قال هشام تيفلاتي، باحث أكاديمي متخصص في قضايا التطرف الفكري والهويات الإسلامية والأقليات المسلمة في الغرب، إن جريمة "شمهروش" التي وقعت نواحي إمليل ليست إرهابية، معتبرا أن "تصرف وزارة الداخلية كان صائبا وحكيما بخصوص وضع العملية ضمن خانة الإجرام"، ومردفا بأن "الأشخاص الذين نفذوا العملية فرادى، ولو أنهم قدموا البيعة للبغدادي وأعلنوا انضمامهم الشكلي إلى "داعش"، إذ لم يكن انضماما صريحا في الحقيقة، لأن القتل لم يكن موجها". وأضاف تيفلاتي، الحاصل على الدكتوراه في سوسيولوجيا الأديان، في حوار أجرته معه جريدة هسبريس الإلكترونية، أن "جرائم الإرهاب يمكن تقسيمها إلى نوعين؛ الأول يكون موجها من طرف الجماعات الإرهابية بشكل مباشر، والثاني يكون عبارة عن جرائم شخصية فردية يرتكبها الشخص أو الجماعة الصغيرة لاسترضاء واستعطاف الجماعة الإرهابية؛ في حين أن وزارة الداخلية والمخابرات لم يعثرا على أي اتصالات مباشرة بين قاتلي السائحتين وداعش". وأورد الباحث في جامعة مگيل وجامعة مونتريال، العضو في شبكة الخبراء الكنديين للوقاية من الراديكالية والتطرف العنيفين، أن "الهوية الدينية الإسلامية التقليدية تعيق الاندماج في أوروبا، إن أخذناها بحرفيتها، لاسيما في ظل الحديث عما يسمى "دار الإسلام" و"دار الكفر". إليكم تفاصيل الحوار كاملاً: هل ترى أن النموذج المغربي في مكافحة الإرهاب منذ هجمات 2003 ناجح على المستوى الدولي، لاسيما بعد وقوع أحداث قتل سائحتين بقرية "إمليل" نواحي مراكش؟. صراحة لا أتوفر على معلومات كثيرة حول المقاربة المغربية..التقيت ذات يوم بالمكلف بخلية الإرهاب داخل وزارة الخارجية، وكذلك مسؤول آخر في وزارة الداخلية، على هامش مؤتمر نظمه كل من المغرب وأمريكا في مالطا، فوجدت أن المقاربة تبقى غير واضحة؛ ثم لا أستطيع القول إنها جدية مائة في المائة، أي تحاول الوصول إلى حلول جذرية مع المتطرفين. أما قضية السائحتين، فوزارة الداخلية أعلنت أن العملية ليست إرهابية، لتضعها بذلك في خانة الإجرام، وهو تصرف صائب وحكيم، لأن الدولة تعتمد على إيرادات السياحة. كما أن الأشخاص الذين نفذوا العملية فرادى، ولو أنهم قدموا البيعة للبغدادي وأعلنوا انضمامهم الشكلي إلى "داعش"، إذ لم يكن انضماما صريحا في الحقيقة، لأن القتل لم يكن موجها؛ على أساس أن جرائم الإرهاب يمكن تقسيمها إلى نوعين؛ الأول يكون موجها من طرف الجماعات الإرهابية بشكل مباشر، والثاني يكون عبارة عن جرائم شخصية فردية يرتكبها الشخص أو الجماعة الصغيرة لاسترضاء واستعطاف الجماعة الإرهابية..في حين أن وزارة الداخلية والمخابرات لم يعثرا على أي اتصالات مباشرة بين قاتلي السائحتين و"داعش". كيف يمكن تفسير نزوع بعض المغاربة الذين ترعرعوا داخل الدول الغربية إلى التطرف؟ أولا، التطرف مثلما نفهمه في علم الاجتماع أمر نسبي. على سبيل المثال نفس "بروفايلات" شباب السبعينيات والثمانينيات الذين ذهبوا لمحاربة الروس ونصرة إخوانهم في أفغانستان لم يُنظر إليهم على أنهم متطرفين، لأن السياق السياسي العالمي له تأثير واضح على مفهوم ومغزى التطرف، ومن ثمة تحديد من يعتبر متطرفا أو مدافعا عن حقوق الإنسان وحريات الشعوب. والأمر لا يقتصر على أفغانستان فقط، بل يمكن إدراج الشيشان والبوسنة وغيرها. المشكل ظهر في أوائل التسعينيات مع دولة الصومال، فحينما أدارت القاعدة وطالبان ظهرها لأمريكا بدأنا نفهم أم مفهوم التطرف نسبي، لأن أمريكا والغرب بصفة عامة غيّرا وجهة التطرف؛ ومن ثمة نفهم الآن أنه لا توجد نظرية واحدة لتفسير الظاهرة في شموليتها، من قبيل الشباب الذين جاؤوا من وسط فقير وإجرامي، أو لهم باع في المخدرات والدعارة، وينتقلون إلى الإرهاب والانضمام إلى "داعش" أو القاعدة؛ بل يجب دراسة كل حالة (بروفايل) على حدة، لأنه من الصعب بمكان الإتيان بنظرية يمكن تعميمها على جميع الحالات. يأتي بعض المتورطين في الهجمات الإرهابية من خلفيات مهمشة اقتصاديا واجتماعيا، ما دفع العديدين إلى التركيز على الروابط المحتملة بين الإرهاب واندماج المهاجرين الفقراء في المجتمع الأوروبي.. ما رأيك؟. نعم، توجد علاقة بين الوسط السوسيو اجتماعي للمتطرف وظاهرة التطرف، لكن من الصعب إثباتها في العالم الغربي. الأشخاص الذين حاورتهم من المغرب وتونس على وجد التحديد يمكن أن يكون لنظرية الأصل والوسط المهمش اقتصاديا واجتماعيا صدى نسبي لديهم، لأن "داعش" في أوائل سنة 2013 قبل إعلان الخلافة كانت تعرض أمورا مغرية بهدف استقطاب الإنسان الذي يعيش في دول العالم الثالث، حيث كانت تعد بتقديم ما بين 500 و1000 دولار في الشهر الواحد، إلى جانب توفير السكن والدراجة النارية، وحتى السيارة للقادة والأمراء. كلّها أشياء مغرية لإنسان يعيش في دولة فقيرة، لكن إذا قِسنا ذلك بالشخص الذي يعيش في العالم المتقدم، من قبل أوروبا وأمريكا الشمالية، فلا أعتقد أن الإنسان يمكن أن يترك الوسط المهمش في بلجيكا أو فرنسا أو كندا.. فلن يكون التهميش السبب الأول والأخير، لأنه مهما وصل يبقى أحسن حالا مما تعرضه "داعش" وما يوجد في العالم الثالث. في كندا مثلا، أي إنسان لا دخل أو عمل له يستفيد من المعونة الاجتماعية كمواطن، من تطبيب وتمدرس وغيرهما، وهي أمور تبقى أحسن بكثير مما تعرضه "داعش" وما ستوفره من أمني اجتماعي؛ ومن ثمة لا يمكن الاستناد إلى خلفية التهميش اقتصاديا واجتماعيا في تبرير الذهاب إلى بؤر التطرف. توجد ما تسمى عوامل الدفع والجذب (Push and Pull factors)؛ ذلك أن بعض العوامل الاجتماعية، على رأسها التهميش الاجتماعي والعنصرية ومعاداة الإسلام والعرب وشمال إفريقيا في أوروبا، تُحسب من عوامل الدفع، لوجود حالات دفعها الاضطهاد والتهميش الاجتماعي، عوضا عن التهميش المادي، إلى البحث عن هوية ومكان داخل مجتمع وهمي صورته "داعش" في كل ما تنشره من أفلام وأشرطة على أنه العالم المثالي للمسلم والهوية المسلمة المضطهدة في العالم الغربي الإسلامي، فحفزت المسلم الحامل للهوية الإسلامية على الذهاب حتى ينعم بالعدل والحرية والرفاهية وغير ذلك. هل تعتبر الهوية عائقا يحول دون اندماج المهاجرين العرب في أوربا؟ نعم، لكن حسب الهوية الإسلامية، لأنها ليست أمرا ثابتا، بل تتغير بتطور الزمان والمكان، فهوية المسلم المغربي في السبعينيات ليست هوية سنة 2019، بل تنمو وتتأقلم مع تغيرات المجتمع. في أوربا على وجه الخصوص كانت هنالك مشاكل مع جاليات شمال إفريقيا في السبعينيات، لأنها كانت تعتبر مجرد "كحل الراس" (sale arabe)، لكن تمت ترقية الهوية التي تعتبر هوية إرهابية إسلامية، لأن الهوية كلمة معقدة، سواء كانت جغرافية أو عرقية أو ثقافية أو لغوية أو دينية. الهوية الدينية الإسلامية التقليدية تعيق الاندماج، إن أخذناها بحرفيتها، لاسيما في ظل الحديث عما يسمى "دار الإسلام" و"دار الكفر"، حيث يُحرم العيش بين "الكفار" إلا لضرورة الدراسة والتجارة المؤقتة أو الدعوة إلى الدين، التي انتفى مبررها بفعل وسائط التواصل الاجتماعي؛ فالمتدين البسيط يعيش عقدة الذنب داخل الغرب، إن كان يؤمن بالإسلام التقليدي، لأن المجتمع الغربي، وفقه، لم يبنَ على قيم إسلامية، ما جعل خطة الجاليات الإسلامية في البداية تسعى إلى الهجرة المؤقتة فقط، لكنها اصطدمت بالواقع، فوجدت أن الاستقرار في "دار الكفر" هو واقع لا هروب منه، بل صارت أحسن من "دار الإسلام" بسبب توفر حرية الشعائر الدينية والحرية السياسية. لكن الإشكاليات الفقهية هي التي تعيق الاندماج. ولا نلوم المهاجر البسيط بسبب فتاوى الفقهاء التي تحلّل وتحرم بين الفينة والأخرى، وهي مسائل مازالت في طريق الحل والنقاش. ألا ترى أن مشاعر القومية التي تتبناها أحزاب اليمين الهوياتي في أوروبا، الرافضة أساسا للتعددية الثقافية والمدافعة عن الشعبوية، ساهمت في تنامي الحقد الذي يمكن أن يتحول أحيانا إلى تفكير في تنفيذ هجمات إرهابية لحظية؟ مشاعر اليمين المتطرف في أوروبا ليست مشاعر جديدة، بل هي التي أدت إلى قيام النازية والفاشية واغتيال ستة ملايين يهودي في ألمانيا وبولندا، فهي الأحزاب والجماعات التي تشتغل في الخفاء والعلن، وتتبنى قضية الهوية الأوروبية والقومية، وتتخفى وراءها للدفع بأجندات معادية لكل ما هو مخالف للتعددية الدينية والثقافية والعرقية والإثنية، وحتى اللغوية في بعض الدول. التطرف الإرهابي اللحظي لا يكون بالضرورة من قبل أشخاص يحملون أسماء إسلامية ويُحسبون على التيار الإسلامي، لأن اليمين المتطرف والجماعات الإرهابية ترمي بعضها البعض بتهم مفادها أن الآخر هو السبب الأساسي في ما وصلنا إليها من تدهور.. فاليمين يقول إن الجماعات الإرهابية تحاول تغيير ثقافتنا وإفساد حضارتنا التي بنيناها منذ مئات السنين، بينما تقول الجماعات الإسلامية، من خلال أطروحة "داعش"، إن الغرب هو من بدأ الاستعمار والغزو والعنصرية. ارتبط التطرف الديني في وجدان الهويات الإسلامية بنظرية المؤامرة. هل ترى أن هذه النظرية من بين أسباب التطرف؟. إن نظرية صناعة "داعش" والقاعدة وكون بن لادن عميل غربي ليست نظرية صحيحة مائة في المائة، وليست كذبا مائة في المائة، بل أقف عند النصف، فالإيديولوجيا التي تؤدي إلى التطرف لا تتحرك، وإنما الفاعل هو من يحركها. الغرب، خصوصا أمريكا، كان له الدور في قيام الموجة الرابعة من الجهاد، وهنالك من قال إنها بدأت مع أفغانستان، لأن الجهاد الإرهابي جديد، فالعالم الإسلامي عرف جهاد الدول فقط، وليس جهاد الجماعات الانفصالية، أي جهاد الفرادى والجماعات الذي ابتدأ في السبعينيات. يوجد كتاب جميل اسمه "good muslim, bad muslim"، يشرح كيف دفعت أمريكا بالسعودية ودول العالم الإسلامي وفرضت مساعدة طالبان، إذ استغل الرئيس الأمريكي ريغان قادة طالبان، ليشبههم بالآباء المؤسسين لأمريكا، ويقول إنهم يدافعون عن الحرية.. فهل هي التي صنعت طالبان وداعش والقاعدة؟.. أجيب ب لا، لكن هل كانت لها يد في الشرارة الأولى التي أدت إلى ازدهار الجماعات الإرهابية؟.. أكيد نعم، لأنه توجد وثائق وحقائق تثبت أن أكبر خطأ وقع فيه الغرب بعد انسحاب روسيا من طالبان، يكمن في رفع أمريكا يدها عن أفغانستان، لتترك الجماعات تفعل ما تريد، وهنالك من رجع إلى الجزائر وأسس جماعات إرهابية تسببت في اضطرابات التسعينيات. لا أتبنى نظرية المؤامرة مائة في المائة، لكن توجد خيوط يمكن تتبعها. كيف تساهم تيارات الإسلام السياسي في إذكاء روح التطرف الديني؟ أرى أن عبارة "الإسلام السياسي" فضفاضة، لأن هنالك من يقول إنها تشمل الإخوان أو كل مسلم أو أي جمعية تطالب ببناء مسجد أو من يدافع عن حقوق المسلمين... وبالتالي، دون فهم معنى العبارة تصعب الإجابة عن السؤال مباشرة. لكنني أفرق في عملي بين التطرف السلوكي والتطرف الفكري؛ فهذا الأخير يوجد في النص ولا تحتاج إلى الإسلام السياسي لإثباته، حينما تؤمن أن من لا يتبنى نفس مذهبك سوف يذهب للنار، أو أنك شعب الله المختار.. أما التطرف السلوكي، وهو أصل المشكل، فهو حينما تتحول الأفكار من داخل عقل المؤمن إلى سلوك فعلي. يجب إيجاد التوافق للعيش في القرن الواحد والعشرين ودفع روح التطرف، من خلال التوافق مع وصلت إليه الحضارة من مساواة وحقوق للإنسان واحترام المرأة، حيث توجد نصوص صريحة تتعارض مع هذه المفاهيم، ولو حاولنا التأويل فهي تتعارض مع هذه القيم. هل تعتقد أن الفصل بين الثابت والمتغير في النصوص الدينية سيمكن من معالجة التطرف الديني؟. من وجهة نظري، الفصل بين الثابت والمتغير لن يغير شيئا، لأن هنالك مجموعة من النصوص الصريحة التي ندعي ثبوتها، من قبيل نصوص الحدود ورجم الزاني وغيرها، ولأن الثابت والمتغير في النص الإسلامي من نتاج فقهاء القرن الثالث والرابع الهجري، حسب الزمان والمكان. لكن هنالك إشكاليات كبيرة في القرن 21، مثل الإرث الذي ينظر إليه على أنه "تحدٍ لله ورسوله"، ما مرده إلى طبيعة التنشئة التي تلقيناها في المجتمع، مثل المجتمع الذي يتبنى مدونة أحوال شخصية مبنية على النص فقط. المرأة صارت تأخذ مناصب المسؤولية في المجتمع، وقد قَبلنا ذلك لا شعوريا في وجداننا، إذ لم نر أنها معادية لصريح النص، في وقت نشأنا داخل مجتمع يفرق بين الذكر والأنثى في الإرث. إنها قضية زمان ومكان ومجتمع، ولا تتعلق بالثابت والمتغير.