قال الشاعر السوري أدونيس إن السؤال الذي يود أن يطرحه على السوسيولوجي الراحل عبد الكبير الخطيبي في الوقت الحالي هو، "هل سيدخل المسلمون العرب في القرن الواحد والعشرين بقوة الواقع الموضوعي مرحلة ما بعد الإسلام والعروبة على المستويين السياسي والثقافي، وذلك بعد أن اختزل البعض الإسلام في كونه مجرد سلطة وأدوات والبعض الآخر استسلم وأصبح تابعا للغير دون قدرة على الحوار؟". وأضاف أدونيس، في ندوة دولية نظمتها أكاديمية المملكة حول "عبد الكبير الخطيبي أي إرث ترك لنا"، مساء الأربعاء، أن "من ينتمون إلى عالم الوحدانية الإسلامية يجدون أنفسهم مقيدين من الناحية الشرعية والوضعية كذلك"، مشيرا إلى أنهم "يتحدثون عن الجنة بينما يتقلبون في النار"، وزاد: "نحن أمام غرب سياسي أعطيناه أنفسنا بعد أن انتهت وجبة المائدة الكبرى، وهي تناول بعضنا البعض". وأورد الشاعر السوري، في محاضرته المعنونة ب"تأسيس التساؤل ومساءلة التأسيس في الفكر العربي"، أن "معطى الكفر أصبح منطفئا لدى المسيحية واليهودية، فيما ما يزال حاضرا بقوة في الإسلام، وهو ما يحتاج دراسة نفسية، وسيسيولوجيا وأنثروبولوجيا"، مشددا على أن "الفكر ينفي الدين"، مستشهدا ببيت أبي العلاء المعري، "اثنان أهل الأرض، ذو عقل بلا دين وآخر ديّن لا عقل له"، وزاد: "نحتاج نيتشه، فلم يعد من الممكن إطلاقا أن تستمر الصورة السائدة عن الإسلام والعرب". وأكد أدونيس، واسمه الحقيقي أحمد سعيد إسبير، أن "كل الشعراء العرب كانوا ضد الدين"، نافيا أن تكون للإنسان حاجة للخالق في الوقت الراهن؛ "فهو خالق نفسه بوضعه لعوالمه، أما بقاء الوضع بالشكل الحالي فيفضي إلى أن كل البشر موتى، والخالق هو الحي"، وزاد: "الوضع السائد لدى العرب هو النقل بدل العقل، والظلم بدل العدل، والوحدة والاقصاء بدل التعدد". وفي نصه الذي تلاه كمراسلة إلى الخطيبي، سجل أدونيس أن "القطيع هو المتحكم الآن؛ فهو من يحرس حراسه، والخيول هي من تمتطي فرسانها"، وأضاف قائلا: "يا عبد الكبير هل نرضخ وننحني كمثل الأسلاف؟"، لافتا إلى أن أمرَّ السجون هي تلك التي ليس لها جدران، مبديا رغبته في توجيه سؤال واحد إلى الله، "طرحه عليه إبليس ولم يقتله، بل دونه في القرآن". وأوضح أدونيس أن "الواقع العالي يبين بالملموس أن العرب يستعبدون باسم الله والدين والحرية، متسائلا بدوره "ما العمل؟ إنه ذاك السؤال الذي لم يجد له العالم جوابا، لكن الرد هو العمل في حد ذاته"، يقول صاحب ديوان أغاني مهيار الدمشقي. وقال عبد الجليل الحجمري، أمين السر الدائم لأكاديمية المملكة المغربية، إن "أكاديمية المملكة تتابع وتشرك مختلف المثقفين المغاربة"، مشيرا إلى أن "عبد الكبير الخطيبي إرث مشترك للجميع، وخصصت له ندوات على مدار ثلاثة أيام لتذكر فكره وشخصه"، وزاد: "اليوم لحظة بهيجة، خصوصا بحضور الشاعر أدونيس، مترجم كتاب الخطيبي: المغرب أفقا للفكر". وأضاف الحجمري أن "الخطيبي كاتب استثنائي، والواقع يبرز الحاجة إليه، حيث يتميز فكره بالراهنية والإبداع الخالد"، مشددا على أن "اللقاء هو من أجل الوفاء والاحتفاء بالثقافة المغربية"، وزاد: "هوية الإنسان ليست واحدة منغلقة مضادة للآخر، لكنها انعكاس مشترك، وتتكون من قوى مختلفة تنطلق من الطبيعة والتاريخ". وأردف أمين السر الدائم أن "أعمال الخطيبي حاضرة بجميع اللغات، ونصوصه مبنية على الاستعارة الحاذقة والتحليل والنقد"، مستعرضا بعضا من رسالة نعي الملك محمد السادس للمفكر الخطيبي، التي اعتبر فيها المرحوم "رائدا في نهوض الجامعة المغربية".