وجدت الحكومة نفسها في حالة "لخبطة" غير مسبوقة إزاء وباء "أنفلونزا الخنازير"، الذي بث الرعب في صفوف المواطنين، بفعل التكتم الشديد لوزارة الصحة عن البوح بحصيلته؛ بل أكثر من ذلك نفت تفشي المرض منذ الوهلة الأولى، في ظل تضارب الآراء وانتشار الإشاعات التي أشعلت وقودها مواقع التواصل الاجتماعي. وفي وقت ينبغي أن تصارح الحكومة المواطنين، حتى يتم اتخاذ كافة الإجراءات الوقائية الكفيلة بتجنب انتقال العدوى، اختارت الوزارة الوصية على القطاع تبني إستراتيجية تواصلية غير محددة المعالم، سمتها الأساسية "العشوائية"، فتارة تلجأ إلى التعتيم الوزاري الهادف إلى عدم إدراج الخبر بالمرة وعدم ذكره؛ وهنا القضية المراد التعتيم عليها هي "أنفلونزا الخنازير"، وتارة أخرى توظف تقنية التضليل الوزاري، وذلك من خلال تركيزها على أخبار غير مهمة في النقاش السائد، بواسطة كشف إحصائيات غير مضبوطة في مرحلة أولى، قبل أن يتخذ الموضوع أبعادا أخرى أجبرتها على مسايرة الرأي العام. وسلّطت إستراتيجية وزارة الصحة في مقاربة الوباء الصحي الضوء من جديد على مخطط تدبير الأزمات، الذي من المفترض أن تتوفر عليه جميع القطاعات الوزارية، ما جعل "تواصل الأزمات" الغائب الأكبر في الأداء الحكومي، الموسوم بالتردد والعشوائية وتضارب الإحصائيات وغياب الانسجام. وفي هذا الصدد، قال كريم عايش، الباحث في العلوم السياسية، إن "الاستشراف واستقراء المستقبل عنصر هام في عمل المؤسسات بكل أشكالها، غير أن هذا المعطى يرتبط بحياة الأفراد والمجتمع ويصبح أهم عوامل التخطيط المستقبلي للبلد، لكن المغرب مازال متأخرا في هذا المجال؛ وتبرز محدودية ذلك حين يفاجأ المغاربة بحوادث كبرى، كالكوارث أو الأوبئة، إذ لا تساير سرعة تعامل الحكومة مع الأزمات تفاعل المغاربة معها". وأضاف عايش، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن "الإحصائيات أثبتت ارتباط المغاربة بمختلف وسائط التواصل الاجتماعي، ثم تداولهم السريع للأخبار عبر مختلف الوسائط، في حين مازالت الحكومة تعتمد على بيروقراطيتها وميكانيزماتها التقليدية، مثل البلاغات الرسمية والخرْجة الإعلامية للوزير المكلف بالقطاع"، وزاد: "بعد استنفاد هاتين الأداتين يعمد إلى زيارة ميدانية تكون الاستعدادات قد سبقتها بأيام معدودة، وذلك ضمن وفد ضخم لالتقاط الصور والمقاطع لطمأنة المواطنين بأن الأمور تحت السيطرة". وأوضح عضو مركز الرباط للدراسات السياسية والإستراتيجية أن "المعمول به في مؤسسات خاصة وعالمية يتمثل في الاعتماد على مؤشرات يتم تتبعها دوريا وباستمرار، إذ تبين إمكانية وجود تهديد معين ضمن مصالح توقع المخاطر، وبالتالي العمل على نشر مخطط التدخل القبلي والعودة إلى مخطط التدخل الاستعجالي، ثم تكثيف المراقبة والتتبع إلى حين زوال الخطر، وفق معايير دولية متعارف عليها في ميدان توقع المخاطر ومجابهتها". وأردف عايش بأن العمل الحكومي يفتقد هذه التقنيات، إذ "يكرس العشوائية والتخبط والتصادم في أحيان كثيرة، ما يفتح باب التأويلات والمضاربة، وأحيانا التلاعب في وسائل وأدوات الحلول؛ ما يعرض الدولة للمتابعة القضائية واستحضار مسؤوليتها المدنية والجنائية، وفق مقتضبات الدستور والقانون المدني، إذا لم يكن الأمر يتعلق فعلا بقوة قاهرة تخرج عن إطار التوقع والوقاية". وختم المتحدث تصريحه لهسبريس بالقول إن "هذا يسائل رئيس الحكومة عن وجود مخططات لتدبير الأزمات بالنسبة لكل قطاع، ومدى فعاليتها ودورية تحيينها، وهل هناك مخطط شامل، ولم لا يتم تفعيلها كلما أصاب المغرب مكروه؛ كما يسائل ذلك موقع أقسام ومديريات توقع المخاطر داخل هياكل المؤسسات العمومية، وسبب غياب هياكل دائمة لليقظة تتابع كل المخاطر الموسمية والدائمة التي تحيط بالمغرب".