انتقد رشيد المنياري، المستشار البرلماني عن الاتحاد المغربي للشغل، القيادة المالية للنقابة، على رأسها الأمين العام الميلودي موخاريق، متهما إياه ب"الفاقد للشرعية"، وصاحب "التدبير الاستبدادي" بدواليب أعتى النقابات. واعتبر القيادي المطرود من الاتحاد المغربي للشغل في حوار مع جريدة هسبريس الإلكترونية، قبيل ساعات من انعقاد المؤتمر الوطني 12 غدا الجمعة بالدار البيضاء، أن موخاريق يتحمل المسؤولية كاملة وراء ما آلت إليه النقابة، داعيا إياه والقادة الشيوخ إلى التنحي من أجل فسح المجال أمام تناوب ديمقراطي على تدبير شؤون النقابة. المنياري، عضو الحركة التصحيحية في صفوف "إ. م. ش"، تحدث، كما أشار إلى ذلك فاروق شهير، نائب الأمين العام الذي تم طرده هو الآخر من النقابة، عن اختلالات مالية، قائلا: "الجميع يدرك وجود اختلالات مالية كبيرة جدا، تجلياتها واضحة، ولكن ما نجهله هو حجم هذه الاختلالات"، مشددا على وجوب ربط المسؤولية بالمحاسبة. وإليكم نص الحوار: ما تقييمكم للوضع داخل الاتحاد المغربي للشغل قبيل مؤتمره 12؟ للأسف، الوضع قاتم داخل الاتحاد المغربي للشغل، ولا يبعث على الاطمئنان أبدا. هذا المؤتمر سيتحول إلى نقطة سوداء في تاريخ الاتحاد، بدل أن يكون محطة لتقوية هياكل تنظيم نقابي عتيد، وفتح نقاش مسؤول تعبر فيه القواعد عن صوتها في أجواء تمكن من استعادة الاتحاد المغربي للشغل لامتداده الجماهيري ورصيده الشعبي. وعوض أن يكون المؤتمر محطة في مستوى تطلعات المرحلة، اختزل في الهاجس التنظيمي لخدمة أجندة الأمين العام فقط، ولا عزاء لمناضلي الاتحاد المغربي للشغل. استبقتم المؤتمر بوضع طعن من أجل تأجيله، ما مبررات هذه الخطوة؟ بالفعل، قدمنا طلبا لتأجيل المؤتمر استنادا إلى القانون، بعد ثبوت إقصاء عدد كبير من أعضاء اللجنة الإدارية للمؤتمر السابق الذين يعتبرون مؤتمرين في المؤتمر الحالي بالصفة، إضافة إلى عدم احترام القانون الأساسي في التحضير للمؤتمر في المؤتمرات الجهوية مثلما حدث بالرباط وفاس وطنجة وغيرها. كما قدمنا طلب التأجيل بعد التأكد من سعي المخارق إلى البقاء على رأس النقابة، وتوصلنا بعدد من المعطيات والأدلة على حدوث تجاوزات قانونية خطيرة، نراهن على كشفها حتى لا يستعمل المؤتمر لإضفاء الشرعية على من تلطخت يده بالفساد. سبق لكم أن تحدثتم في بلاغكم كحركة تصحيحية عن كون الأمين العام الحالي المخارق حوّل الاتحاد من" منظمة عمالية إلى محمية للزعيم"، كيف ذلك؟ كل المؤشرات تؤكد صحة موقفي الذي عبرت عنه في البلاغ المشار إليه. الأجواء التي تسبق المؤتمر، والتحضيرات الصورية التي أفرزت مكاتب جهوية لا تمثل إلا نفسها، وإقصاء وإبعاد عدد من القيادات الجهوية والأصوات التي تعاكس التدبير الاستبدادي المتخلف للشأن النقابي الداخلي، وابتعاد النقابة عن مطالب القواعد، معطيات تؤكد كلها أن تنظيما نقابيا من حجم الاتحاد المغربي للشغل تحوّل بالفعل إلى محمية ريعية للزعيم ومن يدور في فلكه، وفق منطق الولاء النفعي وتحالف المصالح، وهذا ما حذرنا منه قبل سنوات، وبدأت مؤشراته منذ فوز الأمين العام بالولاية الثانية، وقد أثبتت الأيام صحة ما عبرت عنه، لكن جوابنا على هذه المهزلة هو أننا لن نقبل فرض الأمر الواقع، ولن نتراجع عن مطلب التصحيح داخل الاتحاد. هذا المؤتمر سيكون بعنوان واحد هو ضمان بقاء الأمين العام على رأس الاتحاد المغربي للشغل، وبأي ثمن، ودون أي رهانات أخرى، في ظل احتقان اجتماعي غير مسبوق سمته انسداد للأفق، وأزمة تنظيمية غير مسبوقة، تكرس الواقع الذي يفرض عدة تحديات. وعليه، نعتبر أن الأمين العام، والقيادة الحالية، لا شرعية له، بمجرد نهاية الولاية الثانية، ولا يمثل إلا نفسه ومصالح من فبركوا هذا المؤتمر لضرب هذا الصرح النقابي العتيد. لمن تحملون مسؤولية الوضع بالنقابة؟ مسؤولية الوضع الحالي بالنقابة يتحملها الأمين العام وهو من تسبب فيها، وبدرجة أقل تتحمل القيادة المسؤولية، وأنا جزء من هذه القيادة رغم كل شيء. عندما تطغى المصالح الذاتية على مصالح الشغيلة والطبقة العاملة، لا مجال لتملص الأمين العام للنقابة من مسؤولية الوضع الحالي، باعتباره المسؤول الأول، لذا فإن منطق المساءلة يفرض أن يتحمل ونوابه المسؤولية كاملة من أجل فسح المجال أمام تناوب ديمقراطي على تدبير شؤون النقابة، بعد أن استنفد المخارق ولايتين كانتا من أسوأ ما مر على الاتحاد بعد رحيل القائد التاريخي المحجوب بن الصديق. في الرسالة التي وجهها نائب الأمين العام فاروق شهير الذي تم طرده من النقابة، هناك اتهامات لموخاريق وخوارقه، هل ترونه أن هذه الاختلالات، حتى المالية منها، هو من يقف وراءها؟ ما تحدث عنه نائب الأمين العام فاروق شهير حول الاختلالات المالية ليس بالسر الذي يُكشف عنه لأول مرة. في دواليب الاتحاد، الجميع يدرك وجود اختلالات مالية كبيرة جدا، تجلياتها واضحة ولكن ما نجهله هو حجم هذه الاختلالات. في مثل هاته الأحوال، تفرض المسؤولية على الأمين العام المخارق أن يرد على هذه الاتهامات بنفيها إن كانت غير صحيحة، أو يستقيل ويتحمل تبعات ذلك. للأسف المخارق أدمن على ممارسة الهروب إلى الأمام. شخصيا لا أستغرب أي شيء بخصوص التدبير المالي الذي يحتكره الأمين العام، علما أن الأمر يتعلق بمال عام مصدره دعم حكومي ورسوم المنخرطين ومساعدات مختلفة، حيث لا يخضع صرف ميزانية الاتحاد لأية ضوابط، وهو ما يطرح مشكل الحكامة والشفافية بشكل كبير. قبل فاروق شهير، كانت خلاصات تقارير المجلس الأعلى للحسابات واضحة في إدانة التدبير المالي للنقابة، عندما وقف المجلس على ثقوب سوداء في ميزانية الاتحاد، حيث تحتاج الاختلالات المالية لإجابات مقنعة، وترتيب الجزاءات القانونية المناسبة في إطار مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة. ألا ترون أن المخارق وغيره من القيادات قد عمروا طويلا وعليهم الرحيل وترك المنظمة لجيل جديد من الشباب؟ رحيل القيادة الحالية، وعلى رأسها الأمين العام ونوابه، الذي أفقد لمنصب الأمين العام رمزيته وقيمته الاعتبارية والنضالية، مسألة حياة أو موت، وصحة التنظيم النقابي مرتبطة بشكل حتمي برحيل القيادة الحالية، عدا ذلك، فالتنظيم لن يراكم سوى الفشل، والتدهور، واستنزاف رصيده التاريخي والشعبي. يجب أن يعرف الجميع أن معدل أعمار القيادة الحالية يصل إلى 72 سنة، بالإضافة إلى حالتها الصحية المتدهورة، وهو أمر مناقض لمنطق وفلسفة التداول على مناصب المسؤولية، بغض النظر عن طريقة التدبير والاختلالات المسجلة، والكفاءة التدبيرية والأهلية الأخلاقية، وضرورات المرحلة التي تفرض رحيل قيادات حولت النقابة إلى تجمع مغلق للمقربين والأتباع والانتهازيين، وساهمت في تكريس شلل التنظيم، وصورية الهياكل، ونفور الطبقة العاملة من العمل النقابي، وضعف حكامة النقابة، وفقدان المنخرطين للثقة في قيادة تسيطر على النقابة وحولتها إلى رهينة تقايض بها مصالحها المالية والتجارية ومناصب المسؤولية والريع بمختلف أشكاله. ألا ترون أن الاختلالات التي تتحدثون عنها تتحملون فيها المسؤولية أيضا؟ أنا ابن الاتحاد المغربي للشغل، وتحملت مسؤولية الكتابة الجهوية والأمانة العامة، وتدرجت لسنوات بقواعده، ولا أجد حرجا في الاعتراف إن ارتكبت أي خطأ، ولكن ليس إلى الحد الذي تتحمله القيادة الحالية، ومع ذلك أود أن أذكر الجميع بأنني تحليت بشجاعة فضح بؤر الفساد بالتنظيم الذي تشرفت بتحمل مسؤوليته، وذهبت أبعد من ذلك ببعث رسالة إلى الجهات العليا وإلى السيد الوكيل العام محمد عبد النباوي، وإلى كل من يهمه الأمر، كل ذلك تم تحت قبعة التنظيم النقابي. تحمل المسؤولية له ثمن، وأنا شخصيا تحملت مسؤوليتي كاملة، واخترت دفع ثمن فضح الفساد على التعايش معه، وتعرضت لضغوط رهيبة وصلت حد تهديد حياتي، وإغراءات لا يعرفها الكثيرون، ومساومات خطيرة، وأفتخر بأنني رفضت غض الطرف عن ممارسات تتنافى مع القانون والأخلاق والالتزام النقابي ووضعيتي الاعتبارية. تقرير مجلس الحسابات حول الدعم المالي لانتخابات مجلس المستشارين 2015 خرج بملاحظة تخص النقابة، وهي عدم تقديم تبريرات كافية لصرف مبالغ ضخمة، وطالب بإرجاعها إلى الخزينة العامة، ما تعليقكم؟ عندما يتعلق الأمر بتقرير صادر عن مؤسسة دستورية، وعن جهة رقابية، فإن الأمر لا يحتاج إلى تعليق، الأمر يحتاج إلى المساءلة، لأن التدبير المالي يعتبر شأنا خاص لدائرة ضيقة بالنقابة، ولطالما نبهت إلى هذه القضية، وتحملت تبعات تسليط الضوء على التدبير المالي على ضوء ما توفر لدي من معطيات. شخصيا أثمن عمل المجلس الأعلى للحسابات فيما يتعلق بافتحاص التنظيمات النقابية، لكن أتمنى أن لا يقف الأمر عند حد رصد اختلالات مالية ونشرها، نحن نحتاج إلى المساءلة وتتبع مصير المال العام، لا سيما وأن نقاش التخليق والحكامة والنزاهة يفرض نفسه. لنتحدث عن الحوار الاجتماعي، ألا ترون أن فشله راجع إلى النقابات أيضا؟ فشل الحوار الاجتماعي يتحمل مسؤوليته مختلف أطراف الحوار الاجتماعي، لكن ضعف النقابات، وانتهازية بعض قيادتها، وخضوعها للإملاءات، يفضح عدم قدرة النقابات في الوضع الراهن على الدفاع عمن تمثلهم بالقوة الكافية، من خلال استغلال مختلف وسائل الضغط وإدارة المعارك النضالية بكل الوسائل التي تمتلكها. للأسف، انسداد أفق الحوار الاجتماعي يفسر إلى حد ما أزمة التنظيمات النقابية بالمغرب، التي تعيش أزمة ديمقراطية داخلية وتحتاج إلى القطع مع الرؤية التقليدية للعمل النقابي اعتبارا للتحولات المجتمعية. ما السبيل للخروج من الوضع الذي تعيشه نقابتكم وباقي الإطارات النقابية اليوم بالمغرب؟ بالفعل، التنظيمات النقابية في المغرب، وضمنها الاتحاد المغربي للشغل، تحتاج إلى مسايرة التحولات المجتمعية، حتى تحافظ على دورها كواحدة من الوسائط المناط بها تأطير الشغيلة والدفاع عن مصالحها. احتكار المسؤولية من طرف أسماء عمرت طويلا على رأس التنظيمات النقابية أنتج ممارسات انتهازية عدة، خرّبت معظم النقابات وكرست واقعا لا سبيل لتجاوزه إلا بمسار إصلاحي ينطلق من تحيين الإطار التشريعي، وإخراج قانون النقابات إلى حيز الوجود، وإنهاء وجود الشيوخ على رأس النقابات، وإعادة هيكلة القواعد بأطر شابة مدركة لدور النقابات، مع تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة بالنقابات، وضمان التناوب على مواقع المسؤولية، ومصالحة القواعد مع العمل النقابي، والتزام الدولة بتقدير هذه النقابات، والتوقف عن تبخيس عمل النقابات.