يُعاني قطاع البناء والأشغال العمومية من أزمة واضحة ليس فقط بسبب ركود العقار وصعوبة الوصول إلى الصفقات العمومية، بل أيضاً بسبب ممارسات خفض الأسعار بشكل كبير التي باتت تلجأ إليها مقاولات عدة للفوز بالصفقات. ويتجلى هذا الوضع المقلق من خلال مراسلة وجهتها الجامعة الوطنية للبناء والأشغال العمومية، التابعة للاتحاد العام لمقاولات المغرب، إلى أعضائها حذرت فيها من تنامي هذه الظاهرة في السنوات الأخيرة التي تسببت في أزمة كبيرة لقطاع البناء والأشغال والعمومية. المراسلة، التي تتوفر عليها هسبريس، أشارت إلى أن هذه الممارسات تنتج حالات إفلاس كثيرة ودخول العديد منها في مساطر التصفية أو التسوية القضائية، ناهيك عن المتابعات القضائية التي تصل في بعض الأحيان إلى الجنايات. ولأن الوضع أصبح خطيراً ومؤثراً بشكل كبير، دقت الجامعة ناقوس الخطر في رسالتها إلى أعضائها من الفاعلين في القطاع بعدما أكدت أن ممارسات خفض أسعار خدماتها وأشغالها أصبحت بمثابة "وباء" يضرب النسيج المقاولاتي. ودعت الجامعة مسؤولي المقاولات المشتغلة في القطاع إلى "مراجعة سياسات الأسعار والتقدم للصفقات العمومية بأثمنة وعروض معقولة تغطي مصاريفهم وتتيح هامش الأرباح اللازمة لضمان بقاء المقاولات على قيد الحياة قبل فوات الأوان". ولم تخف مراسلة الجامعة الوطنية للبناء والأشغال العمومية إلى أعضائها، الذين يقدرون بالآلاف ويوفرون مناصب شغل مهمة، تخوفها من مستقبل القطاع، وشددت على ضرورة أن يتخذ مدراء المقاولات قرارات من شأنها أن توقف مسلسل خفض الأسعار. وهذه الظاهرة ليست جديدة في قطاع البناء والأشغال العمومية، حيث سبق للجامعة الوطنية أن نبهت إلى هذه الممارسات المضرة بالقطاع، حيث يلجأ البعض إلى تقديم عروض بسعر الكلفة للفوز بالصفقات العمومية التي تعمل بقاعدة اختيار أقل عرض قدم لها. وينظم القانون هذه الممارسات، حيث ينص مرسوم رقم 349-12-2 المتعلق بالصفقات العمومية على أن العرض المنخفض بكيفية غير عادية هو الذي يقل بأكثر من 25 في المائة من الثمن التقديري الذي وضعه صاحب المشروع بالنسبة لصفقات الأشغال. وتصل هذه النسبة إلى 35 في المائة بالنسبة لصفقات التوريدات والخدمات غير تلك المتعلقة بالدراسات، التي تطلب لجنة طلب العروض من المتنافسين توضيحات واتخاذ قرار بقبولها أو رفضها بناءً على التبريرات التي تقدمها. لكن رغم تنصيص هذا الظهير على عدد من المقتضيات، فإن تطبيقها يبقى خاضعاً لتقدير لجنة الطلبات العمومية المكلفة بفتح أظرفة العروض التي قدمت لها والتبريرات التي قد تراها مناسبة، والتي قد تكون مضرة بالنسبة للقطاع في نظر آخرين. وبحسب الإحصائيات الرسمية للاتحاد العام لمقاولات المغرب والجامعة الوطنية للبناء والأشغال العمومية، فإن عدد مقاولات هذا القطاع يصل إلى 5000 مقاولة موزعة على مختلف جهات المملكة وتوفر مناصب شغل تصل إلى 80 ألفا. وقد أعلنت وزارة التجهيز مؤخراً أن المشاريع الاستثمارية المبرمجة في هذا القطاع لسنة 2019 تصل قيمتها إلى 40 مليار درهم، وتهم الطرق والطرق السيارة والموانئ والنقل البحري والسكك الحديدية، ناهيك عن الماء واللوجستيك والنقل والسلامة الطرقية والتجهيزات العامة.