السيرة النبوية مليئة بنماذج مضيئة من الأسر التي أثرت تراثنا الأخلاقي، وأهدت للإنسانية جمعاء قيما نبيلة، وما أحوجنا اليوم لمعرفة هذه النماذج والوقوف على المنهج الذي عاشت عليه، والمبادئ التي تربت عليها اقتداء بها، ومن بين هذه النماذج أسرة مرضية طيبة، يحبها الله وتحبه، يحبها رسول الله وتحبه، هي أسرة أم سليم من المدينةالمنورة. - فماهي العناصر البارزة المكونة لهذه الأسرة؟ - وماهي المبادئ التي تأسست عليها؟ بطاقة تعريفية للعناصر البارزة في أسرة أم سليم: أم سليم: هي أم سليم بنت ملحان إحدى نساء الأنصار الملقبة بالرميصاء، هي من أوائل من أدرك وأقر أنه لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله، بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأوفت البيعة، صحابية جليلة قد لا يعرف قدرها الكثيرون على الرغم مما في سيرتها من عبرة وقدوة. عندما سمعت عن دين الحق قبل الهجرة أسلمت، فجاءت إلى مالك زوجها، فقالت: جئت اليوم بما تكره، فقال: لا تزالين تجيئين بما أكره من عند هذا الأعرابي، قالت أعرابيا اصطفاه الله واختاره وجعله نبيا، قال: ما الذي جئت به، قالت حرمت الخمر، قال هذا فراق بيني وبينك،[1] خرج من البيت غاضبا، بل خرج من المدينة كلها لأنها أصبحت أرض إسلام ومات بالشام، فضحت هذه المرأة المؤمنة بحياتها الزوجية ، وبزوجها وأولادها من أجل دينها وثباتها على دينها، ولم تتردد أو تتراجع، وهذا أول امتحان تعرضت له هذه المرأة الصالحة، وهو امتحان عسير فليس باليسير أن تعرض الأسرة لزلزال عظيم بين عشية وضحاها. ومن مواقفها العظيمة التي تشهد برقي إيمانها وصلاحها أنه تقدم لخطبتها بعد وفاة زوجها الأول، أبو طلحة زيد بن سهل وكان لا يزال مشركا، وعرض عليها مهرا كبيرا، فترده لأنها لا تتزوج مشركا، وعندما عاود لخطبتها، قالت: فإن تسلم، فذاك مهري، لا أسأل غيره. وفي رواية قالت: فإني أشهدك وأشهد نبي الله صلى الله عليه وسلم أنك إن أسلمت فقد رضيت بالإسلام منك. قال: فمن لي بهذا؟ قالت: يا أنس قم فانطلق مع عمك، فقام فوضع يده على عاتقي ، فانطلقنا حتى إذا كنا قريبا من نبي الله صلى الله عليه وسلم فسمع كلامنا، فقال: هذا أبو طلحة بين عينيه عزة الإسلام، فسلم على نبي الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله، فزوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام.[2] فكان هذا الصداق أعظم صداق في المدينةالمنورة: الإسلام الدين العظيم. ومن مواقفها أيضا أنها خرجت من بين الجموع الفرحة المستبشرة المستقبلة للرسول صلى الله عليه وسلم حينما قدم المدينة، خرجت ومعها ابنها أنس رضي الله عنهما، فقالت : يا رسول الله، إنه لم يبق رجل ولا امرأة من الأنصار، إلا وقد أتحفتك بتحفة، وإني لا أقدر على ما أتحفك به إلا ابني هذا، فخذه فليخدمك ما بدا لك. وفي موقف آخر، عن أنس بن مالك قال: كان ابن لأبي طلحة يشتكي، فخرج أبو طلحة فقبض الصبي، فلما رجع أبو طلحة قال: ما فعل ابني؟ قالت أم سليم: هو أسكن مما كان، فقربت إليه العشاء فتعشى ثم أصاب منها، فلما فرغ قالت: واروا الصبي، فلما أصبح أبو طلحة أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال: أعرستم الليلة؟ قال: نعم، قال: اللهم بارك لهما، فرزقهم الله تسعة من الأولاد كلهم قرؤوا القرآن الكريم. وفي رواية لأحمد: ثم تصنعت له فأصابها، فلما فرغ قالت: ألا تعجب لجيرانك، أعيروا عارية، فطلبت منهم، فجزعوا؟ فقال: بئس ما صنعوا، فقالت: ابنك كان عارية، فقبض، فحمد واسترجع.[3] هذه المواقف تشهد أنها امرأة لا كالنساء، وصحابية جليلة من خيرة الصحابة، بل امرأة من أهل الجنة تمشي على الأرض، فقال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى: ″رأيتني دخلت الجنة فإذا أنا بالرميصاء امرأة أبي طلحة″ [4] وفي رواية: ″دخلت الجنة فسمعت خشفة، فقلت: من هذا؟ قالوا: هذه الغميصاء بنت ملحان″[5]، ورؤى الأنبياء وحي وحق. أبو طلحة: هو زيد بن سهل بن الأسود بن حرام بن عمرو بن مالك بن النجار الأنصاري الخزرجي، المشهور بكنيته أبو طلحة، دخل الإسلام فقال عنه رسول الله ″هذا أبو طلحة بين عينيه عزة الإسلام″[6]، أحب رسول الله صلى الله عليه فكان يديم النظر إليه ولا يرتوي من الاستماع إلى عذب حديثه، من ملامح شخصيته الشجاعة والإقدام، فكان من الشجعان والرماة المعدودين في الجاهلية والإسلام، كان أحد النقباء الإثني عشر في بيعة العقبة، شهد بدرا وما بعدها من المشاهد، وكان من أكبر أنصار الإسلام، كما أنه كان جوادا بنفسه في ساعات البأس، كان أيضا جوادا بماله في مواقف البذل، ومن ذلك أنه كان له بستان من نخيل وأعناب لم تعرف المدينة بستانا أعظم منه شجرا ولا أطيب منه ثمرا ولا أعذب منه ماء، وبينما أبو طلحة يصلي في بستانه أثار انتباهه طائر أخضر اللون، أحمر المنقار، فأعجبه منظره، وشرد عن صلاته بسببه، فلم يدر كم صلى ثلاثا أم أربعا، فلما فرغ من صلاته ذهب إلى رسول الله صلى عليه وسلم وشكا له نفسه التي شغلها البستان والطائر عن الصلاة، ثم قال: أشهد يا رسول الله أني جعلت هذا البستان صدقة لله تعالى، فضعه حيث يحب الله ورسوله. وفي الصحيحين عن أنس لما نزلت: (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون)[7] قال أبو طلحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أحب أموالي إلي بيرحاء، وإنها صدقة أرجو برها وذخرها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "بخ بخ ذاك مال رابح" الحديث[8] وكان كثير الصيام حيث عاش حياته صائما، فقد أثر عنه أنه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوا من ثلاثين عاما صائما، لم يفطر إلا حيث يحرم الصوم. ومن بين مواقفه أيضا: عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، أنه سمع أنس بن مالك يقول: قال أبو طلحة لأم سليم: لقد سمعت صوت رسول الله ضعيفا أعرف فيه الجوع، فهل عندك من شيء؟ قالت: نعم، فأخرجت أقراصا من شعير ثم أخرجت خمارا لها، فلفت الخبز ببعضه، ثم دسته تحت يدي ولاتتني ببعضه، ثم أرسلتني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فذهبت به، فوجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ومعه الناس، فقمت عليهم، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرسلك أبو طلحة؟ فقلت: نعم، قال: بطعام فقلت نعم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن معه: قوموا ، فانطلق وانطلقت بين أيديهم حتى جئت أبا طلحة فأخبرته، فقال أبو طلحة: يا أم سليم، قد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس، وليس عندنا مانطعمهم، فقالت :الله ورسوله أعلم، فانطلق أبو طلحة حتى لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو طلحة معه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«هلم يا أم سليم ما عندك؟ فأتت بذلك الخبز، فأمر به رسول الله ففت، وعصرت أم سليم عكة فآدمته، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه ماشاء الله أن يقول، ثم قال: ائذن لعشرة، فأذن لهم، فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا، ثم قال: ائذن لعشرة ، فأذن لهم ، فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا ، ثم قال: ائذن لعشرة ، فأذن لهم ، فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا ، ثم قال ائذن لعشرة، فأكل القوم كلهم والقوم سبعون أو ثمانون رجلا»[9]. وروى عن ربيبه أنس وابن عباس وأبو الحباب سعيد بن يسار وغيرهم: «عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم لما حلق شعره بمنى فرق شقه الأيمن على أصحابه الشعرة والشعرتين وأعطى أبا طلحة الشق الأيسر كله»[10] وفي وفاته قال ثابت عن أنس : مات أبو طلحة غازيا في البحر، فما وجدوا جزيرة يدفنونه فيها إلا بعد سبعة أيام، ولم يتغير[11]. أنس بن مالك: هو أنس بن مالك بن النضر الخزرجي الأنصاري من بني عدي بن النجار، خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يتسمى به ويفتخر بذلك، وقد ولد رضي الله عنه قبل الهجرة بعشر سنوات ، وكنيته أبو حمزة ، تربى أنس بن مالك رضي الله عنه على يد الرسول العظيم تربية خاصة ، فلما بلغ العاشرة من عمره أتت به أمه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ليخدمه ويتربى على يديه، فقالت له : هذا أنس غلام يخدمك، فقبله، وعن أنس قال : «خدمت النبي صلى الله عشر سنينا فما قال لي أف قط، وما قال لشيء صنعته لم صنعته، ولا لشيء تركته لم تركته، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس خلقا، ولا مسست خزا قط ولا حريرا ولا شيء ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا شممت مسكا قط ولا عطرا كان أطيب من عرق رسول الله صلى الله عليه وسلم[12]». ومن ملامح شخصيته الكريمة كثرة علمه ودوام صحبته للرسول صلى الله عليه وسلم، عندما أتت به أمه ليخدم النبي عليه الصلاة والسلام أخبرته أنه كاتب، وهذه الميزة العظيمة لم تكن متوفرة إلا في النفر القليل من أصحابه عليه الصلاة والسلام، مما يدل على فطنة أنس وذكائه منذ صغره، إذ حفظ وفقه وتعلم من الرسول الكريم حتى قيل إنه في المرتبة الثالثة بعد ابن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهما، في كثرة الأحاديث التي رواها وحفظها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومسنده ألفان ومئتان وستة وثمانون حديثا، اتفق له البخاري ومسلم على مائة وثمانين حديثا، وانفرد البخاري بثمانين حديثا ومسلم سبعين حديثا، لأنس بن مالك رضي الله عنه الأثر الكبير في غيره من الناس، ذلك أنه كان صلى الله عليه وسلم يحمل الكثير من كنوز السنة النبوية العطرة، بفضل هذه الصحبة الطويلة لرسول الله، ولم يكن صلى الله عليه وسلم ليحتفظ بهذا العلم لنفسه أو يكتمه عن غيره ممن لاقاهم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أن بارك الله له في عمره ببركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، فاستفادت منه أجيال التابعين، ورووا عنه وحفظوا ما رواه هو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد روى عنه ما يزيد على مائتين وخمسة وثمانين من الصحابة والتابعين، وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يزيد على ألفين ومائتين من الأحاديث؛ مما يدل على عظيم أثره، وعلوّ همته في تبليغ العلم الذي حصّله من الرسول صلى الله عليه وسلم. البراء بن مالك: هو الصحابي الجليل البراء بن مالك بن النضر الأنصاري أخو أنس بن مالك لأبيه وأمه[13]، ولد البراء بن مالك بالمدينة ومات باليمامة، ربّاه النبي صلى الله عليه وسلم على حب الشهادة وعلى اليقين بنصر الله، وأخبر النبي أنه صلى الله عليه وسلم مستجاب الدعوة، ومن أهم ملامح شخصيته الشجاعة والإقدام. أما عن بعض مواقفه فنذكر: عن أنس قال: لقي أبي بن كعب البراء بن مالك فقال: يا أخي ما تشتهي؟ قال: سويقا وتمرا فجاء فأكل حتى شبع فذكر البراء ابن مالك ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: اعلم يا براء أن المرء إذا فعل ذلك بأخيه لوجه الله لا يريد بذلك جزاء ولا شكورا بعث الله إلى منزله عشرة من الملائكة يقدسون الله ويهللونه ويكبرونه ويستغفرون له حولا، فإذا كان الحول كتب له مثل عبادة أولئك الملائكة وحق على الله أن يطعمهم من طيبات الجنة في جنة الخلد وملك لا يبيد"، وعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"كم ضعيف مستضعف ذي طمرين لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبره منهم البراء بن مالك" نس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كم من أشعث أغبر ذي طمرين لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبره منهم البراء بن مالك"[14]. هذه الأسرة العظيمة الفريدة كانت تعيش على مبادئ لأجلها نالت مانالته من الفضل، ولتكون منارة للهداية فماهي هذه المبادئ؟ أولا: الإسلام أعظم هذه المبادئ وأهمها أولوية الإسلام، فقد تأسست هذه الأسرة على أساس الإسلام ، وبنيت أعمدتها وعاشت في ظله، وهكذا يجب أن تحيا كل أسرة تنشد الرشد والنجاح، آمنت أم سليم بالله وآثرت الإسلام حين أشرقت شمسه على العالم ، وتعلمت في مدرسة النبوة كيف تعيش المرأة حياتها، تصبر ما يصيبها من حوادث الزمان، كي تنال مقعد الصابرين في الجنة، وتفوز بمنزلة المؤمنين في الآخرة، فبسبب الإسلام فارقت زوجها الأول مالك، واشترطت الإسلام لتكون زوجة لأبي طلحة، فكان الإسلام أعظم صداق ، فالأسرة بلا دين مصيبة وكارثة. ثانيا : العلم بالإسلام عرفت الأسرة وعلى رأسها أم سليم بالحرص على طلب العلم فعن أنس بن مالك قال: "جاءت أم سليم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله علمني كلمات أدعو بهن في صلاتي، قال: سبحي عشرا واحمديه عشرا وكبريه عشرا ثم سليه حاجتك، يقل نعم، نعم"، ولما عرف النبي صلى الله عليه وسلم حرص هذه الأسرة على العلم والتعلم خص لها زيارات بين الحين والحين، فكان عليه الصلاة والسلام يقيل عندها مرارا ويصلي بهم في بيتها، ليتعلموا منه مباشرة، عن أنس قال: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتنا فصليت أنا ويتيم لنا خلفه وصلت أم سليم خلفنا"[15]، وقد سأل أهل المدينة ابن عباس رضي الله عنه عن امرأة طافت ثم حاضت، قال لهم: تنفر، قالوا : لا نأخذ بقولك وندع قول زيد رضي الله عنه، قال: إذا قدمتم المدينة فسلوا، فقدموا المدينة فكان فيمن سألوا أم سليم، فذكرت حديث صفية[16]، فسؤال ذلك الوفد أم سليم عن هذه المسألة التي وقع فيها الخلاف بين الصحابة حين رجوعهم المدينة وفيها كثير من الصحابة، فيه دلالة على أنها كانت ممن عرفن من النساء بالعلم في المدينة. فالركن الأساسي التي بنيت عليه هذه الأسرة الطيبة هو الإسلام وتعلمه، وحقا فالأسرة المحرومة من تفاسير القرآن، ومن قصص الأنبياء والصالحين من مجالس القرآن...هذه أسر محرومة من الخير، وهذا للأسف هو السائد اليوم داخل العديد من الأسر، فترى الشيطان وجنوده مستحوذ عليها أبعده عن السعادة والاستقرار وحلاوة الإيمان، فالإنسان إذا أراد رحمة الله والسعادة في بيته فلا بد له من إدخال التقوى والخير إلى بيته. ثالثا: حسن الوفاء ضربت أم سليم مثلا عاليا في الاقتداء بالصبر والتسليم والرضى بقضاء الله تعالى وحسن التبعل، ففي اليوم الذي مات ابنها فيه عاد زوجها من السفر فلم يجده، فلم تخبره بموت ابنه، وكان ردها عليه حين سألها عنه أنها قالت في ثبات وسكينة، قد هدأت نفسه وأرجو أن يكون قد استراح، وظن أبو طلحة أنها صادقة، قال أنس بن مالك "فبات فلما أصبح اغتسل، فلما أراد أن يخرج أعلمته أنه قد مات، فصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم أخبر النبي بما كان منهما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لعل الله أن يبارك لكما في ليلتكما"[17]، فعمت بركة هذا الموقف ذرية أبي طلحة وأم سليم ببركة دعوة النبي عليه الصلاة والسلام، فكان لهما تسعة أولاد كلهم قرأوا القرآن، فلْتَتَأَسَّ كل أسرة بهذه الأسرة ولتتعلم الصبر والثبات وحسن العشرة. رابعا: الخدمة العسكرية هذه الأسرة لم تكن أنانية، ولم تعش سوى لذاتها ومصالحها، بل هي أسرة عاشت أحوال مجتمعها الإسلامي، وتسهم بكل ما تطيق لكشف ما به من خصائص وتجاوز ما يحل به من أزمات، فكانت القمة في الكرم والجود، والقمة في الضيافة، والمثال في الاهتمام بالحالة الاجتماعية للمجتمع، فقد رأينا كيف تصدق أبو طلحة بأحب أمواله إليه"بيرحاء"، وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فبعث إلى نسائه فقلن : ما معنا إلا الماء. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يضم أو يضيف هذا؟ فقال رجل من الأنصار أنا، فانطلق به إلى امرأته فقال أكرمي ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: ما عندنا إلا قوت صبياني، فقال: هيئي طعامك، وأصبحي سراجك، ونومي صبيانك إذا أرادوا عشاء، فهيأت طعامها وأصبحت سراجها ونومت صبيانها، ثم قامت كأنها تصلح سراجها فأطفأته، فجعلا يريانه أنهما يأكلان ، فباتا طاويين، فلما أصبح غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ضحك الله الليلة، أو عجب من فعالكما، فأنزل الله : (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون)"[18] "[19]. خامسا : العمل لنشر كلمة الله كانت هذه الأسرة في طليعة العاملين لنشر دين الله تعالى ورفع كلمته، ومقاومة أعدائه الصادين عن سبيل الله، من أبي طلحة والبراء وأنس بن مالك رضي الله عنهم وحتى أم سلمة ففي غزوة أحد كانت تداوي الجرحى وتسقي العطشى، فعن أنس رضي الله عنه، قال: لما كان يوم أحد انهزم الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ولقد رأيت عائشة بنت أبي بكر وأم سليم، وإنهما لمشمرتان، أرى خدم سوقهما، تنقران القرب ، وقال غيره تنقلان القرب على متونهما ثم تفرغانها في أفواه القوم"[20]. هذه هي أسرة أم سليم التي غنمت السعادة والريادة في الدنيا، والفوز برضوان الله ورسوله، وذلك هو الفوز العظيم، فلم لا تكون النموذج للزوجة الصالحة المؤمنة، للأم الفاضلة، للزوج المتقي، للابن المطيع..؟ الهوامش: [1]- البزار بسند رجاله ثقات [2] - البزار [3] - أخرجه مسلم وأحمد وأبو داود [4] - أخرجه البخاري ،كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب عمر بن الخطاب أبي حفص القرشي العدوي رضي الله عنه 3476 [5] - أخرجه مسلم، كتاب فضائل الصحابة رضي الله تعالى عنهم، باب من فضائل أم سليم أم أنس بن مالك ، وبلال ضي الله عنهما 2456 [6] - البزار [7] - سورة آل عمران، آية 92 [8] - أخرجه البخاري ومسلم [9] - أخرجه البخاري ومسلم [10] - رواه مسلم من طريق ابن سيرين [11] - أخرجه القسوي في تاريخه، وأبو يعلى وإسناده صحيح [12] - رواه الترمذي [13] - محمد بن عبد البر، الاستيعاب في معرفة الصحابة، تحقيق علي محمد البجاوي، دار الجيل ، بيروت الطبعة الأولى 1992م، ج1، ص 47 [14] -سنن الترمذي 692/5 - أخرجه النسائي [15] [16]- رواه البخاري [17]- رواه البخاري [18] - سورة الحشر، آية 9 [19] - أخرجه البخاري [20] - أخرجه البخاري *باحثة في قضايا المرأة والأسرة المسلمة في الغرب، عضو المنتدى الأوربي للوسطية ببلجيكا.