تنتشر منذ مدة أخبار عن وجود محادثات مغربية روسية حول صفقات سلاح متنوعة، من غواصات وأنظمة دفاع جوي بل حتى طائرات ومروحيات مقاتلة. فما مدى صحة هذه المعلومات؟ وما القيمة التي يجب إيلاؤها لها؟ منذ سقوط نظام القذافي أواخر سنة 2011 تلقت تجارة السلاح الروسي ضربة موجعة؛ فصور السلاح الروسي المدمر من طرف القوات الغربية وكذا غياب دعم روسي واضح للعقيد دفع العديد من زبناء السلاح الروسي إلى البحث عن مزودين جدد؛ فالروس أثبتوا أنهم لا يستطيعون حماية حلفائهم ويتخلون عنهم عند الشدائد. ولعل هذا هو أحد أهم الأسباب التي دفعت القيادة الروسية إلى الدفاع باستماتة عن نظام الأسد، لا لسبب سوى الحفاظ على ما تبقى من المصداقية للحليف الروسي الذي كان يوفر لزبنائه أسلحة بثمن زهيد مقارنة بما تقترحه الصناعات الغربية. البحث عن الدعم كان دائما أحد العوامل المحددة للسياسات الدفاعية للدول المستوردة للسلاح، وقد يكون له ثمن مادي مهم يفسر اختلاف قيمة بعض صفقات السلاح بين المستوردين. غير أن خبايا الصفقات العسكرية تحوي غالبا بعض الشروط والخدع التي قد لا تروق لدول صارمة في سياساتها الدفاعية مثل المغرب؛ فمحددات إبرام صفقات السلاح مع المملكة تقوم على عوامل عدة، من بينها الدعم في القضايا الوطنية، وعدم التدخل في السيادة والسياسات الوطنية، والالتزام والمصداقية، عدا عن الجوانب التقنية والمادية، فالأهم هو الجودة بثمن يوازي القدرات المالية للمغرب. واعتمادا على هذا الأساس، فإنه من المستحيل الوصول إلى اتفاقات عسكرية مهمة مع الجانب الروسي لأسباب يمكن تفصيلها كالآتي: أولا: ضبابية الموقف الروسي من قضية الصحراء مع أن الروس عانوا لمدة من مشاكل تتعلق بوحدتهم الترابية واستيلاء بعض جيرانهم على أجزاء من ترابهم الوطني، ومع أن المغرب التزم بموقف محايد يميل للإيجابية من الموقف الروسي في قضية القرم، فإن روسيا لم تقم يوما بدعم صريح وواضح للمغرب في قضية الصحراء المغربية، بل إن موقفها زاد ضبابية مؤخرا عندما رفضت التصويت للقرارين الأمميين الذين يعتبران انتصارا دبلوماسيا كبيرا للمغرب. وبالتالي، فالمغرب لا يمكن له المغامرة بإبرام صفقات سلاح مع بلد قد لا يكون بجانبه إذا اشتد الخناق عليه داخل أروقة مجلس الأمن. ثانيا: الشروط الروسية في صفقات السلاح تدخل سافر في أمور سيادية عادة ما يجبر الروس زبناءهم على وجود خبراء روس داخل القواعد العسكرية التي تعمل بها أسلحتهم، والمشاهد لصور السلاح الروسي العامل بالجزائر مثلا، يجد أنه من النادر عدم رؤية الروس المتواجدين بشكل دائم في القواعد الجزائرية، بل إن بعض عمليات الصيانة المحلية لا يمكن القيام بها إلا من طرفهم. وهذا أمر خطير يرفضه المغرب للإبقاء على سيادة تامة على سياساته الدفاعية، وغالبا هؤلاء الخبراء هم في الحقيقة جواسيس يهددون الأمن الوطني. من جهة أخرى، يرفض الروس تمكين الزبناء من "أكواد المصدر" (les codes sources) الخاصة بأسلحتهم في ما يتعلق بنظم الاتصال، ما يجعل إدماجها في نظم الاتصال والقيادة الوطنية أمرا مستحيلا. وهو الأمر الذي لم تسمح به روسيا إلا لتركيا لأسباب استراتيجية لا يمكن تطبيقها على المغرب. وكان هذا السبب الرئيسي في إعراض المغرب عن عدة صفقات، منها مقترح روسي بخصوص نظام "اس 400"، فرغم أنه نظام دفاعي تقدمه الآلة الإعلامية الروسية على أنه نظام فتاك ضد الأخطار القادمة من الجو، لكنه لا يمكن أن يعمل بشكل فعال دون أن يكون مرتبطا بالشبكة الوطنية للدفاع الجوي التي تحوي منظومات الرصد والاتصال والقيادة. وبالتالي، فإن الفاعلية القتالية للنظام ستكون منعدمة. ثالثا: غياب الالتزام والمصداقية لدى الجانب الروسي للمغرب تجارب سابقة في استخدام السلاح الروسي في الترسانة الدفاعية للجيش الملكي؛ فأول طائرات مقاتلة التحقت بالقوات الملكية الجوية كانت طائرات "ميغ" روسية. وقبل سنوات، اقتنى المغرب منظومة دفاع جوي قصيرة المدى من روسيا بعد زيارة بوتين في 2006. مستخلص هذه التجربة لدى العارفين بخبايا العلاقات العسكرية المغربية الروسية هو غياب المصداقية لدى الروس، وإخلالهم بالعقود المبرمة. ويعاد تكرار النهج نفسه؛ فقد تم الإمضاء على اتفاق يهم سرية العلاقات التقنية والعسكرية خلال الزيارة التي قام بها جلالة الملك إلى موسكو سنة 2016، ومع ذلك تواصل بعض الجهات الروسية تسريب أخبار بعضها زائف حول محادثات مغربية روسية حول أسلحة معينة، بل بلغ ذلك إلى حد أن السفير الروسي بالرباط قام بتصريح حول العلاقات العسكرية المغربية الروسية مؤشرا على وجود اهتمام مغربي بنظام "اس 400"، وأكثر من ذلك، استفز الجانب المغربي بالتلميح بوجود عزوف مغربي أو تماطل في الرد على العروض الروسية، في حين إن الأمر مخالف لذلك وكان يجب معالجته عن طريق قنوات أخرى تحترم اتفاق السرية الذي تم توقيعه. رابعا: خدعة السلاح الروسي الرخيص غالبا مع يتم ربط الاهتمام بالسلاح الروسي بثمنه الزهيد مقارنة مع السلاح الغربي، وهذا أمر صحيح نسبيا إذا اعتبرنا فقط القيمة عند الشراء، لكن أي أسلحة استراتيجية، مثل الطائرات والغواصات، تتطلب عمليات صيانة دورية تستوجب عودتها إلى المصنع الرئيسي، وهذه العمليات ضرورية للإبقاء على هذه الأسلحة في وضعية تسمح لها بالأعمال المناطة بها. وهنا يكمن موطن الربح التجاري لدى الروس؛ فقيمة هذه العمليات تكون مرتفعة بشكل قد يهدد الأمن القومي لبعض الدول. فماليزيا أوقفت العمل بطائراتها الحديثة من طراز "سوخوي" (مماثلة لتلك العاملة بالجزائر) بعد عدم قدرتها على دفع قيمة عمليات الصيانة الدورية الضرورية بعد 5 سنوات من الخدمة والرفض التام للروس بنقل التكنولوجيا إلى الماليزيين ليقوموا بهذا العمل محليا، كما يفعل ويحبذ أن يقوم به المغرب بالنسبة لكافة أساطيل الطائرات العاملة بالقوات الجوية. هذا الأسلوب الذي يمكن وصفه بالمخادع والماكر من الجانب الروسي يعد عاملا رادعا للطرف المغربي من أجل الابتعاد عن اقتناء سلاح روسي استراتيجي، خاصة وأن لنا تجربة مريرة في هذا الميدان عندما امتنعت إدارة الرئيس كارتر عن تسليمنا قطع غيار طائراتنا المقاتلة الوحيدة آنذاك والحرب مشتعلة في الصحراء، ما أفقدنا عامل القوة الجوية لشهور خلال الحرب. كل هذه العوامل مؤشر واضح على استحالة إبرام صفقات سلاح مع الروس في غياب أي ضمانات من جانبهم لتجاوز هذه العوائق أو القيام بتنازلات في ما يخص الأمور التي تشكل تهديدا للسيادة والأمن القومي المغربي، ينضاف إلى ذلك العقوبات الأمريكية التي تطال الدول التي تقوم بشراء السلاح الروسي مؤخرا. *خبير في الشؤون العسكرية والاستراتيجية