يقول المثل الشعبي :" اليد الواحدة لا تصفق " وهي دعوة إلى التعاون فهو يغني ويقوي ويَقي من الصراعات الجانبية. وهو مطلوب في جميع نواحي الحياة التي لا تستقيم إلا به ، فما كان الانعزال والتواكل ولا التفرد في يوم من الأيام عامل نجاح في أية أمة من الأمم المعاصرة أو السابقة . فالاتحاد الأوروبي ولا الولاياتالمتحدة ، و مجلس التعاون الخليجي وغيرهم ما هي إلا فضاءات تَرسَّخ التعاون بين أعضائها . فالتعاون أيضا عاملَ التماسك الأسري وتماسُكَ مكونات المجتمع ، فلا يمكن تصوُّر استقرار أسرة وتطوُّر أي مجتمع خارج عمليات التعاون بين مكوناته . وما فشل السياسات المحلية أو الجهوية إلا نتيجة عدم التعاون على البر والتقوى . ولو عدنا شيئا ما بذاكرتنا إلى الوراء فيما يتعلق بالأحداث السياسية والاجتماعية الوطنية لعشنا وقائع حيث تذمَّرَ العديد من المواطنين من سياسات حكومتهم السابقة ، لأنها لم تجب عن الانتظارات والتوقعات : تشغيل حاملي الشهادات العليا، محاربة الفاسدين ، تحسين أداء الإدارة العمومية ، جلب الاستثمارات وهلم جرا . بل لم يكن المواطنون المتضررون وحدهم الذين كانوا يعتقدون بفشل الحكومة بل كانت تصريحات أحزاب وجمعيات موازية كذلك بعجز الحكومة على مسايرة متطلبات المجتمع . هذا كله تجلى في نتائج الانتخابات الأخيرة ليوم 25 نوفمبر، وكذلك في دعوات 20 فبراير التي ما زالت تطالب بمحاربة الفساد والاستبداد . واستجابة لمطالب الشارع المغربي وبمبادرة من الملك جاء دستور 1 يوليوز ليوسع من صلاحيات رئيس الوزراء ، وليجعله المسؤول الأول عن السياسة الداخلية والخارجية أمام ممثلي الشعب أولا ثم أمام الناخبين بعد ذلك . ولقد جاءت هذه الخطوة لتضع حدا للأعذار التي تسوقها الحكومات في حالة فشلها، حين تدعي بأنها كانت" العبد المأمور" . فلن يكن هناك عذر متاح -بعد اليوم – لرئيس الحكومة المنتظرة ، والتي ستكون تحت قيادة الأستاذ عبد الإله بن كيران الأمين العام لحزب العدالة والتنمية والذي سيكون تحت ضغط مزدوج : ضغط الشارع المغربي ، وضغط تجربة سياسية يخضع لها حزب العدالة والتنمية وهو في السلطة لأول مرة في تاريخ المغرب الحديث . من أجل ذلك يكثف الأستاذ عبد الإله بن كيران من مشاوراته مع العديد من الرموز السياسيين ومع رؤساء حكومات سابقة ، فالمهمة ليست باليسيرة ، والخطوات يجب أن تكون محسوبة لتجاوز المحطات السياسية. الأولى المتعلقة بتكوين حكومة قوية وفعالة تكون بمثابة " الناعورة " المحكوم عليها مسبقا حكما نافذا بالعمل على الحفاظ على حركتها الدائمة لتزويد أرض المغرب الخصبة بعوامل التطور والتقدم في ضوء ديمقراطية حقيقية تضمن العيش الكريم لكل المواطنين . ولتحقيق ما واعد به حزب العدالة والتنمية الناخبين ، راهن هذا الأخير على تعاون أحزاب الكتلة ، معولا في ذلك على تجربتهم السياسية العميقة في الحكم . لكن يظهر من خلال طلائع التصريحات أن رئيس الحكومة المنتظرة حصل لحد الآن فقط على وعود – من أمناء الكتلة - لا يمكن وصفها بالايجابية الآن، فمازال حزبا الاستقلال والاتحاد الاشتراكي يربطان مشاركتهما بموافقة مجلسيهما الوطني . وإن أول الاستنتاجات التي يمكن قطفها انطلاقا من تصريحات قياديين سواء من حزب الاستقلال ، حيث صرح حميد شباط فيما معناه بأن الشارع المغربي محتاج لمعارضة قوية وحتى لا يترك الشارع للفراغ ، وأن حزب الاستقلال مؤهل لملء هذا الفراغ . وتصريحات قياديين من الاتحاد الاشتراكي تشير إلى أن الاتحاد فقد العديد من أنصاره أثناء مشاركته في الحكومة ، ولقد حان الوقت لإعادة ترتيب أوراقه . في الوقت الذي يرى فيه الأستاذ بن كيران أن الوقت الذي اختار فيه كل من الاستقلال والاتحاد الاشتراكي الرجوع إلى المعارضة ليس مناسبا، وأنه بإمكان الاستقلال والاتحاد الاشتراكي تقوية حكومته أي " تسخين كتفيه " حسب تعبيره. والسؤال ما هو الثمن الذي على العدالة والتنمية دفعه لكل من الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال كي يشاركا في حكومة عبد الإله بن كيران؟ لكن من جهة أخرى أي ثمن على المغرب دفعه في حالة فشل حزب العدالة سواء في تكوين حكومته أو في حالة انحرافه على برنامجه السياسي ؟ إن تأخر كل من حزب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي في إعطاء رئيس الحكومة المنتظرة الموافقة في المشاركة في الحكومة يمكن تأويله إلى ثلاث قراءات : القراءة الأولى أن أحزاب الكتلة تريثت بطريقة منهجية قبل منح عبد الإله بنكيران الموافقة النهائية للمشاركة في الحكومة ، حتى يلين عود العدالة والتنمية السياسي وتصبح طائعة سهلة الانقياد ، وتزول من مفاوضاتها الحدة والصلابة ، وتصبح محاورا متفهما وحذرا يتجنب الاختلاف والخلاف مع شركائه السياسيين أحزاب الكتلة ، خاصة في القضايا ذات البعد الدولي : حقوق الإنسان، الحريات الفردية، حقوق المرأة، والثقافة . ففي ما يتعلق بالثقافة ، من المنتظر أن يخضع حزب العدالة والتنمية لامتحانات عسيرة ، إذا سيكون عليه – ولو ضد مجرى أهدافه – الموافقة على إقامة المهرجانات ، والحفلات العمومية ، وتقبل خروج بعض الجمعيات للشارع بطريقة " استفزازية " أو " امتحانية" كجمعية المثليين أو آكلي رمضان أو غيرهما . فخرجات مثل هذه قد تهز مصداقية حزب العدالة والتنمية ، وتضعه أمام تحديات كان يضمر أنه في غنى عنها، وهو يعلم أن العديد من رواد الفايس بوك قد رفضوا اسمرار ما سبق على أرض إسلامية. القراءة الثانية أن أحزاب الكتلة صادقة فيما تقول وأنها فعلا تريد العودة إلى المعارضة لملء الفراغ ، فالشارع المغربي محتاج لمعارضة قوية وذات جذور شعبية ، وهذا لا يتوفر إلا في حزب الاتحاد الاشتراكي والحزب الاستقلالي بمنهجيتهما التقليدية وبطريقتهما الهجومية دفاعا عن انتظارات الناخبين . لكن هنا أيضا جزئية قد يفقد الاستقلال والاتحاد الاشتراكي بعض بريقهما في المعارضة . فالحزبان آتيان "توا" من الحكومة ، موقع مفاتح القرار ، وسيكون دفاعهما عن الناخبين في مواجهة حكومة أخرى شبه استعراضي لا مذاق له . لأنه وكما يقول المثل " لو كان الخوخ يداوي لداوا راسو" . وسيكون من حق الناخب طرح السؤال : " لماذا لم يقم الحزبان بما يطالبان به ، يوم كانا في الحكومة؟ القراءة الثالثة أن أحزاب الكتلة تريد أن تبيع مشاركتها وتجربتها بثمن مقبول وعلى ذلك الأساس فهي تظهر بمظهر الغير معنية ، وفي حالة تشبث عبد الاله بنكيران – تخوفا من تضيع الفرصة- ستطالب " الكتلة " بأهم الحقائب بدءا من المالية ، وقد يحتفظ العدالة بحقائب ثاوية + رئاسة الحكومة. ويبقى السؤال ، " متأهبون أم ممانعون " يفرض نفسه على الأستاذ عبد الاله بن كيران كل لحظة . لأن الجواب عنه سيقصر الطريق أمامه كي يكوّن حكومته في أحسن الأحوال وبالمواصفات المطلوبة . متأهبون أحزاب الكتلة أم ممانعون ؟ربما هكذا يقول لسان حاله ... ونحن معه ...فالوقت ثمين ...لكن نحن كذلك معهم ..." مئة تخميمة وتخميمة ولا ضربة بالمقص" ، والحقيقة أن أحزاب الكتلة ستمنح رئيس الحكومة ثقلا شعبا ونهجا سياسيا مطلوبا لتجاوز العقبات وعنق الزجاجة ، أي المأزق الحالي في ضوء الربيع العربي . أم ممانعون في استحياء في حالة عدم رغبة الكتلة منح العدالة والتنمية تزكية سياسية كانت تتحاشاها في السابق ، لما كان كل من العدالة والتنمية وأحزاب الكتلة " كلْ واحَدْ يَضْرَبْ على عَرَّامُو". عبد الإله بن كيران يمر إذن من أول تجربة سياسية حقيقية وهو يحاول إقناع أحزاب الكتلة بالمشاركة في حكومته ، فهل ستثبت هذا الامتحان وهو في أول الطريق أمنه " مفاوض متمرس " ذو حنكة يعول عليها في مواجهات الملفات الكبرى أم سيثبت الاختبار أنه " ضعيف " ينقصه الدهاء السياسي المطلوب جدا في القياديين السامين؟.