شملت الإجراءات الواردة في مشروع قانون إطار رقم 51.17 يتعلق بمنظومة التربية والتعليم والتكوين والبحث العلمي ، مجال ضبط السياسات العمومية الموجهة للعمل الحكومي والفاعل التربوي، وكذا مستويات تمس البنيات الهيكلية المؤسسة وطرائق ولوجها وسبل التجسير بينها، كما تمس الأطر المرجعية التي سوف تحكم العلاقات التربوية، والشروط النظامية لولوج المهنة، والإجراءات المنظمة للحكامة وللتمويل وللقضية اللغوية. وغير ذلك كثير. بيد أن المتابع للشأن التعليمي سيلحظ أن أهم الجوانب التي أثارت ردود فعل مختلفة هي ما تطرق إليه مشروع القانون هذا على مستوى مادته الخامسة والأربعين ، والتي تتحدث عن «إلغاء مجانية التعليم في المستويات الجامعية والثانوية التأهيلية». يتم الانطلاق في هذا المشروع من مستجدات الرؤية الاستراتيجية التي أقرت اعتماد «التعددية والتناوب اللغوي» ليتم تعريف التناوب اللغوي باعتباره «مقاربة بيداغوجية»و»اختيارا تربويا»وآلية تستعمل في مجال التعليم المزدوج أو المتعدد اللغات. وقد وضع لهذا التناوب اللغوي هدف يرمي إلى تنويع لغات التدريس من خلال برمجة بعض المضامين الدراسية أو بعض المجزوءات في بعض المواد باللغات الأجنبية، كل هذا من أجل غاية تتطلع إلى «تحسين التحصيل الدراسي»فيها. من الازدواجية اللغوية إلى التعدد اللغوي إن الانتقال من الازدواجية اللغوية إلى التعدد اللغوي من دون تقييم علمي فيه استمرار واضح في الارتجال في مقاربة مدخل رئيس من مداخل النهضة التعليمية التربوية الحقيقية. لقد خصص مشروع القانون- الإطار لها المواد27-28-29-30. وبالرغم من أنه ظل وفيا للرؤيةالاستراتيجية، إلا أنه يعاني من بعض الثغرات، منها: عدم تنصيصه على مقتضيات جوهرية للإصلاح مثل: – الربط بين التمكن من اللغات المدرسة وتنويع لغات التدريس، علما بأن هذا هو عنوان ومدار الرافعة المكرسة للهندسة اللغوية في الرؤية؛ – استحضار الإطار المرجعي الوطني المشترك للغات بالمدرسة المغربية؛ – تحديد المستويات المرجعية للتمكن من اللغات،رسمية وأجنبية، مبنية على مؤشرات في تناسب وتدرج مع الأسلاك التعليمية؛ – الإحداث التدريجي لشبكات تربوية متخصصة في تعليم اللغات الأجنبية خارج المناهج الدراسية النظامية، لا سيما على المستوى الجهوي، لدعم إتقان اللغات الأجنبية؛ – تدقيق الغاية من اعتماد التناوب اللغوي وإعماله التدريجي بوصفه آلية تربوية لتنويع لغات التدريس في بعض المضامين أو المجزوءات في بعض المواد ( المادة 27 و المادة 28 )طبقا للرؤية؛ والحال أن وظيفة التناوب اللغوي هي كذلك تمكين المتعلمين من إتقان اللغات الأجنبية بالتدريس بها؛ فالملاءمة تقتضي إغناء المادة 28 بما يفيد التفعيل التدريجي لمبدأ التناوب اللغوي، على أساس تدريس بعض المجزوءات أو المضامين في بعض المواد، ولا سيما في المواد العلمية والتقنية، باللغة الفرنسية في الإعدادي والثانوي، وبالإنجليزية في الثانوي التأهيلي، طبقا للآجال المقترحة في الرؤية؛ – جعل الهندسة اللغوية مفتوحة على الإغناءات الوظيفية اللازمة أثناء تفعيل مقتضياتها، وفي ضوء التقييمات التي سيتم إنجازها في هذا الصدد، كما هو الشأن بالمقتضيات الأخرى الواردة في الرؤية. عدم تنصيص القانون–الإطار على ضرورة مراعاة مقتضيات القانونين التنظيميين لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وإحداث المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية المنصوص عليهما في الدستور. الحاجة إلى إغناء مرتكزات الهندسة اللغوية بالتنصيص على أن السياسة اللغوية والثقافية الوطنية تهدف إلى دعم التمكن من اللغتين الرسميتين، العربية والأمازيغية ، واستثمار المكتسبات اللغوية والثقافية لكلتيهما في التعليم الأولي، وتمكين المتعلمين من اللغات الأجنبية ذات الأهمية في التكوينات والبحث والتواصل. ضرورة تقوية قواعد الصياغة القانونية لمقتضيات الهندسة اللغوية، وإبراز ما يفيد و يؤكد التزام الدولة في شخص السلطات المعنية والوصية على التربية والتكوين و البحث العلمي، بتوفير الضروري من الموارد البشرية والمالية واللوجيستيكية والتدبيرية لتنزيل الهندسة اللغوية التنزيل الأمثل. قضية التمويل والمجانية خصص مشروع القانون الإطار الباب الثامن لتمويل التعليم بمواد تسعة ( من المادة 42 إلى المادة 50)، وقدمها من منطلق كون الاستثمار في مجال التربية والتعليم هو ذو طابع إنتاجي للرأسمال البشري، وذو طابع تنموي مستدام، ويتم الاستناد في ذلك إلى مبدأ «التضامن الوطني»في تحمل التكاليف العمومية. يعلن المشروع في ما يتعلق بقضية تمويل الدولة القيام باعتماد جملة من القرارات نوردها، ونسجل بصددها جملة من الملاحظات: يؤكد هذا المشروع على مسؤولية الدولة في مواصلة الجهد في تعبئة الموارد وتوفير الوسائل الضرورية لتمويل التعليم، وهي مسؤولية ومجهودات لا نرى لها معنى في ظل الإجراءات التنزيلية العامة نحو النقص من ميزانية الإنفاق المالي على مجال التعليم، تتم الإشارة إلى تنويع مصادر التمويل وهو تعبير ملطف «تكنية» عن التملص من واجب الدولة في الإنفاق واستهداف لجيوب الآخرين، خاصة لما يتم الاستناد إلى مفهوم التضامن الوطني الذي يتم الالتجاء إليه عند المصلحة الوطنية العليا؛ يورد المشروع القول بإسهام الأسر في تحمل تكاليف هذا التضامن الوطني مع احتراز مربوط بقدرتها واستطاعتها (من سيقدر هذه الاستطاعة وما المعايير المعتمدة في ذلك؟)، ويخص في موضع آخر بالذكر الأسر الميسورة. وهنا إشكال كبير حتى لا نقول وهما كبيرا؛ إذ أن الكل يعلم أن الأسر الميسورة لا تلحق أبناءها بالتعليم العمومي بحيث تمكنها قدراتها المادية وشبكاتها العلائقية من تدريسهم في التعليم الخصوصي الراقي أو خارج المغرب أو في مدارس البعثات الأجنبية. فلا يبقى إذن من مفهوم الأسر إلا الفقيرة المعدمة أصلا أو ذات الدخل المحدود أو ذات الدخل المتوسط من فئة الطبقة المتوسطة، وعليه، يكون المقصود بإسهام الأسر الطبقات المتعسرة بفعل ضغط الظرفية الاقتصادية والاجتماعية، وهو تعسر يعترف به رسميا من طرف المجلس الأعلى هذا المتصدي لفرض هذا المشروع، فلقد أظهرت إحصائياته التي قدمها في تقييمه لمكتسبات تلاميذ الجذع المشترك الصادر في فبراير سنة 2017 ، أن 98 % من التلاميذ ينحدرون من أسر فقيرة أو من الطبقة المتوسطة، وأن 2% فقط ينحدرون من أسر ميسورة، وأن ربع الذين شملتهم الدراسة يسكنون سكنا غير لائق، وأن 17% منهم فقط لديهم منحة، وأن 36% يؤدون ماديا من أجل الاستفادة من الدروس الخصوصية المؤدى عنها. وهي معطيات تبرز أن هؤلاء لا قدرة لهم على دفع تكاليف جديدة من أجل تعليم أبنائهم إذا أخذنا بعين الاعتبار أن الأسر المغربية تؤدي نفقات متعددة من أجل تعليم أبنائها تشمل مجالات السكن والكتب والملابس والدروس الخصوصية والمراجع العلمية مما يتعين معه التأكيد أن القول بالمجانية الكاملة للتعليم في المغرب هو قول غير دقيق. يعرض المشروع إسهام الجماعات الترابية أيضا في المجهود التمويلي للتعليم متناسيا أن هذه الأخيرة معظمها يعيش ثقل المشاكل المحلية وضعف الميزانية وسيطرة البيروقراطية وغياب الحكامة الجيدة، كما يعرض إسهام القطاع الخاص أيضا في هذا التمويل بل ويدعو هذا القطاع إلى الإسهام في توفير التربية والتعليم لأبناء الأسر المعوزة والأشخاص في وضعية صعبة أو وضعية إعاقة مع الوعد بمنحهم امتيازات جبائية تحفيزية. يحترز المشروع، أيضا بعد احترازه بمدى قدرة واستطاعة الأسر، وهو يقرر إلغاء مجانية التعليم بضرورة توسيع شبكة الدعم الاجتماعي إلى نهاية التعليم الإلزامي متحدثا عن تعزيز برامج الدعم المادي والاجتماعي للأسر المعوزة، هذا رغم علم الكل بضعف هذه البرامج وهزالة ماليتها ومحدودية أثرها الواقعي الفعلي على استدامة التعلم خاصة في العالم القروي. يكفينا هنا الرجوع إلى ما اعترف به المجلس الأعلى نفسه في تقريره عن تطبيق الميثاق الوطني للتربية والتكوين من كون آليات الدعم الاجتماعي المقررة في الميثاق لم تحقق المرجو منها، مبرزا هزالة الإمكانات المرصودة وتأثيرها على الخدمات المقدمة إطعاما وإيواء وتجهيزا. وتأتي المادة 45 من المشروع لتعلن صراحة، ومن منطلق ما سمته بالإنصاف وتكافؤ الفرص، عن فرض المساهمة في تمويل التعليم العالي ثم في التعليم الثانوي التأهيلي رابطة ذلك بمراعاة اعتبارات تضم التدرج، مستوى الدخل والقدرة على الأداء، الانضباط لشروط ستحدد عبر نص تنظيمي. سيتم قصر المجانية على التعليم الإلزامي (من سن 4 إلى 15)، وقد وردت عبارة فضفاضة تنص على عدم حرمان أي أحد لأسباب مادية (المادة 43) شريطة استيفاء الكفايات والمكتسبات اللازمة، وهي عبارة تعني حصر المجانية في المتفوقين دون المتوسطين أو الضعفاء، وهو حيف يحول دون استدامة التعلم بحسب الطاقة والقدرات، ويقف حجرة عثراء أمام شعارات إعادة التمدرس ومحاربة الهدر المدرسي. ينص المشروع في هذا الصدد على إحداث صندوق خاص لدعم التعليم الإلزامي تعميما وتجويدا يمول من طرف الدولة والشركاء.