الاشتراكي العودة لصفوف المعارضة وظهور مؤشرات قوية على مشاركة حزب التقدم والاشتراكية وحزب الاستقلال في الحكومة القادمة، يطرح سؤال عن مصير 'الكتلة التاريخية‘ وهل تحولت فعلا إلى تاريخ؟ الكتلة ليست "أبدية" وقد أدت دورها ومن الخير أن تنتهي. هذه هي معالم وجهة نظر الاشتراكيين الراهنة. أقطاب واضحة ضمت الكتلة 'التاريخية‘ التي تشكلت قبيل الانتخابات التشريعية الأخيرة في المغرب (25 نوفمبر) كلا من حزب الاتحاد الاشتراكي وحزب التقدم والاشتراكية، وهما حزبان من عائلة اليسار، بالإضافة إلى حزب الاستقلال الذي يوصف بكونه حزبا تقليديا ومحافظا. إلا أن إعلان الاتحاد الاشتراكي مؤخرا قرار الانسحاب من الكتلة أفقد هذه الأخيرة أسباب الحياة. وفي تصريح لإذاعة هولندا العالمية، يشرح الوزير الاتحادي السابق محمد الأشعري طبيعة الكتلة وإطار تشكيلها: "الآن يجب أن نعرف جميعا أن الكتلة قامت بمهمة تاريخية كبيرة، فهي التي أفضت إلى الإصلاحات الأساسية، وهي التي كانت سببا مباشرا في حصول التناوب التوافقي في سنة 1998، والآن ربما يستدعي العمل السياسي في المغرب وضوحا أكبر واختيارات أكثر حسما. ولذلك فنحن لسنا متشبثين بالكتلة كإطار أبدي للعمل السياسي. فقد أدت مهمتها وإذا كان لابد أن تنتهي اليوم، فإن ذلك في صالح توضيح الخريطة السياسية في المغرب، وفي صالح تشكيل أقطاب واضحة في السياسة المغربية". توقيت كان من المنتظر أن يغادر الاتحاد الاشتراكي السلطة والعودة إلى صفوف المعارضة التي "يتقنها" عقب إحالة عبد الرحمن اليوسفي على التقاعد في 2002. إلا أن "رفاق" بنبركة أجلوا الخطوة إلى أن وصل "إخوة" بنكيران. هل التوقيت مناسب؟ التوقيت فرضته صناديق الاقتراع، يؤكد الشعري: "التوقيت ليس مرتبطا بالاتحاد الاشتراكي. التوقيت مرتبط بنتيجة التصويت، وبما أن نتيجة التصويت أعطت الفوز لحزب العدالة والتنمية وأعطت الصف الخامس للاتحاد الاشتراكي، فلم يكن هناك مجال للتردد خصوصا وأننا نعتبر اليوم أن التحالفات يجب أن تستند إلى تمايز سياسي واضح حتى يعرف المواطنون ما هي الاتجاهات الأساسية لدى الأحزاب وأن يختاروا تبعا لذلك ما يرونه مناسبا لقناعاتهم السياسية". يرى محمد الشعري أن ما يفرق بين الاتحاد الاشتراكي والعدالة والتنمية أكثر مما يجمعهما، يتمثل ذلك في شأن "المجتمع الذي نبشر به" وفي رؤية الحزبين للحياة الثقافية والاجتماعية، وإلا كيف سيفهم الشعب المغربي "أننا نحكم مع العدالة والتنمية ونحن نمثل الوجه الحداثي الديمقراطي المؤمن بالقيم الكونية وبالحريات والمؤمن بالحداثة، بينما يمثل العدالة والتنمية القطب السياسي المدافع عن المحافظة والمدافع عن القيم التقليدية". تيارات مفتعلة يدعو محمد الأشعري إلى "الوضوح" بين الأقطاب السياسية مركزا على قيم "الحداثة" و "الديمقراطية". فكيف سيتعامل حزبه، وهو في المعارضة، مع حزب آخر اختار صفوف المعارضة ألا وهو حزب الأصالة والمعاصرة الذي يدعو بدوره لنفس القيم؟ وهل سيتحالف الحزبان ضدا على حكومة الإسلاميين "التقليديين" و "المحافظين"؟ بحسب القيادي الاتحادي والوزير السابق محمد الأشعري، لن يكون هناك تنسيق مع "التيارات المفتعلة": "توخيا للوضوح، حزب الأصالة والمعاصرة استحدث، لظرفية معينة، بنفس الطريقة التي كانت تستحدث بها الأحزاب الإدارية. نحن لا نعتبره حديثا لأنه ليس حزبا منبثقا من حركة سياسية حقيقية، بل هو قرار إداري. ولذلك نحن لن نلتقي معه في البرلمان بطريقة تطمس هذا التاريخ وتطمس هذا هذه الخصائص لهذا الحزب (الاتحاد الاشتراكي). نحن ندافع عن الحرية وعن الديمقراطية في هذه البلاد منذ الاستقلال إلى اليوم، ولسنا مجرد إطار للتأثيث في الخريطة السياسية الراهنة. ستكون لنا إستراتيجيتنا الخاصة في المعارضة سيقررها الحزب من خلال أجهزته وسيمارسها بكل استقلالية عن التيارات المفتعلة". طبع حزب الاتحاد الاشتراكي أذهان أجيال كاملة حينما كان يمثل في البرلمان معارضة يسارية واضحة. إلا أن قبوله الدخول في مشروع الملك الراحل الحسن الثاني سنة 1998 فيما يسمى بحكومة التوافق، أفقد الحزب بريقه لدى قطاعات واسعة من العمال، وبخاصة لدى الموظفين ورجال التعليم الذين كانوا يشكلون القاعدة العريضة للحزب. فهل يصلح مقعد المعارضة ما أفسده كرسي الحكم؟ أم أن المحاولة تشبه محاولة 'عودة الشيخ لصباه‘؟ *يُنشر بالاتفاق مع إذاعة هولندا العالمية