ليس للناس حديث هذه الأيام إلا عن الانتخابات في سابقة تكاد تكون الأولى من نوعها بسبب النتائج التي عبرت عن وعي متنام في الشارع بضرورة التغيير؛ وبين حديث وآخر، تطفو إلى السطح أفكار عديدة وآراء متعددة، يصطف بعضها في خط الانتظارات ويطرح تساؤلات مشروعة تتطلع لتحقيق مستقبل أفضل؛ فيما تقف بعض الآراء والأفكار الأخرى على طابور التربصات، مستبقة الأحداث وراسمة معالم الزلات، بل واضعة –أحيانا- "مشاريع مطبات" للتأثير على عجلة الإسلاميين في قيادة المشهد السياسي المغربي. أول قدم في طريق تدبير "البيجيدي" للشأن الحكومي انطلقت من مدينة "ميدلت" التي شهدت أولى التربصات بحزب "العدالة والتنمية" من خلال قضية "ارتشاء" أحد المسؤولين المقالين، لتشهد ذات المدينة تنصيب الأمين العام لحزب المصباح رئيسا للحكومة، ولينطلق مع هذا التنصيب أمل جديد في بلوغ الحلقات الأخيرة لمسلسل الانتظارات، لكن أيضا مخاض عسير مع التربصات التي تريد إفساد العرس الديموقراطي على مؤسسات البلاد ومستقبل العباد. فإذا كان السواد الأعظم من المغاربة يتقاسم ذات الانتظارات ويتطلع إلى واقع معيشي أحسن حالا؛ فإن الكثير من التربصات تتقاسم هي الأخرى نفس الغاية في إفشال مهمة "العدالة والتنمية" من خلال واجهات متعددة، لا يهم فيها حضور الترصد أو غياب القصد والإصرار في محاولة الإفشال، لكن الأهم هو انطلاق الفاعل من قناعة "الفشل الذاتي" في تنزيل رؤية معينة، يقابلها أمر واقع يحدّث الناس والتاريخ باكتساح نسبي للائحة "المصباح"، وهو ما يجعل "البيجيدي" في مكانة "الخصم" عند البعض، وفي موضع "العدو" لدى البعض الآخر! وبين هؤلاء وأولئك، أصبحنا من اليوم، وحتى قبل تشكيل الحكومة، نسمع جهارا وعبر وسائل الإعلام (بما فيها العمومية) عن الاستعداد لتعبئة الشارع، وتجهيز العدة لخوض معارك سياسية تحت يافطات متنوعة، تتمسح في غالب الأحيان بحقوق الإنسان وفروعها، وكأن من صوتوا للعدالة والتنمية لا يعرفون موقف الحزب من تلك الحقوق، أو كأن كل الحقوق محفوظة إلا التصويت للائحة المصباح!! ويبدو أن بعض الهيئات والشخصيات مستعدة –اليوم وأكثر من أي وقت مضى- للانتصاب دفاعا عن السراب الذي بددته طائفة من الإسلاميين بشكل ديموقراطي، وهو السراب الذي طالما عزفت على أوتاره تلك الجهات لتنويم المغاربة وتخدير وعيهم وصرف أنظارهم عن الواقع الحقيقي. ولا نعلم بعد هذا كله إن كانت ستمارس على الشعب شتى أنواع الحجر اللفظي والوصاية الفكرية كما حدث -قريبا- في تونس حين فازت حركة النهضة، ووصم الشعب حينها بكل النعوت الاحتقارية التي يحتويها قاموس العلمانية الفقير! وإذا كنا نولي انتظارات الداخل وتربصاته الأولوية والأهمية؛ فإنه لا يجوز إطلاقا إغفال انتظارات الخارج وتربصاته أيضا؛ لأن كثيرا من الجهات الدولية ترقب ثمار التحول المغربي الذي أفرزته ثورة الصناديق؛ إلا أن بعضها يتطلع لنتائج إيجابية تسهم في التمكين الحضاري للأمة ورقي شعوبها كباقي الأمم المتقدمة في مشارق الأرض ومغاربها، فيما ينظر البعض الآخر بتوجس لصعود الإسلاميين، ومن الآن بدأت الخطب المتعالية ترسم بفظاظة الخطوط الحمراء، وترسم معها التخلف البيّن عن ركب التغيير الذي يؤسس للكرامة والاحترام والحرية والانعتاق، بدلا عن لغة المصالح الضيقة التي أخضعت موارد الأمة ورقاب الشعوب لثلة من العبيد والمستبدين المكشوفين، والذين مازالوا يتدثرون بلبوس الأحرار والديموقراطيين!! إن حِمل الأمانة ثقيل، والرهان -من اليوم فصاعدا- لن يكون إلا على المناضلين الشرفاء من المخلصين والصادقين، وبمزيد من رص الصفوف وتظافر الجهود وتنويع المبادرات وتكثيفها؛ فحين يتحقق النصر الحقيقي، تجب السباحة في بحر من الحمد والشكر تجاه الخالق، لكن يجب أيضا الغوص في محيط من الاستغفار تجاه المخلوق، وهي مغفرة تتغيى العفو واللين وخفض الجناح بخدمة الصالح العام.. خدمة تطال أصحاب الانتظارات، وهم كثير! وتشمل أرباب التربصات، وهم أيضا كثر! فليكن الفوز في مستوى الانتظارات والتربصات!!