يعيش المغرب اليوم مرحلة سياسية انتقالية بامتياز، تجعله في المحك أمام الهندسة السياسية المقبلة التي ستفرزها القوى السياسية في البلاد. فبعد تمكن حزب العدالة والتنمية من كسب ثقة الشعب المغربي من خلال الفوز السياسي الذي حققه في انتخابات 25 نونبر، مستفيدا من تطورات الربيع العربي والحراك الاجتماعي المغربي، لا يزال الرهان أمامه صعبا خصوصا بعد اختيار حزب الاتحاد الاشتراكي المعارضة. لكن يبقى قرار الاتحاديين يلزم توجهاتهم السياسية واختياراتهم، وغير مؤثر في قرارات حزب التقدم والاشتراكية، وذلك لثلاثة أسباب أساسية: أولا : حزب التقدم والاشتراكية حزب مستقل في قراراته، وهذا يشهده له التاريخ منذ الحزب الشيوعي المغربي مرورا بحزب التحرر والاشتراكية، وصولا الى حزب التقدم والاشتراكية، لقد كنا ولا نزال قوة سياسية قادرة على التميز وفي ذات الوقت قادرة على توظيف آليات التوافق المنهجية مع أحزاب اليسار والكتلة الديمقراطية، التي لا يريد لحزب التقدم والاشتراكية أن تفقد قوتهاّ، وساهم بجدية في توحيد الرؤى خدمة لقضايا الوطن. ثانيا: موقف الاتحاديين من المعارضة والاستقلاليين من المشاركة، لم يأخذ بعين الاعتبار الأرضية المشتركة للكتلة الديمقراطية التي تبقى حسب المتتبعين أرضية متكاملة، وتتقاسم الشيء الكثير مع حزب العدالة والتنمية. ثالثا: لا أدري هل التحالف مع العدالة والتنمية خط أحمر بالنسبة للاتحاديين؟ أظن أن جميع الأنظمة الديمقراطية مرة من عدة تجارب جعلت من اليساريين يتحالفون مع الاسلاميين، بيد أننا في المغرب غير قادرين على وضع أرضية مشتركة مع حزب العدالة والتنمية من أجل وضع مشروع مجتمعي يلامس قضايا الشعب. وهذا ما حصل للاتحاد الاشتراكي بمعية أطراف من "جي 8". لقد كان من الأجدر على حزب الاتحاد الاشتراكي أن يراعي تاريخ الكتلة الديمقراطية وأن يأخذ بعين الاعتبار التوازنات السياسية للمواقف التي سيتم اتخاذها. فبعد القرار الذي اتخذه الاتحاد الاشتراكي للخروج الى المعارضة، فإن الشعب المغربي ينتظر من حزب الكتاب الموقف المستقل، الموقف الذي سيسجله التاريخ السياسي المغربي، لأننا في حزب التقدم والاشتراكية نؤمن بوحدة الصف ونؤمن بخدمة الوطن بكل موضوعية؛ بأفكارنا وبرامجنا ومرجعيتنا. نحن لسنا حزب لأشخاص بذاتهم أو لجهة بذاتها بل نحن حزب مستقل، يقول "لا" عندما يستدعي الامر ذلك ويقول "نعم" في حالة تبين له ذلك... لقد تجاوز حزب العدالة والتنمية كل الانتظارات السياسية قبل وبعد الانتخابات، والتقى بذلك مع حزب التقدم والاشتراكية في مجموعة من المواقف خصوصا تلك المرتبطة بالفساد السياسي الذي مارسه الوافد الجديد مع بعض الأحزاب الإدارية، فكان حزب الكتاب من بين الأحزاب التي كان موقفها واضحا من السلوكات اللامسؤولة والتي كادت أن تعيد المغرب الى سنوات ما قبل التناوب التوافقي حين كانت الادراة تتحكم في دواليب العمل السياسي. بالفعل التقينا كحزب تقدمي ذو مرجعية اشتراكية مع مواقف حزب العدالة والتنمية، الذي ورغم الاختلاف الايديولوجي معه استطاع مواجهة المفسدين وتصريف مواقف كبيرة ضد الفساد السياسي الذي عشناه مؤخرا. اليوم، يجب الحسم في اختياراتنا السياسية، كحزب راكم تجارب سياسية كبيرة، وان نكون قادرين على إعادة ترتيب أوراقنا الداخلية وتقييم الواقع السياسي من خلال إعادة النظر في التحالفات السياسية المرحلية والاستراتيجية، ولذلك يجب على حزب التقدم الاشتراكية أن يأخذ خيار المشاركة في تدبير الشأن العام مع حكومة تقودها "العدالة والتنمية" وذلك لوجود عدة أسباب أساسية: أولا: نحن اليوم أمام تجربة سياسية جديدة تحتم علينا أن نكون في مستوى الحدث السياسي. وأن نعمل على تقديم الدعم لتجربة سياسية تقدمت على مستوى الخطاب السياسي وعلى مستوى المواقف السياسية. ثانيا: يجب على حزب التقدم والاشتراكية أن يأخذ قراره في هياكله بشكل مستقل كما عهدنا عليه ذلك، وأن يستمر في نهجه الديمقراطي الذي سار عليه منذ تأسيسه؛ ثالثا: يجب أن نكون على دراية بأن تحالف الثمانية يدفع من أجل ضم الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية الى تحالف جبهة المعارضة، وترك الإسلاميين لوحدهم في جبهة الحكم. رابعا: الاتحاد الاشتراكي لم يأخذ مبادرة التنسيق مع أحزاب الكتلة الديمقراطية فيما يخص المشاركة من عدمها في الحكومة المقبلة. وهذا ما يؤكد عدم رغبة الاتحاد في تتمة العمل النضالي للكتلة وبحثه عن تحالفات أخرى؛ خامسا: يجب أن نضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار وأن نتجاوز المواقف الذاتية التي لا تخدم توجهات وأطروحات الحزب. *عضو اللحنة المركزية لحزب التقدم والاشتراكية