تعددت النقاشات حول إشكالات لغات تدريس العلوم في المدرسة المغربية، وحول ربط التعليم بالتنمية والاقتصاد والشغل والفرص والإصلاح، وربط اختيار اللغة بالأدْلَجَة والتسْييس، والدفاع عن الشعب، أو عن الملكية، وبصفة أقل عن الديمقراطية والعدالة والأخلاق. وبرز ضمن الكتبة والأصوات والصور "مفكرون" و"مثقفون" و"علماء" و"خبراء" و"قياديون" كبار أو "وازنون" كثيرون، بحسب اصطلاحات الإعلاميين، الخ. وما يخرج به المتتبع لقضية وطنية ذات أهمية قصوى ومصيرية ذات انعكاس مباشر على مستقبل الأجيال وعلى النمو هو وجع في الرأس، جراء البحث عن خطوط الرؤية، أو المنهج، أو الترصيد لما قد يجود به المجتهدون الجادون من أهل الاختصاص أو أصحاب النيات الحسنة، الخ، على أمل رسم خطة متكاملة ومتوافق عليها تضع أسسا معقولة، وتنضج لعرضها على أنظار الشعب والدولة، علما أن المؤسسات التي أوكل إليها تهييء المقترح أو الخطة خرجت بمسودات لم تقنع أحدا، رغم الوسائل المادية والبشرية الكبيرة الموفرة لها، ورغم الأبواق الإعلامية التي جندتها. وقد زاد الأمر استفحالا أن ساهمت الإديولوجيات الفئوية بالقسط الأكبر في التعتيم، وكذلك ما روجته فئة من الجامعيين والأسماء المحسوبة على "المخزن الثقافي" من أغاليط ومغالطات، جعلت الحلول المقترحة تبتعد عن مصالح البلاد والعباد، وتصب في خدمة قُيّادِ من نَعَتُّهم سابقا بفئة "الأَرانب اللغوية والثقافية"، التي لا تدخل السباق إلا لخدمة مصالحها الذاتية الضيقة عبر خدمة الفرنكوفونية الإقصائية. وضمن هؤلاء فئة من كان يسميهم المرحوم أحمد زياد Les arabisants de service "المعرِّبون في الخدمة"، وكذلك، كما أصبح واضحا الآن، فئة Les amazighisants de service "الممزغون في الخدمة"، علاوة على فئة "الدارجوفونيين" المعهودين. وتجد هؤلاء "الفاعلين" و"النشطاء" إلى جانب أعضاء في أحزاب سياسية مهووسين بتصفية حسابات سياسية وانتخابية على حساب اللغة، وبعض رجال الأعمال الذين غَمَرَهم حماسُ الإفتاء في السياسة اللغوية والتعليمية، وقد ركبوا موجة الحلول التي لم نسمع بها في أي بلد مستقل يروم التقدم، ويُلْبِسُ السياسة فضائل المعرفة والعدالة والديمقراطية والأخلاق. المعرفة تقتضي الإلمام على الأقل ببعض أبجديات السياسة والتخطيط اللغويين، ومرتكزاتها كما هي معهودة في الدول المتقدمة أو الصاعدة، والنظر في النماذج التعددية للغات وآليات اعتمالها وانسجامها، الخ.. ومبتدؤها الربط بين اللغة (أو اللغات) الوطنية والتراب والرسمية، في التعليم والإدارة والفضاء العمومي والإعلام والإشهار، الخ. والعدالة اللغوية والثقافية تعني العناية بالحقوق اللغوية للمواطن، ومبتدؤها الحق في لغة التراب أولا (وهي العربية والمازيغية هنا)، والتعلم بها، الخ، والحق في اللغة العالمية الأولى (وهي الإنجليزية بدون منازع)، والمرجعية الثقافية العالمية، وهي أنجو-ساكسونية الآن، وأحقية اللغة (أو النوعة) المعيارية، وحماية النوعات اللهجية بهدف الاستدامة، الخ. والديمقراطية تقتضي مراعاة اختيارات الشعب المتعددة والمختلفة، واستشارته عبر الآليات المعروفة، وضمنها الاستفتاء. والأخلاق تقتضي، ضمن أمور أخرى، احترام لغات الوطن والتراب والمواطنين، عوض التشهير بها وبخسها. وكل الحلول تؤدي إلى تعددية لغوية خاصة، متمكنة وطنيا ودوليا، ومتوافق عليها، لكنها تتماشى والحلول المطبقة في البلدان التي نجحت في تكوين المواطن المرتبط بلغته ووطنه، المتعلم للغات الآخر التي يجد فرصا فيها له ولوطنه، المنفتح على الثقافة العالمية. ومن هنا، يبطل كل حل يطلب من المواطن أن يتخلى عن لغته التي تمثل هويته ليكون "كونيا" أو عالميا (فقط). فمفارقة العولمة أنها أعادت الاهتمام بالهويات إلى الواجهة، واستدعت التوفيق بين "الانتماء إلى العالم" و"الانتماء إلى القبيلة" بمعناها الواسع، سواء كانت إثنية أو أمة أو ديانة، بحكم الحق في التجمع الحر، الخ، ثقافةً ولغةً. ومن هنا يبطل كذلك الزعم بأن الدفاع عن العربية في التعليم فعل إديولوجي، أو أن الدفاع عن المازيغية في التعليم فعل إديولوجي، بل هو مطلب مشروع لأي متكلم للغة مدسترة، تمثل هويته، وتحفظ كرامته. فكيف لهؤلاء "المفكرين" الكبار أن يبخسوا لسانهم العربي ولسانهم المازيغي معا، ويقطعوا بأن لا مكان للعربية في تدريس العلوم، ولا مجال للمازيغية بنفس المناسبة؟ أي علم يقول هذا؟ وأي سياسة مواطِنة؟ فاللغة العربية لغة وطنية قوية تاريخا وحاضرا في مجال العلوم، وهي لغة مؤهلة للقيام بهذا الدور. وإذا كانت الإستونية التي يتكلمها أقل من مليون فرد تدرس بها العلوم، وإذا كانت العبرية الحديثة (وهي لغة ناشئة لا يصل عمرها إلى القرن) تدرس بها العلوم حصريا من الابتدائي إلى العالي، ولا تقاسمها في ذلك لغة أخرى، والفنلندية والفارسية والتركية، الخ، فما شأن العربية سوى أنها بيد قوم يرهبونها ويعذبونها، حتى وهم يستفيدون من عوائدها الاقتصادية، ويستعملونها لغة لكسب العيش، وللتواصل السلس الذي وفره لها من التزموا في الممارسة بجعلها لغة ذات محتوى وذات مراس. وأما المازيغية، فحتى وإن كانت غير مؤهلة تأهل العربية الآن، إلا أنها لا يمكن أن تحرم على مستوى المبدأ من القيام بالوظائف التي توكل لها عبر التخطيط اللغوي التدريجي، في ظروف قد تؤدي إلى توافقات سياسية مرحلية تضع لها أولويات وظيفية. ولأن المغاربة في غالبيتهم متشبثون بأن تكون اللغة العربية لغة تدريس العلوم، وهي من بين أقوى لغات العالم (ضمن خمس إلى عشر لغات كبرى)، فلا أدري ماذا يمكن أن يكون مسوغُ منعها من ذلك. والذين يدعون أن التعريب فشل، وأن الموضوع طوي، لم يقدموا دليلا على ذلك، بل يصدرون عن فقدان للموضوعية وضعف للتبصر، في غياب تقييم موضوعي محايد لتجربة تعريب المواد العلمية في التعليم الإعدادي والثانوي في المغرب. وكم من كبار العلماء البارزين المتألقين عالميا درسوا العلوم أولا في سوريا والعراق ومصر، الخ باللغة العربية، ثم انتقلوا إلى مركز دولية تشتغل بالإنجليزية أو الألمانية أو الفرنسية، وأبدعوا هناك. والتعليم بغير اللغة الوطنية يطرح مشاكل عديدة إلى اليوم معروفة، أبرزها أن الذي يغير لغته إلى لغة ثانية أجنبية لا يتمكن من الفهم والتحصيل الدقيق في حالات كثيرة. وحين نسلم اليوم بأن فوائد إشراك اللغة الأجنبية في التدريس (المتألقة عالميا في العلم والمبادلات والتواصل) أكثر من أضرارها (فنرجح كفة الخير على كفة الشر، وحتى إذا كان "شرا"، فهو شر لا بد منه)، فهذا لا يمكن أن يفهم منه أن اللغة الأجنبية ستعوض اللغة الوطنية أفقيا وعموديا في كل الأسلاك، كما يقترح السيد وزير التربية، بل يعني أن تدخل اللغة الأجنبية متأخرة في التعليم ابتداء من الثانوي والعالي، وفي بعض المضامين أو المجزوءات التي تتطلب مرجعية أجنبية قوية (كما شرحنا في مقالات سابقة). ونتيجة لهذا، ينبغي أن نستغني عن مفهومين غير لائقين اعتمدهما المجلس الأعلى للتعليم في بناء رؤيته: (أ) مفهوم "انسجام لغات التعليم" بين الأسلاك، بمعنى أن تدرس المواد العلمية بلغة واحدة عبر الأسلاك، وهو منهج لا شرعية له، لأن أي دولة متقدمة أو صاعدة لا تُدَرّس باللغة الأجنبية وحدها في جميع الأسلاك، و(ب) مفهوم "التناوب اللغوي"، الذي أثار نقاشا حادا في البرلمان، وهو مفهوم غير ملائم وغامض بالفعل ولا محل له كذلك، ما دام التناوب اللغوي قد يفيد الانتقال من لغة إلى لغة داخل نفس الصف أو المادة، بينما السيد وزير التربية يتحدث عن لغة واحدة تدرس بها العلوم. فأين التناوب في هذا؟ وما دام التناوب اللغوي "خيارا تربويا يستثمر في التعليم المزدوج أو المتعدد للغات، (وهو) يروم تنويع لغات التدريس، وتحسين التحصيل الدراسي فيها... بتعليم بعض المضامين أو المجزوءات في بعض المواد باللغات الأجنبية"، كما هو محدد في النص العربي للرؤية الإستراتيجية والقانون الإطار. وما دام النص الفرنسي لا يقول نفس الكلام، بحيث يحدد هدف التناوب في "إتقان اللغات الأجنبية"، وهو هدف مردود، كما تبينه الدراسات المختصة في الموضوع، وليس "تحصيل (العلوم)"، كما يفهم من النص العربي، وحيث إن النص الفرنسي يتحدث عن تعليم ثنائي ومتعدد، لا ندري كيف تم إنزاله وربطه بالتناوب، ولاعتبارات عديدة أخرى، تمت قراءة النص بلغتين مختلفتين دون شك: ومنها قراءة السيد رئيس الحكومة السابق الذي يرى أن التعليم الأساسي يكون بالعربية، والتناوب يعني المجزوءات والمضامين المخولة ("استثناء" للغة الأجنبية)، قصد تعزيز التحصيل الجيد لمضمون المادة. وهذه هي القراءة الطبيعية التي تتماشى مع المادة 84 من الرؤية الإستراتيجية التي تنص على كون اللغة العربية "اللغة الأساس والأولى للتمدرس... يتعين تقوية وضعها وتنميتها ...وتجديد المقاربات والطرائق البيداغوجية" لتحسين تدريسها وتعلمها. وتنص المادة 85 من نفس النص على أن "اللغة العربية لغة التدريس" وأن مبدأ التناوب اللغوي يتم تفعيله "بالتدرج على أساس تدريس بعض المضامين والمجزوءات باللغة الفرنسية في التعليم الثانوي التأهيلي على المدى القريب، وفي التعليم الإعدادي على المدى المتوسط، واللغة الإنجليزية في التعليم الثانوي التأهيلي على المدى المتوسط". إلا أن السيد الوزير قام بقفزة عالية ذات مخاطر حين أقر بأن تعليم المواد العلمية بالفرنسية لن يكون جزئيا، كما تنص عليه المادة، ولا محصورا في الثانوي في هذه الفترة، بل ابتداء من الإعدادي، وقبله خرجت مسودة القانون الإطار (التي لا ندري من قام بتحريرها) بهندسة "قافزة" أيضا، بحيث نص في مادته 31 على أن التناوب يعني "تدريس بعض المواد، لاسيما العلمية والتقنية منها، أو بعض المضامين والمجزوءات في بعض المواد بلغة أو لغات أجنبية"، بحيث انتقلنا من التدريس الجزئي للمضامين باللغة الأجنبية إلى التدريس الكلي بها، ولم يعد التدريس محصورا في المواد العلمية، بل تعداه إلى مواد أخرى. فالاختلاف بين النصين واضح، والاختلاف بين الصيغة العربية والصيغة الفرنسية قائم، واعتماد السيد الوزير للقفز على النص الإطار هو مثار النقاش المحتد، ويجب فعلا أن يكون محتدا. ويضيف القانون الإطار شيئا جديدا غريبا، له عواقب غير محسوبة، حين يدعو إلى "العمل على تهيئة المتعلمين من أجل تمكينهم من اللغات الأجنبية في سن مبكرة، وتأهيلهم قصد التملك الوظيفي لهذه اللغات". وكان أجدى أن يُتلافى مفهوم التناوب الغامض، ويستعاض عنه بمصطلح أوضح، كأن يقال "التعليم المُوَزَّع" للمواد العلمية عبر لغات التدريس. ومهما كانت الهفوات التي تعتري النصين معا، وهي كثيرة، فإن المشكل الكبير أن النقاش دار خارجهما، ما يعني أن المغاربة شبه مجمعين على أنهما بحاجة إلى إعادة صياغة في الجوهر، وإلى تحديد المفاهيم المناسبة والاستغناء عن المفهومين المذكورين سالفا لعدم صلاحيتهما. والمشكل الأكبر، علاوة على هذا، هو أن الحلول المقترحة ليست عادلة، بحيث لا تنصف المواطن في فرصه المرتبطة بتعلم اللغات، وليست ديمقراطية، ما دامت تفرض عليه اختيارا واحدا، دون أن تتيح له بدائل أخرى، وليست أخلاقية، ما دامت لا تحترم كرامة المواطن باحترام لغته (أو لغاته). وقد سبق لي أن اقترحت حلا ثلاثيا للغات تدريس العلوم، يراعي شرطي الإنصاف والديمقراطية، والتوفيق بين المواطنة والكونية (أو الكرامة والنجاعة)، أعيد التدقيق في ما يلي في مضمونه الأساسي، مؤكدا قصور الحل الأحادي الذي اقترحه وزير التربية، وفي نفس الوقت عدم كفاية مقترحات أخرى اقتربت من الحل وردت عند أطراف أخرى، إلا أنها اشتركت في كونها لا تتيح اختيارا للمتعلم. أحد عناصر الخلاف الهامة حول لغات تدريس العلوم هو حضور اللغة الوطنية في تدريس العلوم. فالرؤية الإستراتيجية تقر بحضور العربية باعتبارها اللغة الأساسية للتدريس، وبالتالي لا يمكن أن تقصى من تدريس العلوم. وبما أن الوزير يقترح إقصاء اللغة العربية من هذا التدريس، وانفراد الفرنسية به، فمقترحه مرفوض (وكذلك مقترح من يؤيدونه)، لأن برنامجه مخالف للرؤية، بل لمسودة القانون-الإطار نفسه، وللمحتوى العميق للدستور، وكل مبادئ السياسة اللغوية التي أشرنا إليها. وإذن يجب الحسم في موضوع أن اللغة العربية لا بد أن تكون حاضرة في تدريس العلوم. وأما اللغات الأخرى فيكون التدريس بها جزئيا، فتكون داعمة للتحصيل في هذه المواد، أو هي ملازمة للعربية من أجل رفع مرجعية التحصيل وجودته، في الثانوي والعالي على الخصوص. المسالة الثانية هي: أي لغة أجدى في رفع مرجعية التحصيل؟ الجواب أنها الإنجليزية أولا. ولأسباب معقدة سبق أن دققت الكلام فيها، أضيف الفرنسية، فيصبح الحل هو أن تكون لغات تعليم المواد العلمية في التأهيلي والعالي ثلاثية، ولا يمكن أن يكون ثنائيا عربيا فرنسيا فقط من الآن، ولا ذريعة مقبولة يمكن أن تؤجل هذه الثلاثية. فإذا أقررنا مبدأ الثلاثية اللغوية الآن، يكون السؤال بعد ذلك هو: ما هي سيناريوهات هذه الثلاثية؟ وكيف توزع فيها اللغات؟ السيناهوريات كثيرة، لكنها مشروطة بإتاحة الاختيار للمتعلمين (أو بعضه على الأقل). يمكن أن نحصر استيفاء شرط توسيع المرجعية في لغتين للتدريس فقط (علما أن اللغة الثالثة يدرسها المتعلم كلغة أجنبية على كل حال)، أو نحدد استيفاء شرط توسيع المرجعية إلى اللغات الثلاث أجمعها كلغات تدريس للمواد العلمية. ثم يمكن أن نفرق بين لغة رئيسة في تدريس العلوم، ولغة تكميلية. هب أننا ننطلق من السيناريو الثنائي، فسنكون أمام اختيار ثنائية عربية-فرنسية، أو ثنائية عربية-إنجليزية، تجمع بين الوطني والعالمي. وفي كل ثنائية هناك اختيار بين اللغة الرئيسة واللغة التكميلية، فنصل إلى أربعة اختيارات متاحة للمتعلم في إطار الثنائية بثلاث لغات لتدريس العلوم، وبسمة الرئيسية أو التكميلية. وأما السيناريو الثلاثي بثلاث لغات، عربية-فرنسية-إنجليزية، فتتاح فيه ثلاثة خيارات، بحيث تكون إحدى اللغات الثلاث رئيسة والأخريان تكميليتين. وإذا أتحنا الاختيارات حسب السيناريوهات الثنائية والثلاثية نصل إلى 7 اختيارات (4+3) ممكنة للمتعلمين، يدرسون فيها العلوم بصفة تعددية ومتزنة، لا تضيع فيها فرصهم في اللغة الوطنية واللغات الأجنبية.. وهي تتفادى السلبيات الكبيرة التي تنجم عن التراجع عن التعليم باللغة الوطنية. السيناريوهات الثنائية هي المتداولة عادة، ولكن السيناريوهات الثلاثية موجودة كذلك، وإن بصفة أقل اطرادا ووضوحا. وعلى كل، فالاقتصار على 4 خيارات، عوض7، قابل للنقاش. أين نجد المدرسين؟ ومتى تتاح هذه الاختيارات؟ إيجاد المدرسين ليس سهلا، ولكنه ممكن بالإرادة، كما فعلت الدول التي أرادت وخططت للإصلاح ووفقت في ذلك. تطبيق الاختيارات ابتداء من الدخول المدرسي المقبل قد يبدو صعبا، ولكنه ممكن بالإرادة. إن تكوين أساتذة العلوم من أجل التبليغ لمعارفهم العلمية بالإنجليزية ورفع جودة التحصيل قد لا يحتاج إلى أكثر من ستة أشهر من التكوين الكثيف (أو إلى سنة على أبعد تقدير) في جامعات مغربية تدرس الآن بالإنجليزية (ولو جزئيا)، أو جامعات غير مغربية. وتكوين المدرسين بالفرنسية قد يكون أصعب، بحسب تجربتنا. ثم إن الإقبال الكبير على تخصصات الإنجليزية في التعليم العالي، مقارنة مع ضعف الإقبال على تخصصات الفرنسية، أمر معروف لدى الجامعيين المغاربة. طبعا تفاصيل التخطيط لتنزيل الخطة التعددية الثلاثية قد تكون أكثر تعقيدا على مستوى الإجراءات، لكن بالمقارنة مع تسرع الوزير في إقرار الفرنسة الشاملة من الآن (بعد أن فشلت في الثمانينيات)، فهذا الاقتراح له حظوظ كبيرة في النجاح في وقت أقصر، لأنه توافقي، ويرضي المتعلمين ووالديهم، ما دام يتيح اختيارات متعددة معقولة، نجد لها مثيلا في الدول التي وفقت بين المرجعية الوطنية والمرجعية الكونية بصفة معقولة. فلا مفر إذن من وضوح الرؤية، ووضوح الإرادة في الإصلاح والتخطيط، والموازنة الناجعة بين الوطني والكلي. *أكاديمي باحث عضو اللجنة الملكية لإصلاح نظام التربية والتكوين (سابقا)