المغرب.. إطلاق مبادرة إنسانية عاجلة للأطفال مبتوري الأطراف والأطفال الأيتام في غزة    غارة اسرائيلية دمرت بشكل شبه كلي المستشفى الأهلى "المعمداني" في غزة    تفكيك شبكة لنقل المهاجرين المغاربة بشكل غير نظامي إلى اسبانيا    أرفود.. وفاة أستاذة متأثرة باعتداء خطير على يد طالبها    توقعات أحوال الطقس للايام المقبلة : أجواء متقلبة وتساقطات مطرية بعدة مناطق    اندلاع النيران في سيارة على الطريق الساحلية رقم 16 نواحي سيدي فتوح    عمر حجيرة يترأس دورة المجلس الإقليمي لحزب الاستقلال بوجدة    وفد من المستثمرين الإيطاليين يستكشف فرص الاستثمار بجهة سوس ماسة    درهم واحد قد يغير السوق : المغرب يشدد القيود على واردات الألواح الخشبية    مقاطعة الالتراس للديربي المغربي: أي إشارات    ريمونتادا للدفاع الجديدي في 7 مباريات وعمل جيد للطاقم التقني واللاعبين    عمان تؤكد دعمها للوحدة الترابية للمغرب    'واشنطن بوست': إيران دربت مسلحين من البوليساريو وسوريا تعتقل المئات منهم    الجزائر تستعين ب"ميليشيات رقمية" دولية لاستهداف مواقع حكومية مغربية    هاكرز جزائريون يشلون موقع وزارة الفلاحة في هجوم جديد    محاميد الغزلان ترقص على إيقاعات الصحراء في اليوم الثالث من مهرجان الرحل    من خيوط الذاكرة إلى دفاتر اليونسكو .. القفطان المغربي يعيد نسج هويته العالمية    الدورة السابعة للجنة المشتركة المغربية–العمانية تُتوّج بتوقيع مذكرات تفاهم في مجالات متعددة    المغرب وسلطنة عمان يؤكدان عزمهما على تطوير تعاونهما في شتى المجالات    الجزائر تحتج على توقيف أحد موظفيها متورط في عملية اختطاف بفرنسا    الرباط تنتفض من جديد.. آلاف المغاربة في مسيرة حاشدة نصرة لغزة ورفضاً للتطبيع    دراسة: الجينات تلعب دورا مهما في استمتاع الإنسان بالموسيقى    واشنطن تعفي الهواتف والحواسيب من الرسوم الجمركية على الصين لتخفيف أعباء المستهلكين    تيفلت.. توقيف شخصين انتهكا حرمة مسجد في حالة تخدير    الهجوم السيبراني الجزائري: تشويش رقمي لحجب الاخفاق الديبلوماسي لنظام العالم الآخر    برنامج مكافحة سوء التغذية يحذر من كارثة ستؤدي إلى قتل الأطفال نتيجة وقف المساعدات الأمريكية    رشيد المرابطي يتوج بلقب ماراطون الرمال    كأس إفريقيا للأمم لكرة القدم داخل القاعة – سيدات (المغرب 2025)..الناخب الوطني يوجه الدعوة ل 14 لاعبة للمنتخب الوطني المغربي    كرة القدم.. أكاديمية محمد السادس تفوز بمونديال سان بيير لأقل من 15 سنة بنانت    زلزال بقوة 5.6 درجات يضرب سواحل ميانمار    المغرب يستقبل 4 ملايين سائح في الربع الأول من 2025    تحسن ملحوظ في نسب امتلاء سدود المغرب مقارنة بالعام الماضي    علماء ودعاة مغاربة يُدينون رسوّ سفن أمريكية تحمل عتادًا موجّهًا للاحتلال الإسرائيلي            ماذا لو توقفت الأرض عن الدوران فجأة؟    مستقبل الصحافة في ظل التحول الرقمي ضمن فعاليات معرض GITEX Africa Morocco 2025    بالصور : تفاصيل حول عملية توسعة المركب الرياضي محمد الخامس    مسرحية ديموغرافية بإخراج جزائري: البوليساريو يخدع الأمم المتحدة    اجتماع هام بالرباط لدعم وتطوير البنية التحتية الرياضية بوزان    الدوزي يمنع من دخول أمريكا بسبب زيارة سابقة له للعراق    حاجيات الأبناك من السيولة فاقت 131 مليار درهم خلال مارس 2025    أمسية فنية استثنائية للفنان عبد الوهاب الدكالي بمسرح محمد الخامس    مندوبية التخطيط: تراجع قيم الواردات مدفوع بانخفاض أسعار الطاقة والمواد الغذائية    التكنولوجيا تفيد في تجنب اختبار الأدوية على الحيوانات    غموض يكتنف انتشار شائعات حول مرض السل بسبب الحليب غير المبستر    بحضور سفير الهند.. الإخوة بلمير يطلقان فيديو كليب 'جاية'    الصناعة التقليدية بإقليم العرائش في قلب تنظيم المغرب لكأس العالم 2030 سبل النهوض وتجاوز الإكراهات والمعيقات التحديات والفرص    عبد الصمد المنصوري يحصل على شهادة الدكتوراه بميزة مشرف جدا    أهازيج الرمال توحد القلوب في محاميد الغزلان    الوداد يحتفل بمشاركته في مونديال الأندية بمهرجان فني    الذئب الرهيب يعود من عالم الانقراض: العلم يوقظ أشباح الماضي    السلطات الصحية بجنوب إسبانيا تتأهب لمواجهة "بوحمرون" القادم من شمال المغرب    العيد: بين الألم والأمل دعوة للسلام والتسامح    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    طواسينُ الخير    تعرف على كيفية أداء صلاة العيد ووقتها الشرعي حسب الهدي النبوي    الكسوف الجزئي يحجب أشعة الشمس بنسبة تقل عن 18% في المغرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدكتاتورية الجديدة
نشر في هسبريس يوم 20 - 01 - 2008

يُحكى أن رَجُلَيْن امتلكا مَعملين لليُوغُورْتْ، كان أحدهما من أبناء الشعب ممن تعودوا على أطباق الفول و العدس و الفاصوليا وكان الآخر ممن تعودوا على ما لذ و طاب من أطباق الإسْكَالُوبْ و الأنْتْرُكُوطْ و البْرُوشِيطْ. ""
كان مَعْمَلُ صاحب الملعقة الذهبية متطورا ومنتجه لذيذا، مخلوطا بقطع الأناناس و المَانْكََا، غير أن ثمنه لم يكن في متناول من هب و دب. بينما اهتدى ابن الشعب لإضافة الهريسة إلى اليوغورت مما جعله مطلوبا لدى فئات عريضة اعتادت على تحسين طعم غذاءها بها.
أمام اجْتِيَاحِ هذا الأخير للسوق لم يجد منافسه بدا من تقديم شكاية ضده بدعوى أنه لا يحترم شروط التنافس الشريف و باستعماله للشعبوية في الترويج لمنتجه.
عودة للواقع، فإن الشعبوية أصبحت تهمة جاهزة يستعملها من يفهمها و من لا يفهمها. حاولت أن أبحث عن تعريف دقيق لها فما زادني بحثي إلا حيرة. فلشعبوية أمثلة عديدة غير أنها متضادة في بعض الأحيان، لكنها تتقاطع كلها في ثنائية الشعب/النخبة. وإذا كان مفهوم الشعب واضحا فإن النخبة متعددة، منها النخبة العلمية و النخبة الأرستقراطية و النخبة داخل الحنطة...
وبالاقتصار على النموذج المغربي فإن "الشعبوية" ساهمت في استقلال البلاد عندما ادعى البعض رؤية السلطان محمد بن يوسف (محمد الخامس( في القمر. كان من الواضح أن ذلك محض خيال ولكن المثقفين الوطنيين باركوه و لو بسكوتهم، بينما يمكننا أن نتصور رأي الخونة و العملاء و المستعمرين. لا بد أنهم كانوا يعضون أصابعهم من الغيظ بعد انتشار الخبر بين الشعب و ارتفاع معنوياته.
حتى أب الأمة، وبعد عودته من المنفى مارس شيئا من "الشعوبية" لحشد الهِمَمِ و حَث الشعب على العمل و النهضة لبناء المغرب الحديث، فقال مقولته الشهيرة التي تنطوي على عبقرية لا نظير لها " رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر". كان الملك الفقيه يعرف أن غالبية الشعب الذي يُعَوِلُ عليه، ممن تلقوا تعليما دينيا على أحسن الأحوال و ممن يجري في عروقهم التعلق بالدين الإسلامي و قيمه.
الملك الفقيه، كان مثل الشعب مؤمنا متشبعا بقيم القرآن مما دفعه للعفو عن من سَعَوا في عزله و باعوا شرفهم للمستعمر. وكان مثل كل ملك مُحَنَكٍ يعرف مصلحة شعبه، فأحتفظ بأطر المستعمر المَدَنَيِيِنَ لتحديت البلاد، اِسْتُبْدِلُوا تدريجيا بأطر وطنية، و أخرى للأسف، غير وطنية، شَكَلَتْ نخبة جديدة حافظت على ارتباطها الفكري و المصلحي بالمستعمر.
في طريق البناء، كان الشعب على موعد مع محطة "شعبوية" أخرى. محطة المسيرة الخضراء التي لا يخفى على كل من يعرف أبجديات السياسة أنها لم تكن لِتُحَرِرَ الصحراء. و أن التحرير تم داخل دواليب الدبلوماسية و بإسغلال الظرفية التاريخية. ولكن الملك العبقري و بعد إنقلابات العسكر المتوالية، عرف أنه يمكنه أن يثق بالشعب و عرف كيف يشارك شعبه نشوة النصر وكيف يقول للشعب "هذه ليست ضيعتي، هذا وطنك". يمكن أن نتصور أن أعداء الوحدة الترابية تبادلوا حينها التعازي و هَوَنُوا على بعضهم البعض بوصف المسيرة الخضراء بالشعبوية.
اليوم، ومهما كانت المحطة التي تَقِفُ عندها البلاد، فإن الجميع يعرف أنه لا وجه للمقارنة بين نظام الملكية الدستورية و بين نظام العسكر "الأفقيري" لا قدر الله.
الشعبوية أسْدَتْ خَدمات جليلة للوطن، فلماذا يقيم اليوم البعض الدنيا و لا يقعدونها ؟ طبعا، تهمة الشعبوية لا تصدر عن الشعب الذي من المفترض أنه هو المستهدف بها و المستجيب لها، بل تصدر عن نخبة لا تشترك معه في قيمه و مصالحه. نخبة لا تعرفه و لا تحاول أن تتعرف عليه. نخبة تعطي لنفسها لقب النخبة في الوقت الذي لا يرى فيه الشعب أنها تنتمي إليه. نخبة تظن أنها هي من تملك حق تقرير مصير البلاد والشعب و خطوات القائد.
هذه النخبة تبشر الشعب بالديمقراطية ولا تتق باختياراته في نفس الوقت. تعتبر الشعب قاصرا يسهل ابتزازه بالشعارات الرنانة و اللعب على أوتار الدين والهوية و الخبز. نخبة تتمنى لو مُنِعَ الشعب من حق التصويت و هو الذي كان قاب قوسين أو أدنى من أن يُسَلِمَ مقاليد تدبير البلاد إلى حزب ب"قيم إسلامية"...
المعادلة فعلا صعبة، فالديمقراطية تقتضي أن النخبة و "الغوغاء" سواسية أمام صناديق الاقتراع. تلك الصناديق التي تفرز من ينوب عن الشعب في تشريع القوانين عبر آلية التصويت، والتي بدورها تتأثر بميول و قيم كل مُشَرِعٍ ولكن أيضا بالالتزام بِبَرْنَامَجٍ تعاقد عليه مع الناخب. وبالتالي فإن نصوص القوانين أو حتى قبولها و رفضها يخضع "للشعبوية". كما أن مُوَافَقَةَ جلالة الملك على هذه القوانين تستدعي مراعاته لمصلحة الشعب أَوَلاً و لكن أيضا مراعاته لاستعداد الشعب لِتَقَبُلِهَا، لأن الملكية ليست سيفا ولكنها بيعة في الرقاب.
هذه القوانين التي تنبثق من منظومة قيم مختلفة، لا تلاءم تلك النخبة و تنغص عليها حياتها، فتحاول الالتفاف على الديمقراطية مُسْتَأْسِدَةً بالغرب ومستغلة لموازين القوى داخل النظام العالمي الجديد، لِتُحْرِجَ الدولة و الحاكم بشتى الوسائل الدِيمَاغُوجِيَة. وتحاول الضغط على النظام الملكي الديمقراطي، الذي لم يسلم بدوره من مكائدها ووقاحتها، لكي تمرر قوانين جديدة قد يوافق عليها ممثلو الشعب احتراما للملك أو خوفا على المكتسبات الديمقراطية.
أظن أن النظام الملكي في المغرب يعرف عبر التاريخ أنه يستطيع أن يُعَوِلَ على الشعب.وباعتباره نخبة النخب، فإنه يعرف جيدا أين يستثمر ثقته. وأهم من هذا و ذاك، يعرف أن الشعب ما زال يحمل في عنقه بيعة مستمدة من أسمى و أعرق قيمه و أن تعويله عليها ليس شعبوية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.