اعتبر الفنان اللبناني مارسيل خليفة أن "الفن قضية الإنسان بكل ما فيه من تعقيد في السلوك والتفكير والشعور"، مشيرا إلى أن "الفنان اليوم بمجرد عيشه في هذه الفترة الصعبة الناقمة على خصوصياته، المريعة بالفقر والقهر، إذا لم يتمرد وينتصر إلى كيانه الفردي سيفقد وجهه وملامحه، وباسم الإنسانية أو التقدم أو الحرية أو باسم آخر يستغل سحره المدنيون، وسيمحق فيه كل ما يميزه من رؤية جامعة للحياة". وقال مارسيل خليفة أمام عدد كبير من الطلبة والباحثين والأساتذة والفاعل اليساري سيون أسيدون، اليوم السبت، في رحاب كلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك بالدار البيضاء: "نحن في أمس الحاجة إلى شيء من سلامة الفكر، إلى شيء من الصحو نرى به الذي يحدث لأنفسنا ولأفراد مجتمعنا". وشدد مارسيل خليفة، في كلمة له في لقاء حول "الموسيقى والفن والإنسان" وبحضور المفكر المغربي عبد الإله بلقزيز، على أن "الاضطراب السياسي أدى إلى قلقلة مريعة في القيم وتمزق شديد في النفس، لذا يجب أن نكون متيقظين"، مؤكدا أن "الفن يجب أن يكون صاحب الشجاعة بتصوير هذه الحالة المعقدة ورؤيتها من خلاله". وقال خليفة، الذي عرف بالتزامه بالقضية الفلسطينية: "إننا نعاني من شح في الإبداع. نهيب بشبابنا أن يتأملوا وينتجوا"، داعيا في الوقت نفسه إلى "رفض مبدأ التصنيف، وألا نؤمن بشيء إلا الحرية"، وزاد: "الإبداع الإنساني هو ما يصدر عن شهوة الأسئلة، وليس قبول الأجوبة الجاهزة. المبدع لا يجب أن يتنازل عن حقه في القلق والشك واليأس، فهذا حق مشروع مثل حرية الهواء في أروقة القلب"، مضيفا: "حياتنا باتت مصادرة بما لا يحصى من السلطات التي هندست مصادرة الإنسان والطاقة الإبداعية". ولَم يفوت الفنان، الذي أدى بواسطة آلة العود العديد من القطع المنتمية إلى أشعار محمود درويش، الحديث عن القضية الفلسطينية، وعن مدينة سبتةالمحتلة، إذ خاطب الحاضرين قائلا: "كي لا ننسى فلسطينوالقدس، فشعبها يواجه الاحتلال ولَم يتعب، والعرب يمضون في حروبهم الطائفية وينسون فلسطين". وتابع مارسيل خليفة: "لو كان العرب متحررين لجعلوا من القضية الفلسطينية مصدر قوة لهم، فقد أعطتهم القدس الفرصة للرد على إسرائيل لكنهم أضاعوها"، قبل أن يؤكد أن "فلسطين لم تمت، ولَم يخطفوها إلى الأبد". ولكونه بات مستقرا في المغرب، فإن الفنان اللبناني تحدث عن تعلقه بالمملكة قائلا: "دخلت أرضكم بموسيقايً، واعترف أنني أحببت الصفاء الكامن في نفوسكم"، مردفا: "زرت مدينة سبتة، وقالت لي أحبك، وقلت لها أنا أيضا أحبكِّ، وأحسست بأني انتصرت لمغربيتها"، وسط تصفيقات الحاضرين. وتحدث الفنان اللبناني عن مساره الفني وبداية تعلقه بالأنشودة، وكيف سكنته فتنة الموسيقى والغناء، متحدثا عن إحدى الحفلات المدرسية التي حضرها رئيس لبناني، وجلس على كرسيه دون أن يأبه بأصوات التلاميذ، بينما كان مدير المؤسسة يطلب منهم التلويح له. وأردف مارسيل خليفة بأن القدر "طيّر الرئيس وطير الأغنية، وبعد سنوات طير المكان"، وزاد: "قضيت عشرين عاما بين المنافي الداخلية والخارجية"، مشددا على أنه "عالج ذلك بالغناء للوطن والخبز"، وخاتما: "الأغنيات حررتني من الكآبة، وحاولت أن أكتب ما نسيه غيري أو غفل عنه".