داخل أحد الأروقة في المعرض الجهوي للصناعة التقليدية بمدينة وجدة، تُعرض لوحات وتُحف فنية فريدة، مادّتها الخام مستخرجة من المتلاشيات التي تلفظها البيوت كلَّ يوم، وكذلك بقايا الطبيعة، مثل الخشب والرمال والصدفيات والأحجار. كل شيء بالنسبة إلى يوسف الشطاطي، صاحب المعرض، قابل لأنْ يتحوّل إلى لوحات وتُحف فنية مبهرة للعين: قناني الماء والعصائر والمشروبات الغازية الفارغة وغيرها من المتلاشيات؛ لكنّ الأهم بالنسبة إليه ليس فقط هو تحويل هذه الأشياء إلى لوحات وتحف، بل استغلالها في الحفاظ على البيئة. من هذا المنطلق، اختار يوسف الشطاطي، الفنان التشكيلي والصانع التقليدي، أن يتوجه صوب الفن الإيكولوجي، خاصة أنّ كوكب الأرض بحاجة إلى مساهمة كل فرد من أفراد سكانه، في حمايته من الأخطار التي تهدده، نتيجة عواملَ شتى؛ على رأسها تلوث البيئة. يقول الشطاطي، الذي التقته هسبريس في المعرض الجهوي للصناعة التقليدية بمدينة وجدة، "أنا لا أنظر إلى المتلاشيات على أنها أشياء غير نافعة، بل أنظر إليها كمادة خام مثل الذهب؛ فالذهب أيضا لا يصلنا على شكل خواتمَ وسلاسل وغيرها من الإكسسوارات هكذا، بل يمر عبر مراحل، حتى يصير سبائك، ثم يعطَى للمصمم، وكذلك الشأن بالنسبة إلى اللوحات والتحف التي نصنعها من المتلاشيات". لا يهدف يوسف الشطاطي من خلال الفن الإيكولوجي الذي يمارسه إلى أن يسهم قدر المستطاع في حماية البيئة فقط؛ بل يعمل، من خلال هذا الفن، على نشر الثقافة أيضا، عبر اشتغاله على مواضيع مستمدّة من الثقافة المغربية الأصيلة، وكذلك الثقافات الكونية. من بين النماذج التي تكرّس هذا التوجه جرّة ماء مكسورة، أعاد الشطاطي تركيبها وتزيينها، محافظا على شكلها الأصلي؛ لكنه أضاف إليها لمسات أخرى أعطتْها معان كثيرة، فقد ألصق بها قرْنا، وصدفية فارغة، وكلاهما مرتبطان بالجرّة؛ لأنّ الشعوب القديمة كانت تتخّذ من القرون وسيلة لشرب الماء، وكذلك الصدف التي كان السكان الذين يعيشون جوار البحر يتخذونها وسيلة يشربون بواسطتها الماء. ثمّة أيضا حلزون حرص الشطاطي على إلصاقه بالجرة المكسورة، ولم يكن ذلك بشكل اعتباطي أو فقط لدواع جمالية صرْفة، بل وراءه معلومة، وهي أنّ الحلزون في موسم سباته يلتصق على الجماد الحيّ، موضحا "هذه ترجمة روحية لعدد من المعاني التي نشاهدها في حياتنا اليومية". اشتغال يوسف الشطاطي في مجال الفن الإيكولوجي جعل عددا من المؤسسات تهتمّ بمُنجزه الإبداعي، ويعبّر عن ذلك باعتزاز قائلا: "لوحاتي معروضة في مطار وجدة أنجاد، وفي الإقامة الملكية، ولي لوحات أيضا معروضة في معارض بالخارج"، وقد التقيت بعدد من المسؤولين العاملين في هذا المجال، كوزيرة البيئة السابقة. ويعمل الشطاطي على إعطاء إشعاع أكبر للفن الإيكولوجي، باعتباره فنا يمكّن مزاولَه من ضرب عصفورين بحجر واحد؛ ذلك أنه يتيح له أن يكون مبدعا، وفي الآن نفسه مساهما في حماية البيئة، عبر تقنية تدوير المتلاشيات، وتحويلها إلى لوحات، بدَل أن تذهب إلى مطارح الأزبال وتصير عنصرا مهددا للبيئة. ومن أجل تحقيق هذه الغاية، يعمل الشطاطي على تأطير ورشات بشكل تطوعي، بالتعاون مع جمعيات ومؤسسات تعليمية، أو من خلال مشاركته في البرامج الإذاعية، مشيرا إلى أنّه يحرص على توجيه رسائل إلى الأمهات، باعتبار أنّ الأم هي التي تربي الناشئة، من أجل التعاطي بشكل أمثل مع المتلاشيات؛ "لأنها في الحقيقة مادّةُ ذهب خام لا نعرف كيف نستغلها". ويحرص الفنان التشكيلي الوجدي على أن تكون اللوحات والتحف التي يصنعها محافظة على طابعها الأصلي، إذ يحرص على تفادي استعمال الألوان المبتكرة، ويستعمل الألوان الحقيقية، التي تكتسيها الأشياء الطبيعية، كما يحرص على ترْك لوحاته على طبيعتها؛ فحين يهرق فنجان قهوة على اللوحة أو حين يخترقها عود ثقاب، يترك أثره كما هو، "لأن هذا يجعل اللوحة صادقة. أمّا إذا عدّلتُها فتصير كما أنني أضفيْت عليها مساحيق تجميل".