تشهد الجزائر، اليوم الجمعة، تظاهرات جديدة ستحمل جوابا على ما إذا كان الشارع سيرد يشكل إيجابي على اقتراحات إزاحة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، أم سيتمسك بمطلبه تنحي كل النظام. وتجمّع مئات المتظاهرين منذ الصباح الباكر في ساحة البريد في الجزائر العاصمة، ليطلقوا هتافات ضد النظام، كما أظهرت صور نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي أن بعض المتظاهرين خيموا خلال الليل في مركز التجمّع. وقال أمين (45 عاما) الذي وصل إلى الجزائر من بجاية (على بعد 180 كلم شرق الجزائر)، لوكالة "فرانس برس"، "نحن هنا لتوجيه نداء أخير لهذا الحكم: خذ حقائبك وارحل". وأكد المتظاهرون الذين التقتهم "فرانس برس" صباحا على أن مطلبهم هو رحيل النظام بأكمله وليس الرئيس وحده، في وقت تخلت شخصيات عدّة قريبة من النظام عن بوتفليقة هذا الأسبوع تحت ضغط الشارع. ودعا رئيس أركان الجيش الجزائري الفريق أحمد قايد صالح، يوم الثلاثاء الماضي، إلى تفعيل إجراء دستوري لتنحية بوتفليقة من السُلطة يؤدي إلى إعلان عجزه عن ممارسة مهامه، بسبب المرض الذي يقعده منذ 2013، علما أنه موجود في السلطة منذ عشرين عاما. وبعد رئيس الأركان الذي يمارس مهامه منذ 15 عاما وكان يعد من أكثر المخلصين لبوتفليقة، جاء دور حزب التجمّع الوطني الديموقراطي، أحد ركائز التحالف الرئاسي الحاكم، للتخلّي عن الرئيس، إذ طلب أمينه العام أحمد أويحيى رئيس الوزراء المُقال قبل أسبوعين، باستقالة الرئيس. وأعلن الأمين العام للاتّحاد العام للعمّال الجزائريين عبد المجيد سيدي السعيد، أحد أكثر الشخصيات وفاء للرئيس، أنّه يدعم اقتراح الجيش بتنحيته. بدوره أعلن رئيس منتدى رجال الأعمال في الجزائر علي حداد المعروف أيضا بقربه من بوتفليقة، استقالته مساء الخميس من منصبه. وكان منتدى رجال الأعمال تحوّل خلال السنوات الماضية إلى أداة دعم سياسي صلبة للرئيس، وكان يدعم إعادة ترشحه بقوة. يوم الجمعة السادس وهكذا، يبدو أنّ الذين شكّلوا كتلةً متراصة لدفع بوتفليقة إلى الترشّح لولاية خامسة، أصبحوا اليوم ينأون بأنفسهم عن هذا المطلب الذي كان الشّرارة التي أشعلت الاحتجاجات. ولا تزال الجبهة الوطنية للتحرير تقف وحدها خلف الرئيس، ولو أن أصواتا معارضة بدأت تسمع داخلها. وسيحدد يوم الجمعة السادس هذا للتظاهرات التي دعي إليها في كل أنحاء الجزائر ما إذا كان احتمال تنحي بوتفليقة سيكون كافيا لتهدئة الشارع، قبل شهر من انتهاء ولاية الرئيس دستوريا. وكان بوتفليقة عدل عن ترشيح نفسه لولاية خامسة، لكنه أرجأ الانتخابات الرئاسية إلى موعد غير محدد، في انتظار إجراء إصلاحات، الأمر الذي اعتبره المتظاهرون تمديدا بحكم الأمر الواقع لولايته الرابعة فواصلوا التظاهر. وكتبت صحيفة "الوطن" الجزائرية الناطقة بالفرنسية أن يوم الجمعة سيحمل "جواب الشعب". وأضافت "الشعب يشدد: لا قايد صلاح ولا بن صالح"، في إشارة إلى رئيس أركان الجيش ورئيس مجلس الأمة. ويعتبر عبد القادر بن صالح، رئيس مجلس الأمة الجزائري منذ 17 سنة، من نتاج نظام بوتفليقة. وينص الدستور على أن يضطلع بمهام رئيس الدولة بالنيابة لمدة محددة في حال استقالة رئيس الجمهورية أو عزله بسبب المرض أو الوفاة. واعتبر الموقع الإلكتروني "تي إس أ" أن تعبئة كبيرة في التظاهرات تعني أن الجزائريين مصممون على إسقاط كل النظام، وليس فقط الرئيس. ورفضت جهات عدّة بارزة في الحراك الشعبي، مثل المحامي مصطفى بوشاشي، والرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، تفعيل المادة 102 من الدستور كما اقترح رئيس الأركان. وأوضحت رابطة حقوق الإنسان أنّ المهل قصيرة جدا لضمان تنظيم انتخابات رئاسيّة حرّة ونزيهة خلال الفترة الانتقالية في حال تنحي بو تفليقة، مندّدة ب "حيلة أخرى" من السلطة "للإبقاء على النظام الذي رفضه الشعب". وفي ساحة البريد، ارتفعت الجمعة لافتات تحمل شعارات جديدة ساخرة، بينها "102، هذا الرقم ليس في الخدمة يرجى الاتصال بالشعب"، و"نطالب تطبيق المادة 2019 تتمحوا قاع (اذهبوا كلكم باللغة الجزائرية المحكية)".