اقترح الفريق أحمد قايد صالح، رئيس أركان الجيش الجزائري، الثلاثاء، تطبيق إجراء دستوري يمكن أن يشكل مخرجا للأزمة التي تشهدها الجزائر منذ أسابيع، ويتمثل في آلية يعلن في نهايتها عجز الرئيس عبد العزيز بوتفليقة عن ممارسة مهامه. نزل مئات الطلبة مجددا إلى الشارع قبل الظهر، للمطالبة بتنحي الرئيس البالغ من العمر 82 عاما والذي أقعده المرض منذ سنوات. وقال الفريق قايد صالح، في خطاب أمام قادة القوات المسلحة في ورقلة (جنوب شرق): "يجب تبني حل يكفل الخروج من الأزمة، ويستجيب للمطالب المشروعة للشعب الجزائري، ويضمن احترام الدستور وتوافق الرؤى؛ وهو الحل المنصوص عليه في الدستور في مادته ال102". وتنص المادة ال102 من الدستور على أنه "إذا استحال على رئيس الجمهوريّة أن يمارس مهامه بسبب مرض خطير ومزمن، يجتمع المجلس الدّستوريّ وجوبا، وبعد أن يتثبّت من حقيقة هذا المانع بكلّ الوسائل الملائمة، يقترح بالإجماع على البرلمان التّصريح بثبوت المانع". ويفترض أن يعلن البرلمان بغرفتيه "ثبوت المانع لرئيس الجمهوريّة بأغلبيّة ثلثي أعضائه، ويكلّف بتولّي رئاسة الدّولة بالنّيابة مدّة أقصاها خمسة وأربعون يوما، رئيس مجلس الأمّة". وتضيف المادة: "في حالة استمرار المانع بعد انقضاء خمسة وأربعين يوما، يُعلَن الشّغور بالاستقالة وجوبا". ويواجه بوتفليقة موجة احتجاجات غير مسبوقة، منذ أسابيع، أجبرته على العدول عن الترشح لولاية خامسة؛ لكنه ألغى الانتخابات الرئاسية المقررة في 18 أبريل بحجة تنفيذ إصلاحات، إلا أن حركة الاحتجاجات والتظاهرات السلمية الكثيفة تواصلت رفضا لتجديد بحكم الأمر الواقع لولايته الرابعة التي يفترض أن تنتهي في 28 أبريل. وشوهد عدد من المارة في وسط العاصمة الجزائرية وعناصر من الشرطة منتشرين لتأمين تظاهرة طلابية، وقد تسمرت أعينهم على هواتفهم النقالة بعد صدور الخبر، بينما قام بعض السائقين بإطلاق العنان لمنبهاتهم، تعبيرا عن فرحهم؛ لكن هذه الفرحة الأولية لم يتقاسمها كل الجزائريين كما في ردود أفعال العديد من المارة بوسط العاصمة الجزائرية الذين لم يفهموا بعد تداعيات المادة ال102. إعلان آخر وحسب الموظف عبد الرؤوف مليكي،31 سنة، فإن "الأمور لا تزال غامضة. إعلان رئيس الأركان ليس واضحا ورحيل بوتفليقة لن يحل الأزمة التي ستستمر طويلا"، كما صرح لوكالة فرنس برس. وقالت أميمة خلاف، 24 سنة، وهي طالبة في السياحة، لوكالة فرنس برس: "أعتقد أنهم يحضرون الشعب لإعلان آخر وهو وفاة الرئيس. ومع هذا، فإن إعلان قايد صالح لن يحل الأزمة؛ فالشعب لم يطلب فقط رحيل بوتفليقة، ولكن طالب برحيل كل النظام وهو ينتظر بروز وجوه سياسية جديدة". أما أمين إيكن، 23 سنة طالب مالية وتسيير، فاعتبر أن "السلطة تحاول ربح الوقت لتهدئة الشارع"، مؤكدا أن "الاحتجاجات لن تتوقف؛ لأن الشعب يريد رحيل النظام، وليس بوتفليقة فقط". ومن جهته، شكّك محند شرتوك، 36 سنة، كهربائي، في نوايا رئيس أركان الجيش؛ فهو، حسبه، "ينتمي إلى فريق بوتفليقة، وبعد أن تركه سيدعم الفريق الذي يخلفه، هذه محاولة فقط لربح الوقت". ومع ذلك، فإن "رحيل بوتفليقة يمكن أن يكون بداية الحل؛ لكن يجب أن تتبعه إجراءات شفافة للوصول إلى تغيير عميق وإلا ستستمر الأزمة"، كما قال لوكالة فلرنس برس. وخلال الفترة الانتقالية المنصوص عليها في المادة ال102، لا يمكن للرئيس بالنيابة أن يقيل الحكومة، علما أن نور الدين بدوي، رئيس الوزراء المعيّن في 11 مارس بعد إقالة أحمد أويحيى، لم يشكل حكومته بعد. ويرأس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح (76 سنة)، وهو من أقرب المقربين لبوتفليقة، وظل وفيا له في كل الظروف. وكذلك الأمر بالنسبة إلى الطيب بلعيز(70 سنة)، رئيس المجلس الدستوري الذي جرى تعيينه في فبراير بعد وفاة مراد مدلسي. ومنذ 22 فبراير، لم تتوقف المسيرات والاحتجاجات للمطالبة برحيل "بوتفليقة والنظام". وأمس، تظاهر حشد من الطلاب في أنحاء متعددة من البلاد؛ بينها الجزائر، وبجاية على بُعد 180 كيلومترا شرق العاصمة. كما انضمت فئات أخرى إلى الطلاب مثل المهندسين، بينما جرى الإعلان عن إضراب عام في الإدارات والشركات العمومية تمت الاستجابة له جزئيا. وحيا الفريق قايد صالح "المسيرات الشعبية السلمية"، التي "تطالب بتغييرات سياسية" اعتبرها "مشروعة"؛ لكنه حذر من استغلالها من "أطراف معادية في الداخل والخارج، (...) بهدف زعزعة استقرار البلاد". وكان حزب حركة مجتمع السلم أول من تفاعل مع إعلان رئيس أركان الجيش، حيث نبّه إلى إن تطبيق المادة ال102 "لا يسمح بتحقيق الانتقال الديمقراطي والانتخابات الحرة والنزيهة". وعلى أساس ذلك، تؤكد الحركة على ضرورة اكتفاء المؤسسة العسكرية بمرافقة الوصول إلى الحل السياسي والتوافق الوطني والمحافظة على مدنية الدولة". وطالب الحزب ذو الاتجاه الإسلامي ب"تعيين رئيس حكومة توافقي وطاقمه بالتوافق مع الطبقة السياسية يرضى عليه الحراك الشعبي"، الذي دعت إلى استمراره "من أجل ضمان تجسيد الإصلاحات ومطالب الشعب". إصرار انطلقت التظاهرة في بجاية بمشاركة نحو 300 طالب وأستاذ، من جامعة تارقة أوزمور، بشكل سلمي ودون حضور بارز للشرطة، قبل أن تلتحق أمام مقر الولاية بمسيرة أخرى لعمال البلديات والغابات، ومزارعين جاؤوا بجراراتهم، وتفرق الجميع دون حوادث. وقالت صبرينة زواغي، أستاذة الأدب الفرنسي، لوكالة فرنس برس: "ما يحدث غير مسبوق في تاريخ الجزائر، لقد انتظرنا طوال حياتنا لنشاهد هذا". ويركز المتظاهرون على ضرورة رحيل بوتفليقة، مستغنين عن المطالب القديمة المتعلقة بالهوية واللغة الأمازيغية التي شكلت أولوية في التظاهرات التي عرفتها منطقة القبائل سابقاً. وقال محرز بويش، أستاذ الفلسفة السياسية في جامعة بجاية: "في الوقت الحالي ما يهمنا هو إيصال المطالب الوطنية كما في الجزائر العاصمة وقسنطينة وفي أماكن أخرى". وفي العاصمة، تظاهر مئات الطلاب مع أساتذة وباحثين وأبناء "المجاهدين"، المحاربين القدامى في حرب التحرير، وكذلك "أبناء الشهداء"، قتلى حرب التحرير. وقالت حياة (20 عاما)، وهي طالبة في الإعلام الآلي: "أريد أن أكون فخورة ببلدي، الآن أخجل وأنا أرى أن الحكام شيوخ لا يريدون ترك السلطة، ليس بوتفليقة فقط بل كل المحيطين به". *ا.ف.ب