بحلول شهر فبراير المقبل ينتهي العمل بالمادة 16 من مدونة الأسرة المتعلقة بسماع دعوى الزوجية، والتي تم العمل بها في إطار فترة انتقالية مدتها عشر سنوات انتهت شهر فبراير 2014، ثم تقرر تمديدها خلال الولاية التشريعية السابقة لمدة خمس سنوات، مع رفض تعديلاتنا كمعارضة آنذاك في لجنة العدل والتشريع الرامية إلى تقييد المادة بعدم استغلالها والالتفاف عليها لتزويج القاصر وتعدد الزوجات. السنوات الخمس ستصل إلى نهايتها خلال شهر فبراير 2019، لتصل الفترة الانتقالية إلى 15 سنة، علما أن الأصل في ميثاق الزواج كونه موثقا كتابة بمقتضى الوثيقة المحررة من العدلين السامعين للإيجاب والقبول الصادرين عن الزوجين في مجلس واحد، بعد استيفاء الأركان والشروط والإجراءات الإدارية، والمخاطب عليها من طرف القاضي المكلف بالتوثيق، وأن المادة 16 المشكلة للإطار القانوني لسماع دعوى الزوجية أشارت صراحة إلى أن الوسيلة المقبولة لإثبات الزواج هي عقد الزواج، لكن أضافت أنه إذا حالت أسباب قاهرة دون توثيق العقد في وقته تعتمد المحكمة في سماع دعوى الزوجية سائر وسائل الإثبات، وكذا الخبرة، وتأخذ بعين الاعتبار وهي تنظر في دعوى الزوجية وجود أطفال أو حمل ناتج عن العلاقة الزوجية، وما إذا رفعت الدعوى في حياة الزوجين، علما أن القصد من سن هذه المادة ليس هو فتح المجال للتحايل على مواد أخرى نصت عليها المدونة، وإنما نظرا لوجود أسباب وعوامل قد تكون نتيجتها عزوف بعض الأزواج عن توثيق زيجاتهم. من هذه الأسباب العادات والتقاليد في بعض المناطق النائية التي تجعل عقد الزواج يعتمد على إجراءات شفوية وطقوس عرفية بعيدة عن المفاهيم الحديثة لتوثيق العقد، أو عدم التوفر على الوثائق الإدارية لتوثيق عقد الزواج، أو التهاون واللامبالاة التي يبديها البعض كلما تعلق الأمر بالإجراءات والشروط الشكلية لتوثيق عقد الزواج، أو عدم وجود عدول في بعض المناطق النائية المعزولة، أو بكل بساطة ما أصبح يلجأ إليه جل سالكي المسطرة بمقتضى المادة 16 المتحايلون حتى من ساكنة المدن ومن المثقفين وجميع الشرائح لإبرام بعض الزيجات التي تتطلب إذنا مسبقا من طرف المحكمة، وبالطبع القصد في هذا المجال يتعلق بتزويج القاصر، أي الزواج دون سن الأهلية، أو تعدد الزوجات، تفاديا والتفافا وقفزا على الإذن المسبق وعلى المواد من 40 التي تمنع التعدد إذا خيف عدم العدل بين الزوجات إلى 46 من مدونة الأسرة، وجعل المحكمة مضطرة إلى الرضوخ للطلب، خاصة في حالة وجود أطفال، علما أن مسطرة التعدد أصبحت بعد دخول المدونة حيز التنفيذ خاضعة لقيود صارمة، إذ لا يأذن القاضي بالتعدد إلا بعد التأكد من قدرة الزوج على توفير العدل بين الزوجة الأولى والزوجة الثانية، ووجود مبرر استثنائي كسند لطلب التعدد، ما جعل الأحكام الصادرة برفض طلبات التعدد أكبر من عدد الأحكام الصادرة بمنح الإذن به؛ بل إن رسوم زواج التعدد منذ تطبيق المدونة لم تتجاوز 0.34 في المائة إلى حدود سنة 2014. لذلك اقتضى التحايل على القانون استعمال المادة 16 من أجل الالتفاف على المقتضيات المتعلقة بالتعدد والحصول على الإذن باستعمال مادة قانونية قفزا وتطاولا والتفافا، وهي التي تنظم هذا المقتضى المهم الذي قد يضرب في الصميم كرامة الزوجة الأولى وأحيانا الثانية، إذ قد تعتقد أن من تعاشره معاشرة الأزواج غير متزوج أو تتواطأ معه من أجل العيش سويا بدون عقد، وتعتقد الأولى أنه غير متزوج شرعا (بالفاتحة) من غيرها، إلى أن يتم سلوك مسطرة سماع دعوى الزوجية. ولعل ذلك السبب الذي جعل مساطر التعدد في تراجع ومساطر دعوى سماع الزوجية في ارتفاع مضطرد منذ 2004، تاريخ تقييد المدونة لمسطرة التعدد إلى غاية 2011 التي بلغ عدد الأحكام خلالها 38952؛ بل وهذا هو السبب الذي حدا ببعض الفرق البرلمانية قبل إعادة تمديد العمل بالمادة 16 إلى ضرورة تقييدها بعدم استعمالها من أجل تزويج القاصر، وكذلك عدم استعمالها لطلب الإذن بتعدد الزوجات؛ لكن الحكومة رفضت التعديلات واستمرت الأحكام تصدر رغم التحايل والالتفاف على القانون. يجدر التذكير بأن المشرع لما سن المادة 16 اتجهت نيته إلى تسوية كل زواج غير موثق، نظرا لوجود أسباب قاهرة حالت دون توثيقه، مثلا تواجد المعنيين بالأمر في مناطق جبلية معزولة ونائية أو عدم وجود عدول بها، لذلك انخرطت المحاكم الابتدائية عبر أقسام قضاء الأسرة خلال سنوات عدة في تنظيم جلسات تنقلية في دوائر نفوذها، في إطار تقريب القضاء من المواطنين المقيمين في البادية والمناطق النائية من أجل توثيق زيجاتهم، خصوصا في حالة وجود الأطفال المعنيين بحماية المدونة من جهة، واعتبار الإطار العالمي الذي يلزم المغرب باتفاقيات دولية تهدف إلى حماية الأطفال من جهة أخرى. لذلك نلاحظ مقالات افتتاحية ترفع حاليا إلى المحاكم في إطار سماع دعوى الزوجية المنظمة بمقتضى المادة 16، بدل الإذن بالتعدد الذي يخضع للمواد من 40 إلى 46 من المدونة، والتي تقيد المساطر بصرامة، من طرف ساكني المدينة وثلة من المثقفين وشريحة من الميسورين وآخرين لا علاقة لهم بالمناطق النائية المعزولة، ولا وجود لأسباب قاهرة حالت دون توثيقهم للعقود، ولهم عدول في مدنهم لا ينتظرون سوى تحرير العقود بفرح وابتهاج، لذلك نتساءل حول القبول بالتحايل على المادة من أجل التعدد وتزويج القاصر، وما يستتبع ذلك من مآس اجتماعية، أو يكون للمشرع جرأة نسخها، أو على الأقل تعديلها، بحكم أنها شرعت لفترة انتقالية ولازالت تخضع للتمديد. وفي هذه الحالة قد يرفع المنتصرون للتمديد فيتو حماية الأطفال المولودين خارج مؤسسة الزواج الموثق بعقد. ولعل مراجعة مواقف الفرق البرلمانية خلال الولاية السابقة تجعلنا نستحضر تعديلات مشتركة لأحزاب حداثية اقتنعت بضرورة حماية الأطفال، وبالتالي الإبقاء عليها، ولكن بتقييدها بإضافة تعديل يفيد بعدم استعمال المادة لمباشرة مسطرة تزويج القاصر، وتعدد الزوجات، علما أن التحالف الحكومي أو مكونات الحكومة آنذاك جعلت وجهات النظر تتباين في ما بينها، ومع ذلك تعذر تمرير التعديلات طبقا لتصويت الأغلبية على تمديد المادة دون تعديلها، وبالتالي بقيت دار لقمان على حالها، وها نحن نواجه بانتهاء الفترة الانتقالية الممددة، وأصبح نواب الولاية البرلمانية الحالية مطالبين بتمديد المادة أو نسخها وحذفها أو تعديلها حماية للقاصرات وتفاديا لاستعمالها لتعدد الزوجات بدل سلوك مسطرة التعدد المنصوص عليها في المدونة؛ علما أنه في حالة عدم تمديدها أو نسخها سيمتنع أو بالأحرى يوقف القضاة البت في قضايا سماع دعوى الزوجية إلى حين اتخاذ المشرع موقفا بشأنها. وستبدي لنا الأيام إن كان مشرع الولاية الحالية سيكون أكثر جرأة من سابقيه من أجل اتخاذ المتعين ومواجهة التحايل والالتفاف موازاة مع حماية الأسرة والطفل . *عضو سابق بلجنة العدل والتشريع