المغرب وبلجيكا يوقعان مذكرة تفاهم تشمل تعزيز استقلال السلطة القضائية وتكريس دولة الحق والقانون    تزامنا مع شل المستشفيات.. مهنيو الصحة يحتجون بالرباط استنكارا للتماطل ويلوّحون بالتصعيد    إبرام اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى بين إسرائيل وحماس    توقيف أربعة أشخاص بسلا يشتبه في تورطهم في حيازة وترويج المخدرات    المغرب وبلجيكا يوقعان مذكرة تفاهم بالرباط لتعزيز التعاون في مجال القضاء    إشادة وزراء الثقافة العرب بجهود الملك محمد السادس في دعم القضية الفلسطينية    ماريون مارشال: فرنسا ليست دار حضانة للجزائر    بطولة أمم إفريقيا للاعبين المحليين.. المغرب في المجموعة الأولى إلى جانب كينيا وأنغولا والكونغو الديمقراطية وزامبيا    ميناء طنجة : تراجع مفرغات الصيد البحري بنسبة 31 بالمائة خلال عام 2024    26 قتيلا و2786 مصابا في حوادث السير بحواضر المملكة خلال أسبوع    حماس تثمن اتفاق وقف إطلاق النار    حموشي يستقبل بالرباط المفوض العام للاستعلامات بإسبانيا    تسجيل إصابات ب"بوحمرون" في 15 مدرسة يستنفر مديرية التعليم ويثير الخوف بين الأسر    تساقطات مطرية مرتقبة بالريف والواجهة المتوسطية    العدوي: لم يتم اعتماد أي استراتيجية تخص النجاعة الطاقية واقتصاد الطاقة لم يتجاوز 5,8 في المائة من أصل 20 المائة المطلوبة    في مستوى الفئات العمرية التي تفوق 15 سنة فقط.. 7 ملايين و478 ألف مغربي أمي خلال سنة 2024    كأس إفريقيا للمحليين... المنتخب المغربي في المجموعة الأولى رفقة كينيا وأنغولا والكونغو الديمقراطية وزامبيا    خدعوا الشعوب بالكفاءات التكنوقراطية لاستبعاد الأحزاب،،لا أقل ولا أكثر: (؟!!! )    قبيل شهر رمضان.. حماية المستهلك تدعو لتخفيض الأسعار ومواجهة الوسطاء    كلمة .. السراغنة: غوانتانامو للمرضى النفسيين    فرق الإطفاء تنجح في إخماد حريق بغابة "أغاندرو" في الحسيمة    موجة برد وتساقطات ثلجية تهم عدة مناطق بالمغرب من الأربعاء إلى السبت    حاملاً رسالة إلى الملك.. مباحثات تجمع وزير خارجية غامبيا وبوريطة بالرباط    أنغام زورا تانيرت تعيد الحياة لذكريات شهداء زلزال أكادير    تسجيل إصابة 79 نزيلة ونزيلا بداء "بوحمرون".. وسجن طنجة في المقدمة    العدوي: يتعين الحفاظ على مجهود الاستثمار العمومي    الرباط .. الصناعات الثقافية والإبداعية وتحديات التحول الرقمي في صلب أشغال الدورة ال24 لمؤتمر وزراء الثقافة العرب    حكيمي يؤكد لأول مرة حقيقة تسجيل أملاكه باسم والدته    مصرع امرأة في العرائش بعد اندلاع حريق داخل منزلها    انطلاق مهرجان آنيا تحت شعار "الناظور عاصمة الثقافة الامازيغية"    الرباط.. مؤتمر حول مكافحة الإرهاب والأمن البحري على طول السواحل الإفريقية الأطلسية    بعد أخبار مصرية حول تأجيل كأس أفريقيا للأمم.. الجامعة الملكية المغربية توضح    تسجيل نمو ملحوظ في المبادلات التجارية بين المغرب وإسبانيا في سنة 2024    "بوحمرون" يقتحم أبواب السجون المغربية وينتشر بين المساجين    أخنوش يترأس حفل بمناسبة السنة الأمازيغية الجديدة 2975    العدوي تقدم عرضا أمام مجلسي البرلمان حول أعمال المجلس الأعلى للحسابات برسم 2023/2024    الفنان ياسين احجام يروج لشخصية المعتمد بن عباد    تداولات الإفتتاح ببورصة الدار البيضاء    3 آلاف شرطي يعتقلون رئيس كوريا الجنوبية المعزول    غياب مدرب الجيش الملكي عن مواجهة صن داونز بعد خضوعه لعملية جراحية ناجحة    فاروق لايف: التغيير بدأ قبل حملة التنمر وسأجعله مصدر إلهام للآخرين    اختيار جامعة محمد السادس لقيادة قطب الاستدامة بمنتدى مستقبل المعادن بالرياض    استثمارات خليجية تنقذ نادي برشلونة من أزمته المالية الكبرى    نادي مولنبيك البلجيكي يتعاقد مع بنجديدة على سبيل الإعارة    اليوبي: الوضعية الوبائية "عادية" وفيروسات الموسم مألوفة لدى المغاربة    تسجيل 25 إصابة بداء بوحمرون في السجن المحلي طنجة    إيض يناير 2975: الدار البيضاء تحتفي بالتقاليد والموسيقى الأمازيغيين    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    للمرة الثانية.. تأجيل إعلان ترشيحات جوائز الأوسكار بسبب حرائق لوس أنجلس    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الأربعاء    أرسنال يفتقد خدمات مهاجمه البرازيلي خيسوس بسبب الاصابة    الاتحاد العام للصحفيين العرب يجدد دعمه للوحدة الترابية ولسيادة المغرب على كامل ترابه    بلقصيري تحتفي بالكتاب الأمازيغي والغرباوي في "آيض يناير"    العيون تحتفل بحلول "إيض إيناير"    الأمازيغية :اللغة الأم….«أسكاس امباركي»    ملفات ساخنة لعام 2025    أخذنا على حين ′′غزة′′!    الجمعية النسائية تنتقد كيفية تقديم اقتراحات المشروع الإصلاحي لمدونة الأسرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حتى لا نَضِلّ وجهتَنا مع مؤشر إدراك الفساد
نشر في هسبريس يوم 06 - 02 - 2019


مؤشر ملامسة الفساد آلية لقياس التصور
بحصوله على تنقيط 43/100 برتبة 73/180 في مؤشر ملامسة الفساد برسم سنة 2018، يكون المغرب قد كسب ثلاث نقط مقارنة مع سنة 2017 التي حصل فيها على 40/100 برتبة 81/180. ولا يمكن تفسير هذه النقلة إلا بكونها تمثل تحسنا تصاعديا في ارتسامات وانطباعات الشريحة المستجوبة في إطار هذا المؤشر.
وإذا كان هذا المؤشر يشكل الآلية الأساسية لقياس انتشار الفساد في دول المعمور، والتي لم تستطع المنظمات المعنية لحد الآن أن تطور آليات أخرى بديلة عنها، فلا يعني هذا أن النتائج التي يمنحها هذا المؤشر تعتبر قطعية، بل نسبية الدلالة، لكونها لا تستجلي ممارسة الفساد في حد ذاته بل تلامس تصور وإدراك الفئات المستهدفة إزاء هذه الممارسة.
ولتوضيح ذلك، من المناسب الإشارة إلى أن صعوبة قياس الفساد بمعطيات موضوعية؛ جعل هذا المؤشر يلتجئ إلى من يعتبرون ضحايا محتملين للارتشاء والابتزاز وعلى رأسهم رجال الأعمال والمواطنون المستفيدون من خدمات الإدارة، قصد استطلاع آرائهم وإدراكهم لمستويات الفساد؛ حيث يُبيِّن هذا المؤشر نسب الانطباع والتصور عن انتشار الفساد في الدول المشمولة بالقياس.
وإذا كان لهذا المؤشر بعض الإيجابيات التي تتمثل بشكل خاص في بعث رسالة رمزية إلى الحكومات التي تحقق إنجازات ضعيفة بأن عليها أن تبذل المزيد من الجهود لتبديد سوء الفهم الحاصل في تصور أرباب العمل والمواطنين والتجاوب مع انتظاراتهم، فإن من سلبياته اقتصاره على شكل وحيد من أفعال الفساد هو الرشوة، وعدم قدرته على مواكبة الإنجازات، اعتبارا لبطء تغير التصور مقابل الإيقاع السريع لتطور الإنجاز، بالإضافة إلى الإضرار الذي قد يُلحِقه تصنيفه بمقومات جاذبية الدول المصنفة في المراتب المتدنية.
إذا تأكدت لنا الطبيعة النسبية لهذا المؤشر، صار منطقيا القول بأن الاطمئنان إلى نتائجه ينبغي أن يظل نسبيا هو الآخر، كما بات وجيها الاعتراف بأن استهداف تحسين الوضع في هذا المؤشر ينبغي أن لا يشكل غايتَنا القصوى، لأن من شأن ذلك أن يُسقِطنا في خطاب احتفالي وتمجيدي لحقائق صورية لا تعكس الواقع الموضوعي لتفاعل آفة الفساد في بلادنا.
لذلك، فإن المطلوب، في إطار الوعي بمنسوب وجاهة نتائج هذا المؤشر، هو الإقرار بأن الحرب ضد الفساد لم تُقْرَع لها الطبول بعد، ولم تُهَيَّأ لها العدة اللازمة للمواجهة الحاسمة، وأن ما تم إعداده من استراتيجية يظل مفتقرا إلى الأسلحة المناسبة والكافية لخوض هذه الحرب، لأننا أمام عدو شرس أضحى يهدد بنياننا الاقتصادي والاجتماعي والتربوي، وامتد تهديده ليشمل أمن واستقرار البلاد؛ الأمر الذي يجعل تجديد الترسانة الحربية بالأسلحة الفعالة والمناسبة واقعا مفروضا.
تطوير استراتيجية مكافحة الفساد مطلب حتمي
صار مؤكدا اليوم أن مواجهة الفساد أضحت تندرج ضمن استراتيجيات الدول ذات الصلة بالأمن والاستقرار، بعدما تأكدت خطورة هذه الجرائم وتداخلها مع الجرائم المصنفة بالخطيرة، وبعدما انعقد التزام المجتمع الدولي بضرورة تجنيد الآليات المناسبة لمكافحته، وبعدما أثبتت الوقائع أن "إسقاط" الفساد صار عنوانا بارزا رفعته الاحتجاجات التي عرفتها شعوب مجموعة من الدول.
على هذا الأساس، يتبين أن الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد مطالبة بمراجعة شمولية لمكوناتها من منطلق تهديد الفساد لأمن البلاد واستقراره، بعدما بات مؤكدا، من خلال مختلف الاستطلاعات والتحقيقات الميدانية، أن رقعة الفساد بالمغرب تتجه نحو التوسع والاكتساح الحثيث لمختلف البُنَى المؤسسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية؛ بما يساهم في تقويض العدالة والديمقراطية، ويُعَرض الحقوق الأساسية للانتهاك، ويعرقل مجهودات التنمية البشرية، ويُضر بفعالية برامج مكافحة الفقر والتهميش.
ونعتقد أن المدخل الأساس لهذه المراجعة يتمثل في إعلاء مطلب النهوض بالسياسة الجنائية ليكون في صلب الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، لأنها تُعد بمثابة الركيزة الأساسية داخل المنظومة الشمولية التي تتخذ من الوقاية والتوعية والتعاون والتواصل بالإضافة إلى المكافحة مداخل متكاملة لمحاربة الفساد.
اعتبارا لهذا الموقع الحيوي الذي ينبغي أن تحتله السياسة الجنائية في الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، يتعين توجيه الجهود نحو التجريم الجنائي لمجموعة من صور الفساد المنتشر في دواليب الإدارة، وإقرار معاقبتها على أساس تصور موضوعي لخطورة الفساد، تتجسد فيه مبادئ التناسب والمساواة والحرمان من العائدات والتجريد من الحقوق.
كما أن المشرع مدعو في نفس الإطار إلى الارتقاء بجرائم الفساد إلى مستوى الجرائم الخطيرة التي تستحق دينامية خاصة على مستوى مساطر التبليغ والتحري والتعاون المؤسسي والملاحقة والمقاضاة وتنفيذ الجزاءات، مع الاعتراف بوجاهة مجموعة من المساطر والقواعد الخاصة التي تتناسب وحجم الخطورة التي تمثلها جرائم الفساد.
ومن نفس المنظور، يبدو مهما جدا صرف الانتباه إلى ضرورة تجفيف منابع الفساد ومحاصرة روافده من خلال زجر بعض أشكال الانحراف المؤدية، بشكل من الأشكال، إلى قيام هذه الجرائم أو الكاشفة عن ارتكابها، مع التحلي بالشجاعة الكافية لمواكبة التشريعات الدولية الجريئة التي جرمت عدم التصريح بتضارب المصالح، وعدم إتاحة المعلومات، وعدم القيام بواجب التبليغ عن الفساد، وعدم القدرة على تبرير الزيادة في الثروة.
وما ينبغي التنبيه إليه أن مركزية النهوض بالسياسة الجنائية في الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد مطلب يجد سنده في مقتضيات الدستور. وحَسْبُنا في هذا السياق أن نُوضِّح بأن الوثيقة الدستورية عندما شددت على مبدإ المساءلة وإعطاء الحساب، وطالبت بزجر العديد من الانحرافات، وأقرت مبدأ إلغاء الامتيازات، وعملت على تعزيز سلطة القضاء وصلاحيات المحاكم المالية، وأحدثت هيئات للحكامة، فقد جاءت لتؤكد بذلك حقيقة مفادها أن تدبير الشأن العام لا يمكن أن يوفر فرصا للاغتناء غير المشروع وتحقيق المصالح الذاتية، وأن التعاطي للفساد من شأنه أن يشكل مجازفة محفوفة بالمخاطر وذات تكلفة باهظة للمفسدين على شتى المستويات.
كما يجد المطلب المذكور مرجعيته أيضا في الاتفاقية الأممية لمكافحة الفساد التي ظلت تلح، من منطلق الوعي بخطورة جرائم الفساد، على ضرورة اعتماد القواعد الموضوعية والمسطرية الخاصة والضامنة لمتطلبات المكافحة الفعالة لهذه الجرائم، دونما أي اشتباه في إمكانية تأثيرها على مستلزمات المحاكمة العادلة.
وبما أن المغرب، الذي أكد انفتاحه على العالم، لم يكن لِيظل في مأمن عن مستويات الخطورة التي تنطوي عليها جرائم الفساد، فإن الاستجابة لروح الدستور ومقاصده، والتجاوب مع متطلبات الواقع الجديد للمكافحة الذي باتت تفرضه الاتفاقية الأممية ذات الصلة يضع استراتيجيتنا الوطنية في مجال مكافحة الفساد أمام حتمية المراجعة، باعتماد البعد الجنائي مرتكزا محوريا في هذه الاستراتيجية، كخيار لا محيد عنه لتثبيت مشروعية خطاب الارتياح والاطمئنان لنتائج مؤشر إدراك الفساد الآنية والمستقبلية.
*باحثة في مجال مكافحة الفساد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.