يقول الله عز وجل:{والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم}[1]، فدور المرأة المسلمة لم يكن على الإطلاق محصورا في الأسرة، بل تعدى ذلك إلى المجتمع، وسنحاول بتوفيق من الله وعونه في هذا المقال أن نبرز الوجود النسائي في عصر الرسالة بقيادة النبي صلى الله عليه وسلم في خدمة الدعوة الإسلامية وحمل هموم الأمة ، والمشاركة الفعالة في كل الأمور. إن مكانة المرأة المسلمة متميزة داخل الأسرة وداخل المجتمع، حيث كرمها الإسلام وليدة وفتاة، زوجة وأما، أختا وبنتا، وقد ذكر القرآن عددا من النساء كان لهن دور مهم في تاريخ البشرية كحواء، وزوجة فرعون، وأم موسى وأخته وزوجته ومريم أم المسيح عليه السلام، وملكة سبأ إلى جانب إفراده سبحانه وتعالى سورتين للنساء هما سورة النساء وسورة الطلاق (النساء الصغرى). وإن المسؤولية ليست على عاتق الرجل فحسب بل أيضا النساء شريكات في أدائهن فقال عليه الصلاة والسلام ″النساء شقائق الرجال″[2]، وتعتبر المرأة بمنزلة قلب الأمة فإذا صلحت صلحت هذه الأمة وإذا فسدت فسدت الأمة. ولهذا كانت النساء في عصر الرسالة يسعين بكل جهودهن لبناء مجتمع جديد يتحقق فيه إسعاد النوع الإنساني ذكرا كان أم أنثى، وانطلقن إلى جانب الرجل في عملية الإصلاح الاجتماعي والسياسي والفكري الذي حملته الدعوة الإسلامية، وأصبحت المرأة جزء لا يتجزأ من المجتمع الإسلامي. ففي هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة أخطر التحولات حيث غيرت مجرى الدعوة الإسلامية، كانت امرأة من حفظ السر وساعد النبي صلى الله عليه وسلم في الخروج حتى اشتهرت ″بذات النطاقين″ إنها أسماء بنت أبي بكر. وقبل هذا كانت الهجرة إلى الحبشة أمرا ضروريا في مسار الدعوة الإسلامية وتحولا سياسيا، فكانت النساء مشاركات في هذا التحول، مدافعات عن الدين والعقيدة الصحيحة، فخرجت أربع نسوة في الهجرة الأولى وخمس وعشرون في الهجرة الثانية وكان من بينهن أم المؤمنين سودة بنت زمعة وأم المؤمنين حبيبة بنت أبي سفيان. وفي حدث آخر مهم في بناء الدولة الإسلامية نجد امرأتين شاركتا الرجال فيه وهما أم عمارة نسيبة بنت كعب الأنصارية وأم منيع بنت عمرو بن عدي الأنصارية وفي هذا الحدث يقول محمد عمارة″...وفيه الجمعية التأسيسية لإقامة الدولة الإسلامية الأولى، شاركت المرأة الرجال في إبرام التعاقد الدستوري والعقد الاجتماعي بإقامة الدولة″[3] ، إنه حدث بيعة العقبة. فكانت المرأة تشارك مشاركة واسعة في النشاطات السياسية التي هي في حد ذاتها دعوة إلى إصلاح المجتمع وتخفيف أعباء الرجل السياسية، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد فتح مكة بعد ثمان سنين من الهجرة إلى المدينة وكان قد حكم على بعض المجرمين من أهلها بالإعدام وعند رجوعه لفتح مكة هرب هؤلاء المجرمون، ولكن ابن هبيرة قد استجار بأم هانئ ابنة عم الرسول صلى الله عليه وسلم فأجارته، فاعترض بعض الصحابة على هذا العهد النسوي واحتجوا، فجاءت أم هانئ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله زعم ابن عمي، تقصد شقيقها عليا، أنه قاتل رجلا قد أجرته، إنه ابن هبيرة يا رسول الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم، قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ ″[4]، فالرسول صلى الله عليه وسلم يحترم عهدا أعطته امرأة لأحد المطلوبين للعدالة ولم يخذلها أبدا وفي هذا هدي عظيم. وقد خرجت جماعة من نساء المؤمنين إلى ميدان القتال يوم خيبر، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل إليهن وسألهن مع من خرجتن فقلن: يا رسول الله خرجنا نغزل الشعر، منعين به في سبيل الله، ومعنا دواء للجرحى ونناول السهام ونسقي السويق: فقال: قمن، حتى إذا فتح الله عليه خيبر أسهم لنا كما أسهم للرجال[5]. فكانت المرأة تقوم بالدور الدعوي في التمريض والطبابة فالربيع بنت معوذ كانت تغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتداوي الجرحى، وأم العلاء الأنصارية كانت تعالج الصحابة المرضى، وعولج عندها عثمان بن مظعون حتى توفي، وأما رفيدة الأسلمية فقد أمر لها النبي صلى الله عليه وسلم بخيمة فكانت تداوي الجرحى بعد معركة الخندق وداوت سعد بن معاذ. وكانت المرأة تعمل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لتكتسب مالا تعول به نفسها وزوجها وأولادها، فبنت عبد الله الثقفية زوجة عبد الله بن مسعود كانت تعمل وتصرف على زوجها وأولادها، جاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت له: ″إني امرأة ذات صنعة، فأبيع وليس لأولادي ولا لزوجي مالا فيشغلونني عن الصدقة، فهل لي في النفقة عليهم أجر؟″ فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ″لك في ذلك أجر ما أنفقت عليهم″[6]. وكانت هناك امرأة بالمدينة يقال لها الحولاء العطارة، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يأنس بها ويزورها، وكانت تبيع العطور، كان صلى الله عليه وسلم إذا دخل بيته قال: أين الحولاء العطارة؟ إني لا أجد ريح العطارة اليوم هل ابتعتم منها اليوم شيئا[7]. ومن المواقف التي يشهد لها التاريخ في عصر الرسالة مواقف النساء في حوارهن ومناقشتهن لكثير من الأمور التي تهم المجتمع أمام النبي صلى الله عليه وسلم وبحضرة الرجال، وهذا يرفع الحرج عليهن من أجل المشاركة الكاملة إلى جانب الرجل ومن تلك المواقف موقف أسماء بنت يزيد رضي الله عنها الملقبة بخطيبة النساء ، أتت النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس بين أصحابه فقالت: ″بأبي أنت وأمي يا رسول الله، أنا وافدة النساء إليك، إن الله عز وجل بعثك إلى الرجال والنساء كافة، فآمنا بك وبإلهك، وإنا معشر النساء محصورات مقصورات، قواعد بيوتكم، ...ثم قالت: أفما نشارككم في هذا الأجر والخير؟″ فالتفت النبي إلى أصحابه بوجهه كله ثم قال لهم: ″هل سمعتم مقالة امرأة قط أحسن من مساءلتها في أمر دينها أحسن من هذه؟″ فقالوا: يا رسول الله، ما ظننا أن امرأة تهتدي إلى مثل هذا″[8]. وجعل النبي صلى الله عليه وسلم أيام العيدين معرضا إسلاميا يلتقي فيه المسلمون جميعا رجالا ونساء، شيوخا وأطفالا دون تمييز، وحتى من لا صلاة عليها من النساء لعذر شرعي أوجب الرسول صلى الله عليه وسلم عليها الخروج، وقد اعتذرت إحدى النساء للنبي صلى الله عليه وسلم بأنها لا تملك جلبابا، فقال لها الرسول الكريم ″ لتلبسها صاحبتها من جلبابها ولتشهد الخير ودعوة المؤمنين″[9] فهذا دليل للمسلمين ليخففوا على نساءهم كي يشاركن في الحياة الاجتماعية والمناسبات الدينية ... ولن ننسى ذكر أم المؤمنين السيدة عائشة التي كان لها دور كبير في تعليم النساء والرجال، فقد روت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وأخذ الرجال عنها. وكان أول شهيد في الإسلام امرأة وهي سمية بنت خياط زوجة ياسر رضي الله عنهم ، فضحت بحياتها واستشهدت نصرة لدين الإسلام. ونختم هذه النماذج بالسيدة خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها والتي بشرها جبريل عليه السلام في حياتها عندما أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:″ يا رسول الله، هذه خديجة أتت معها إناء فيه إدام وطعام أو شراب، فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها ومني وبشرها ببيت من قصب لا صخب ولا نصب″[10] ويقول عنها الرسول صلى الله عليه وسلم:″ آمنت بي إذ كفر الناس وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله ولدها إذ حرمني أولاد الناس″[11]. فهذه بعض النماذج من واقع المرأة في عصر الرسالة، التي تبين أن مشاركة المرأة في الدعوة كان نتيجة لحضورها المستمر في كل مجالات الحياة العامة، ونجحت في ذلك نجاحا باهرا حتى سجل التاريخ لها مواقفا دعوية من أروع ما يكون. الهوامش: [1] سورة التوبة ، آية 71 [2] سنن الترمذي ، كتاب الطهارة حديث رقم 113 [3] - محمد عمارة، تحرير المرأة بين الغرب والإسلام، سلسلة إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت 9، مكتبة الإمام البخاري للنشر والتوزيع ص،26 [4] - البخاري كتاب فرض الخمس، باب أمان النساء وجوارهن، فتح الباري جزء 7 ص،83 [5] - رواه أبو داود عن حشرج بن زياد عن جدته أم أبيه، سنن أبي داود، كتاب الجهاد ،2729 [6] - البخاري قصة أم سلمة مع قومها، نفقات، 4950، وكذلك قصة هند بنت عتبة .ابن الأثير أسد الغابة جزء 5، ص،461 [7] - ابن الأثير ، أسد الغابة جزء 5، ص، 432 [8] - أسد الغابة لأبي الحسن الشيباني، تحقيق عادل أحمد الرفاعي ، دار إحياء التراث العربي، بيروتلبنان الطبعة الأولى 1996الجزء 7 ص،22 [9] البخاري ، كتاب العيدين باب إذا لم يكن لها جلباب في العيد [10] - صحيح البخاري ، كتاب المناقب، رقم الحديث 3610 [11] - صحيح مسلم ، كتاب فضائل الصحابة، رقم الحديث: 2437، مسند الإمام أحمد كتاب باقي مسند الأنصار:118/6 *باحثة في قضايا المرأة والأسرة المسلمة في الغرب، عضو المنتدى الأوربي للوسطية ببلجيكا.