قالت لطيفة أخرباش، رئيسة المجلس الأعلى للسمعي البصري، إن الراحل عبد الرحمان عشور، الذي شغل منصب مدير للإذاعة الوطنية، "كان قصة مهنية وإنسانية". وأضافت أخرباش، في لقاء تأبيني أمس الأربعاء بالمكتبة الوطنية في العاصمة الرباط حضره رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، أن عشور "تماهى مع خصوصيات المرحلة، التي أهّلته للاضطلاع بدور الفاعل والشاهد"؛ لأنه "كان من طينة الرجال المؤهلين لإنجاح المراحل وسيرورات الانتقال". وذكرت المتحدثة، التي أدارت بدورها في السابق الإذاعة الوطنية، أن من يستعرض ذكرى المرحوم تفرض عليه كلمة "الوفاء" نفسها؛ نظرا "لما تميّز به من خصال إنسانية عالية في التّفاني العملي والتواضع الإنساني"، مضيفة أن مؤلَّفه "رجل سلطة في الإذاعة" يشهد على ذلك، بإيراده في ملاحِقِه أسماء "الأسرة الإذاعية" مبرهنا بذلك على "ارتباطه الوثيق بهذه الأسرة وخِصلة وثقافة الاعتراف". ورأت أخرباش في هذا الحفل التأبيني "ردّ وفاءٍ بوفاء؛ اعترافا بمسيرة رجل أمضى سبع عشرة سنة في خدمة الإذاعة الوطنية، وأكثر من ذلك بكثير في خدمة وطنه"، موضّحة أن مسارَه "مسار أداء وقيم شاهدٌ على طور التطوّرات المؤسسية بدار البريهي، منذ زمن الداخلية والإعلام إلى التحضير لإطارها القانوني الجديد كشركة وطنية". كتاب "رجل سلطة في الإذاعة" من تجلّيات وفاء الراحل للمجال الإعلامي المغربي، بالنسبة إلى السّفيرة المغربية في تونس سابقا، محيّية "مبادرته التأليفية التوثيقية، التي تشكّل هبة"، داعية كل المنتسبين إلى الميدان إلى تدوين تجربتهم؛ "لأن في ذلك خدمة لتاريخ إعلامنا". وتحدّثت أخرباش عن "علاقات المسؤولية والاحتراف" التي ربطت عبد الرحمان عشور بالإذاعة الوطنية، ووصفته بكونه "رجل توافقات بامتياز"، وشخصا "منصفا للآخر، ومنسابا في طريقة إقناعه، ومتقبّلا للانتقاد"، إلى درجة أنه كان عند تحمّله مسؤولية إدارة الإذاعة "أقرب للزّمالة منه إلى الأستاذية والسلطوية". وذكرت أخرباش، في كلمتها التأبينية لعشور، أن قناعته كانت هي أن "الثقافة المؤسسية لا تولد فقط بالظّهَائِر والأدبيات الموضوعة؛ بل فيما يتبلور ويقتسم من سلوكيات فردية وجماعية"، مضيفة أنها كانت شاهدة في الفترة التي كانت فيها بالمعهد العالي للإعلام والاتصال "على العناية الخاصة، والاستجابة اللا مشروطة التي كان يوليها لتكوين الإعلاميين وإعادة تكوينهم بدار البريهي". ورأى محمد عبد الرحمن برادة، ناشر الكتاب وصديق الراحل، في الحفل التأبيني الذي استقبلته المكتبة الوطنية للمملكة "استحضارا لروح فقيد عزيز، كان مثالا على الوطنية الصادقة والإخلاص والاستقامة"، وأدّى مهمّته "بما يرضي الله والضمير والمصلحة العامة". وتحدّث برادة عن ما لمسه في الراحل من "تضحية وعطاء وخصال حميدة، ومستوى معرفي ولغوي راقٍ"، فضلا عن تجربته الكبيرة بفعل تدرّجه الناجح في السلم المهني. وأضاف في السياق نفسه أن كتاب الراحل "رجل سلطة في الإذاعة" ليس جزءا من تاريخ الإذاعة فقط بل جزء من تاريخ الوطن المغربي، وسرد لمواقف عاشها بجرأة ومسؤولية مع اختيار الإفصاح عن أحداث والتحفظ عن أخرى دون تشهير. الناشر، الذي أمل "أن تدرس الجهات المسؤولة الكتاب"، وضّح أن عبد الرحمان عشور تحمّل المسؤولية بكفاءة عالية في مرحلة دقيقة، مبيّنا أن الكتاب "يتضمن معطيات حول الأسرة الإذاعية، وأجناس الإذاعة، مشكّلا بذلك مرجعا مهما للباحثين في مجال الإعلام السمعي الوطني، ووثيقة مهمة لإغناء فضول وتساؤلات الناس حول العالم السري للإذاعة". وقال الحسين بنحليمة، إذاعيّ مغربي، إن الراحل عاشور قدم من مؤسسة الانضباط والضبط، أي وزارة الداخلية التي أُلحِق بها في إطار الخدمة المدنية بعد تخرّجه من الجامعة، ليجد نفسه في مؤسسة فيها أكثر من الضبط لاعتمادها على الزمان والتقيد به، والنشرات والمتابعات الموسمية المضبوطة والأخبار التي لها وقتها بانضباط، موضّحا أن هذا "ما يلائمه". وذكر بنحليمة أن الراحل قد قاد السفينة "بحنكة وحسن خلق وتجربة، واستطاع استيعاب كل أفكار العاملين في المؤسسة والأدوار في الإعلام والتثقيف والترفيه، والجهات العالمة والسياسية والفنانين والمثقّفين، وكان رجل الساعة". كما كان الراحل، حَسَبَ الإذاعي المغربي، مهنيا حريصا على "الجودة في البرنامج والصوت والموسيقى وما يذاع في المحطّات"، مذكّرا بأنّه من أخرج الإذاعة من مرحلة الآلة الكاتبة وأدخلها مرحلةَ الحاسوب بتطويره اُستديوهات الإذاعة المركزية والإذاعات الجهوية. أنور الجندي، المسرحي المغربي، تذكّر بدوره الحقبة الزاهرة في عهد الراحل التي كانت حافلة ب"الإبداع ووفرة المسرحيات والوصلات التي كانت المتنفس لذوي الاحتياجات البصرية والقاطِنين بالمدن البعيدة والسائقين"، مستحضرا التوجّسات التي رافقت بداية إلحاق أُطر الداخلية بالمجال الإعلامي "نظرا لاختلاف العمل بين حكمة صمت الداخلية، والإعلام وما أدراك ما الإعلام".