داخل القاعة المخصصة لضيوف المؤتمر الثاني عشر للاتحاد المغربي للشغل، الذي افتتح مساء الجمعة بالدار البيضاء، كان الميلودي موخاريق، الأمين العام للاتحاد، يعانق هذا وذاك، فرحا منتشيا، ومدركا بأنه مستمر ل"الولاية الثالثة" على رأس النقابة ذات الستين عاما، ليسير بذلك على خطى المحجوب بنصديق الذي لم يوقف طموح بقائه زعيما للنقابة سوى الموت. "الاتحاد اتحادنا، وموخاريق زعيمنا"، "موخاريق يا رفيق، لا زلنا على الطريق"، "يسقط يسقط أبشع القوانين 288".. هكذا هتفت "خوارق" الاتحاد المغربي للشغل، بينما موخاريق يصعد منصة المؤتمر الثاني عشر للنقابة، ليتلو كلمة افتتاح تجمع ممثلي النقابة من عمال ومستخدمين بمختلف القطاعات. موخاريق، الذي عبّد الطريق أمامه لولاية ثالثة على رأس النقابة، ليصير بذلك من الزعماء المعمرين على غرار أمناء عامين لبعض الأحزاب، خصص حيزا كبيرا من كلمته الافتتاحية لمهاجمة حكومة سعد الدين العثماني، متهما إياها بضرب القدرة الشرائية للمواطنين المغاربة. وقال موخاريق أمام ما يزيد عن 1500 مؤتمر في هذا المؤتمر، المنظم تحت شعار "من أجل مشروع مجتمعي يقطع مع سوء النمو ويحقق العدالة الاجتماعية"، إنه "عِوَض أن يعيش شعبنا في رفاهية، وتنعم بلادنا بخيراتها، ها نحن اليوم نسجل المزيد من تدني القدرات الشرائية، والارتفاع المطرد للبطالة والهشاشة في العمل، وتواصل مسلسلات التفقير، والعيش في ظل غياب تصور واضح". وتابع زعيم النقابة وسط تصفيقات من طرف المؤتمرين بين الفينة والأخرى أن "الحكومة لم تجد من مدخل لجلب الموارد المالية سوى الهجوم على الطبقة الكادحة، والتقليص المهول في النفقات العمومية، في الوقت الذي تتخلى الدولة عن أدوارها ومسؤولياتها الاجتماعية". واعتبر موخاريق أن حكومة العثماني "مسؤولة عن تأهيلها للتخلف وترسيخ اقتصاد الريع وتحفيز التهرب الضريبي، ومسؤولة عن صمتها أمام الانتهاكات التي تُمارس ضد العمال ومحاباتها لبعض أرباب العمل"، قبل يتبع كلمته بابتسامة وهو ينظر إلى صلاح الدين مزوار، رئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب. وقال زعيم النقابة، أمام أنصاره، بحضور ممثلين عن الحكومة، إن "الحكومة مسؤولة عن تشريد آلاف الأسر التي طرد معيلها لأسباب نقابية"، مطالبا بإسقاط "الفصل المشؤوم 288"، والتراجع عن متابعة النقابيين أمام القضاء. وبخصوص فشل الحوار الاجتماعي مع الحكومة، أوضح موخاريق أن نقابته بقدر ما تؤمن بالحوار "تزداد الحكومة تعنتا وإصرارا على وضع العراقيل أمام حوار اجتماعي مثمر وناجح، بل تستمر في عدائها المزمن للطبقة العاملة المغربية، التي ما فتئت معاناتها تتضاعف حدتها، وأوضاعها الاجتماعية تزداد تدنيا، وقدراتها الشرائية تزداد تدهورا"، مشيرا إلى أن مأسسة الحوار في إطار تفاوض حقيقي هو المدخل الأساسي لبناء اقتصاد عصري وحداثي. ولَم يفوت موخاريق الفرصة للتأكيد على دعم الاتحاد المغربي للشغل للاحتجاجات التي شهدتها الحسيمة وجرادة. وقال إن "الاتحاد عبر مرارا عن مساندته لكل الاحتجاجات السلمية ودعمه للمطالب الشعبية لحياة أفضل". واغتنم الفرصة لتجديد مطالبته "بإطلاق سراح معتقلي احتجاجات الريف وجرادة وغيرهما من الحراكات الاحتجاجية المطلبية السلمية". وفِي الوقت الذي ترفض بعض الأصوات استمرار موخاريق على رأس النقابة، فإن العديد من أعضاء المؤتمر، الذين تحدثت إليهم جريدة هسبريس، لم تكن تهمهم مسألة الولاية الثالثة أو كبر سن الزعيم وضرورة تجديد القيادة، حيث أكدوا أنهم مع بقاء موخاريق زعيما لهم. وبينما كان موخاريق يجلد الحكومة، كانت بعض الأصوات من داخل "التيار التصحيحي" تمنع من ولوج قاعة المؤتمر من طرف عشرات "الكارد كورات" الذين جيشهم زعيم النقابة، وهو ما دفع تلك الأصوات إلى تنظيم وقفة احتجاجية، منددة بالوضع داخل التنظيم النقابي. وعرفت الجلسة الافتتاحية للمؤتمر حضور عدد من الشخصيات الحكومية والحزبية، على رأسها نبيلة منيب، الأمينة العامة لحزب الاشتراكي الموحد، التي كانت تتوسط عزيز أخنوش، وزير الفلاحة والصيد البحري، وإدريس لشكر، الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي. إضافة إلى حضور محمد بنسعيد آيت إيدر، قيدوم اليساريين، وصلاح الدين مزوار، رئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب، وعدد من ممثلي بعض الاتحادات والنقابات العربية والأجنبية.