بانصرام يوم الأحد 3-2-2019 يكون وقت إيداع الترشيحات لخوض غمار الانتخابات الرئاسية في القطر الجزائري قد انتهى وأغلق بابه، لينتقل المترشحون أو بالأحرى المرشح الوحيد السيد عبد العزيز بوتفليقة شفاه الله، إلى طور الدعاية التي سيقودها اللوبي الذي يصر على أن يظل الرجل في سدة الحكم إلى الرمق الأخير في الحياة، نيابة عنه. حين أبدى الرئيس بوتفليقة، أو بالأحرى من ينوب عنه ويتكلم باسمه، لأن الرئيس لم يعد يسمع له صوت منذ أمد طويل، نيته في الترشح لنيل كرسي الرئاسة مرة أخرى، انتفض الشعب الجزائري عن بكرة أبيه مذكرا باحتجاجات الربيع العربي، وخرج أغلب المواطنين إلى الشارع منددين برغبة رئيس لا تسعفه قواه الجسدية وربما حتى العقلية على قيادة البلاد لفترة رئاسية خامسة. الاحتجاجات الشعبية الواسعة حاول الذين يصرون على بقاء النظام بصيغته "البوتفليقية" أن يسوقوها كمظهر من مظاهر الديمقراطية التي تنعم بها الجزائر في عهد الرئيس المريض، والحال أن الجزائريين ما خرجوا إلى الشارع إلا للتنديد بالحيف السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي تعاني منه دولة نفطية تحتل الرتبة العشرين في مجال انتاج الذهب الأسود في زمن حكم هذا الرئيس. هذه الطاقة الثمينة كان من المفروض أن تستغل في إرساء أسس تنوع اقتصادي يمكن الجزائر من خلق فرص الشغل لأبنائها، خاصة وأن عدد الشباب في البنية الهرمية للساكنة الجزائرية يناهز 75%. كان من الممكن لو نجحت الحكومات المتتالية على تسيير البلاد استغلال ثروة القطر الجزائري النفطية من أجل الرفع من مستوى النمو الاقتصادي الذي كان سيمكنها من تقليص نسبة البطالة والرفع من الدخل السنوي للأفراد، مما كان سيحقق الاستقرار الاجتماعي والسياسي المنشودين. لكن رجال العسكر في البلاد أصروا على سلك سياسة النعامة، وضعوا رؤوسهم في الرمال غير آبهين بالمشاكل التي يتخبط فيها الشعب والتي جعلته يخرج للشارع كي يقول كفى من نهبهم وافقارهم بذريعة أن بوتفليقة حقق الوئام المدني، وما على المواطنين سوى أن يحمدوا الله لأن الإرهاب توقف في البلاد وسفك الدماء انحسر، وهذه نعمة على المواطن أن يحمد الله عليها لأن السلام أهم من الرفاه الاقتصادي. نعم لقد نجح الرئيس بوتفليقة في إرساء أسس الوئام المدني، هذا الوئام الذي وضع حدا لسنين طويلة من القتل الهمجي الذي كانت تشنه الجماعات الإرهابية، وكل من كانت له مصلحة في أن يدوم الشقاق والتفرقة بين أبناء الشعب الجزائري، لكن الأمن الذي تحقق بشكل كبير في الجزائر لم تواكبه نهضة اقتصادية في مستوى تطلعات أبناء المليون شهيد. ضعف النمو الاقتصادي وتراجع المكتسبات الاجتماعية ظلا صخرة سيزيفية يحملها المواطن بصبر لا يطاق على أمل أن تشرق شمس النهضة الاقتصادية التي لم يعرف لا الرئيس ولا الحكومات المتعاقبة على قيادة البلاد كيف يجعلونها تشرق على بلد كبير مثل الجزائر. هناك من رجال الرئيس أيضا من يتغنى بأن بوتفليقة جنب الجزائر ويلات الربيع العربي، ونأى بها عن الخراب الذي عرفته معظم الدول التي مرت بها عواصف هذا الربيع، لكن الحقيقة هو أن الربيع العربي حين هل على الدول العربية وجد الجزائر منهكة من حرب أهلية دامت لعقدين طويلين، وبالتالي لم يكن المواطن الجزائري على استعداد لركوب حرب أخرى وجراحه لم تندمل بعد. فالصدفة والظرف التاريخي هما من نأيا بالجزائر عن رياح الربيع العربي وليس النظام. إصرار عبد العزيز بوتفليقة، أو بالأحرى إصرار رجال الدولة العميقة على بقاء الرئيس في سدة الحكم ولو كان شيخا هرما لا تسمح له قدرته الجسدية على الاشراف على شؤون دولة بمستوى قارة، أثار حفيظة المواطنين، وها هو ربيع آخر بالصيغة الجزائرية يقول للرئيس "ارحل"، وكعادة الرؤساء الذين يعتبرون رأس جبل جليد الأنظمة المستبدة التي يمثلونها لن يرحل الرئيس ليظل يناور ويعد أفراد الشعب بوعود لن تتحقق، لأن الهدف من التسويف هو ربح مزيد من الوقت لأجل إطالة عمر النظام الجزائري. ما أن تم تأكيد خبر ترشح السيد بوتفليقة المتواجد حاليا في دولة سويسرا للعلاج، حتى أعلن العديد من المترشحين لمنصب الرئاسة انسحابهم من السباق نحو قصر المرادية، لأن اللعبة في تقديرهم قد انتهت، ولا جدوى من السباق مع مرشح سيتبوأ المرتبة الأولى في مسرحية الانتخابات الرئاسية. نموذج الانتخابات في القطر الجزائري يؤكد بالملموس أن العالم العربي ما زال أمامه عصور طويلة قبل أن يقتنع رؤساؤه بأن التداول على السلطة هو أساس قوة الشعوب وتقدمها وليس العكس. يحكى أن جورج واشنطن محرر الولاياتالمتحدة من نير الاستعمار البريطاني، حين أنهى فترته الرئاسية حسب ما ينص عليه الدستور الأمريكي، جاءه بعض المنافقين ينوهون بأمجاده ويسألونه أن يظل رئيسا للولايات المتحدة مرة أخرى، أجابهم بقولة خالدة: "الولاياتالمتحدة دولة ديمقراطية وستبقى ديمقراطية إلى الأبد". سلوكه الديمقراطي سجل به اسمه في سجل التاريخ بماء الذهب. مثل هكذا سلوك منعدم في الدول العربية، فالرؤساء يجلسون على الكرسي إلى أن يصبح قطعة منهم، ولا يتخلون عنه سوى بالدماء ولو شردوا العباد ودمروا البلاد، ولنا عبرة في من سبق من رؤساء كالقدافي وبشار، وها نحن نرى ما يقع حاليا في السودان والجزائر. هل سينجح الشعب الجزائري في إقناع رئيسه بالتخلي عن الترشح لفترة رئاسية أخرى، وفي حالة ما ظل على إصراره ما هي التداعيات السياسية التي ستترتب عن هذا الإصرار؟ الأيام وحدها ستأتينا بالخبر اليقين. *كاتب وروائي