لطالما تعامل العاملون في مجال النهوض بحقوق الأشخاص في وضعية إعاقة مع معضلة الصور النمطية التي تربط صورة الشخص ذي الإعاقة مباشرة وبشكل بديهي بالعجز وعدم الصلاح لشيء؛ هذه الصور التي تتحول بشكل أو بآخر إلى مواقف تمييزية تجاه الإعاقة والأشخاص في وضعية إعاقة بوعي أو بدونه، وتحكم مواقف العديد من المؤثرين في إعمال حقوق هذه الفئة من المجتمع، من فاعلين سياسيين وذوي القرار في السياسات العمومية. وأشارت بعض الدراسات إلى أن ثمة علاقة متينة تصل نسبتها إلى 70% بين الإعلام وما يبثه من رسائل وبين الصورة الذهنية لدى الأفراد في المجتمعات، وأن الصورة الذهنية عن الأشخاص ذوي الإعاقة في المجتمع تبلورها وسائل الإعلام والتواصل، وتشكل إحدى مراجعها الأساسية، كما لها قدرة كبيرة على تعزيز هذه الصور سلبًا أو إيجابًا. ولطالما تعاملنا مع هذه الإشكالية بهشاشة وواجهناها طيلة عقود بما تسمح به إمكانات عملنا بالمجتمع المدني، في ما يشبه الدوران في حلقة مغلقة للأسف؛ فكلما اشتغل الفاعلون في المجال وبذلوا جهودا كلما اكتشفنا عقب حوادث أننا في بداية الطريق ليس إلا، بل نحس أحيانا عديدة بأننا تراجعنا. هذا الإحساس يغذيه تكريس هذه المواقف أحيانا من وسائل "إعلام" لها انتشار واسع بين الناشئة التي نأمل فيها خيرا لتغيير هذا الوضع؛ ما يسائلنا جميعا عما تحقق منذ عقد من الزمن، إذ التزمت بلادنا بالعمل على إذكاء الوعي وﻣﻜﺎﻓﺤﺔ اﻟﻘﻮاﻟﺐ اﻟﻨﻤﻄﻴﺔ وأﺷﻜﺎل اﻟﺘﺤﻴﺰ واﻟﻤﻤﺎرﺳﺎت اﻟﻀﺎرة اﻟﻤﺘﻌﻠﻘﺔ بالأشخاص ذوي الإعاقة في المجتمع بأسره، وتعزيز احترام حقوقهم وكرامتهم، وتعزيز الوعي بقدراتهم وإسهاماتهم، والقيام بسن سياسات إعلامية تعزز تقبل حقوقهم، ونشر تصورات إيجابية عنهم، ووعي اجتماعي أعمق بهم، وتشجيع الاعتراف بمهاراتهم وقدراتهم وإسهاماتهم، وتبني مواقف تتسم باحترامهم في جميع مستويات نظام التعليم. وبالقدر الذي تسائلنا هذه التمثلات والاتجاهات بالقدر الذي تنبئ أيضا بحجم المجهود اللازم بذله من كل المعنيين في التصدي للصور النمطية السلبية تجاه الإعاقة والأشخاص ذوي الإعاقة، والتي ترد عبر وسائل الإعلام وإنتاجاتها المختلفة في تناول قضايا الإعاقة، فضلا عن بعض الأعمال الفنية التي ابتلينا بها في بلدنا، والتي تكرس وتستعمل صورة الشخص في وضعية إعاقة في التندر والتفكه، وباقي الصور المهينة للشخص في وضعية إعاقة في إنتاجات التلفزة، قبل أن تضاف إليها انتاجات بعض المتذاكين بالشبكات التواصل الاجتماعية، والتي أبانت عن تجذر الموروث الشعبي والاعتماد البديهي للعجز والسلبية في النظر للإعاقة وذويها. ولن نستطيع تجاوز هذا الوضع غير اللائق بمغرب اليوم إلا من خلال بناء ثقافة تحترم الاختلاف والانتقال بدور الإعلام في هذا الشأن ليكون فعالا ونقديا، في خضم الحوار العمومي حول مسار تفعيل مقتضيات الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص في وضعية إعاقة من طرف مختلف الفاعلين والمتدخلين في وضع وتنفيذ السياسات العمومية، وفتح نقاش وطني حول صورة الشخص في وضعية إعاقة في الإعلام المغربي، ورفع مستوى التواصل بين المؤسسات والجمعيات بالمجتمع المدني مع وسائل الإعلام لرسم صورة منصفة للشخص في وضعية إعاقة، والانطلاق من مواطنة وإنسانية الشخص في وضعية إعاقة لرسم صورته في الإعلام والنظر إليه كعضو عاد بالمجتمع له الحق وعليه واجبات. ولن يتأتى هذا إلا باشتغال مكونات المجتمع المدني العاملة في مجال الإعاقة والمنظمات الحقوقية، إضافة إلى الهيئات الوطنية الراصدة للإعلام، وفي مقدمتها الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، المخول لها إلى جانب مراقبة أداء أجهزة الإعلام في إطار قيامها بمهام المراقبة البعدية، إبداء الرأي في مشاريع المراسم ومشاريع القوانين ومقترحات القوانين المتعلقة بقطاع الاتصال السمعي البصري، للتأكد من أن مضمونها يحترم مبادئ حقوق الإنسان، كما تعد وتدرس دفاتر التحملات الخاصة بمن يطلبون استغلال إذاعة أو تلفزة والسهر على احترام كافة المتعهدين العموميين المعنيين للإطارات التنظيمية. هذه الهيئة يتوخى منها وضع مؤشرات قياس للصورة التي تعكسها وسائل الإعلام للإعاقة والشخص المعاق، أسوة بما أنجزته بالنسبة لصورة المرأة في الإعلام. كما ينبغي التفكير في صيغ العمل المشترك بين الفاعلين والمهتمين في اتجاه إعداد ميثاق وطني لتحسين صورة الشخص في وضعية إعاقة في الإعلام المغربي، انطلاقًا من دور مؤسسات الإعلام في خدمة قضايا الإعاقة، ولعبها دورًا توجيهيًا وتثقيفيًا في تناول قضايا الأشخاص في وضعية إعاقة، والتنوع في إظهار الجوانب الإيجابية والإبداعية لديهم؛ وإعداد وتنفيذ حملات إعلامية منتظمة هادفة إلى تغيير الصورة الذهنية عن ذوي الإعاقة وجعلها صورة إيجابية لدمجهم في المجتمع، إضافة إلى تحفيز الأشخاص في وضعية إعاقة للمشاركة في البرامج الإعلامية كنماذج ناجحة لطرح قضاياها ومناقشة إبداعاتها مع المسؤولين والمختصين وتوفير الخدمات التي يحتاجونها، وخلال التخطيط الجيد لبناء الصورة الذهنية الإيجابية والمساهمة في تغيير المفاهيم بعيدًا عن وصفهم بأنهم فئة ذات حقوق وواجبات اعتبارية في المجتمع وحسب، بل التأكيد على حقهم في ممارسة حياتهم بشكل طبيعي وإشراكهم في التنمية. *محاضر وناشط حقوقي في مجال الإعاقة