لم تَشْغل شخصيةٌ بالَ وانتباهَ قطاع عريض من المغاربة، في السنوات الأخيرة، أكثر مما شغلتهم شخصية عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية المغربي ورئيس الحكومة المُكلف، بسبب طبيعته التي تميل إلى كثير من العفوية ونوع من "الجرأة" في الخطاب، والتي يراها البعض الآخر "شعبوية" سياسية ترمي إلى كسب النقاط على حساب خصوم الحزب الأبديين والعابرين على السواء. هسبريس اتصلت بصحفيين ومقربين من بنكيران لاستطلاع آرائهم حول طبيعة هذه الشخصية التي نالت ما نالته من مديح وثناء، كما حصدت ما حصدته من هجوم وهجاء، فكانت النتيجة اختلاف واضح في تقييم هذا الرجل على صعيد المعاملات الإنسانية. جامع المتناقضات يقول صحفي سبق له أن اشتغل في جريدة التجديد، حين كان بنكيران يشغل منصب المدير المسؤول فيها، وكان كثير الاحتكاك معه في اجتماعات التحرير، إن شخصية الأمين العام لحزب العدالة والتنمية شخصية تجمع بين شتى التناقضات والتضادات الممكنة. ويضيف المصدر، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن بنكيران كان وما يزال سريعَ الانفعال والغضب، لكنه في ذات الوقت سريعُ الأوبة والعودة إلى صفاء القلب، وهو أيضا لاذع اللسان حين يتطاير "الشرر" من عينيه، بيْد أنه مؤدب البيان عندما تهدأ نفسه. وقال الصحفي، الذي غادر مركب جريدة بنكيران منذ عدة سنوات، إن العديد من الصحفيين كانوا يتحاشونه في طريقهم أو في اجتماعات الصحيفة، لما عُرف عنه من "مزاجية" حادة في الرأي، تجعل منه شخصا صعب المراس، ولا يمكن التحاور معه في ساعات غضبه أو لحظات شروده. كان بنكيران، يقول المصدر ذاته، يحسن الإنصات لمن يعرف مهادنته وطريقة الحديث معه بأدب وكياسة ومرح، بينما قد لا يكترث كثيرا بالأشخاص الذين يزعجونه، أو لا يتقنون سياسة المهادنة و "من أين تؤكل الكتف"، على حد تعبير الصحفي الذي يقول إنه رغم مساوئ الرجل وعيوبه، لكنه يظل شريفا ونزيها، ويكره لغة الخشب في حياته المهنية والشخصية. بو ودينة؟ صحفي ثان، فضل عدم ذكر اسمه، عاشر بنكيران بضعة سنوات عندما كان هذا الأخير مسؤولا عن صحيفة التجديد، يحكي عن جانب آخر قد لا يعرفه الكثيرون في شخصية الرجل الذي أصبح رئيسا للحكومة المقبلة، وهو أنه "بو وْدينة" كما يقال باللهجة المغربية، أي أنه يرخي أذنيه للأقاويل الهامسة، وقد يتأثر بها، كا أنه قد يقرر انطلاقا من ما سمعه، خاصة إذا كان صادرا من صديق مقرب له، أو من رفيق عزيز إلى قلبه. واستدل المصدر نفسه بحادثة، وقعت قبل سنوات، عندما تدخل بنكيران بقوة للحيلولة دون نشر مقالات داعية مغربي له صيته وسمعته على صفحات الجريدة، فقط لكون أحد أفراد أسرة بنكيران أسَرَّ في أذنه بأن هذا الداعية يكيل في خطبه بالمسجد الانتقادات الحادة للشيخ يوسف القرضاوي، علما أن هذا العالم المصري يعد مرجعا دينيا لا ينبغي المساس به بالنسبة لإخوان بنكيران. رجل رحيم ويلتقط الحديثَ أحدُ المقربين من بنكيران، والذي استفاض في سرد بعض خصال الرجل التي قلما يعرفها الكثيرون، ومنها أنه شخص دمعته قريبة من شعرة أهدابه كما يقال، مشيرا إلى أنه كثيرا ما يذرف الدمع في مواقف إنسانية عددية، أو حين ينصت بتدبر إلى تلاوة القرآن الكريم. ويتذكر المصدر موقفا حضره، منذ بضع سنوات، لبنكيران وهو يتحدث في ندوة حول حقوق الطفل المعاق بإحدى مراكز الندوات في العاصمة الرباط، وقد انهمرت عيناه سريعا بالدمع الغزير أمام الحاضرين، متذكرا ربما ابنته المعاقة حركيا، ذات الاثني عشر ربيعا فقط. وأكد المتحدث بأنه كثيرا ما شاهد بنكيران تغرورق عيناه في مجلس ذكر، أو في حضرة قارئ يتلو القرآن بصوت رخيم، وأن شخصيته الرحيمة والعطوفة تظهر خصوصا في تعامله مع أفراد أسرته الصغيرة من زوجة وأبناء وأحفاد. وبحسب هذا الشاهد، فإنه من الخصال الجميلة التي تطبع شخصية بنكيران، على الأقل قبل أن يتولى منصب رئيس الحكومة المنتظرة، أنه محب لفعل الخير والتصدق على من يعرف ولا يعرف، وأنه يستحيل أن يرد سائلا يطرق باب بيته طلبا لحاجة ملحة ما، حيث عُرف عنه كرمه وجوده، ومساعدته لكثير من الذين يطلبون عونه. وكثيرا ما شوهد بنكيران، مثلا، وهو يحرص على الذهاب عند فئة المكفوفين المعطلين الذين يجوبون شوارع الرباط للمطالبة بحقوقهم، وقد مد يده لهم لمساعدتهم بما يستطيع ماديا ومعنويا، كما أنه ساعد عددا من الأشخاص في إيجاد فرصة شغل، سواء في الجريدة التي كان يديرها، أو في مدرسته الخاصة "بدر" بالقرب من مقر حزب الاستقلال بالرباط.