القانون التنظيمي المتعلق بالإضراب يروم في المقام الأول حماية حقوق الشغيلة والمنظمات النقابية (السكوري)    المعقول .. من اللامعقول السياسي عند تبون من خلال حواره! -2-    أخنوش يستعرض المؤشرات الاقتصادية والمالية للمغرب ويؤكد مواصلة الإصلاحات    مجموعة إسبانية تعتزم افتتاح منتجع فاخر في طنجة    السعودية: فلسطين تسبق "التطبيع"    الشرطة تطارد مسلحين في بروكسل    الجيش وبركان يترقبان "20 فبراير"    منتخب لبؤات الأطلس أمام مواجهات ودية    الدولي المغربي بلال الخنوس يتوج كأفضل موهبة لعام 2024 للمرة الثانية    أكادير.. توقيف 33 شخصا بمحل للتدليك    منصة "واتساب" تعلن عن تحديث جديد لتشات جي بي تي داخل تطبيقها    نتنياهو: إسرائيل لن تتراجع عن أهدافها ولن تسمح ببقاء حماس في غزة    رونالدو بعد بلوغ سن الأربعين: أنا أعظم لاعب في التاريخ    الشامي: عدم التفاعل مع الاستشارات العمومية يضعف الثقة في المؤسسات    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    جامعة عبد المالك السعدي تعزز البحث العلمي في مجال القنب الهندي باتفاقية جديدة مع الوكالة الوطنية لتقنين الأنشطة المرتبطة بالنبتة    الإضراب يكسر إيقاع الدار البيضاء    انحراف حافلة يخلف قتيلة ومصابين    انتقادات لعدم تنفيذ الحكم ضد المتهمين في قضية "كازينو السعدي" رغم صدور قرار النقض    أجراس الحداثة البعدية في مواجهة منابر الحداثة    تأجيل أم إلغاء حفل حجيب بطنجة؟ والشركة المنظمة تواجه اتهامات بالنصب    كعكتي المفضلة .. فيلم يثير غضب نظام المرشد في إيران    ماذا يعرف الأطباء عن أعراض وعلاج الاحتراق النفسي؟    أولمبيك آسفي يتمسك بمدربه أمين الكرمة بعد فترة توتر    انتحار ستيني في ظروف غامضة بحي الديزة بمرتيل    تنقيط لا يليق بالحارس الرجاوي أنس الزنيتي في مباراته الأولى مع الوصل    بلقاسمي: ملعب الرباط سيدخل كتاب " غينيس"    ميلان يعلن تعاقده مع جواو فيلكس على سبيل الإعارة    فورد تعلن عن عودتها إلى الفئة الملكية لسباقات التحمل    الارتفاع يستهل تداولات بورصة الدار البيضاء    الريفي يستعرض بباريس الأهمية الاستراتيجية للفلاحة بالمغرب ودورها الاقتصادي والاجتماعي    أسعار الذهب ترتفع إلى مستوى تاريخي جديد    البريد بنك يحصد 3 ألقاب في Les Impériales 2025    نقطة نظام.. المغرب إلى أين؟    الرباط.. العرض ما قبل الأول لفيلم "الوصايا" لسناء عكرود    كيوسك الأربعاء | إطلاق الدعم لفائدة المقاولات المستفيدة من "صندوق التحدي 2"    حزب "التقدم والاشتراكية" ينتقد سياسات الحكومة ويؤيد الإضراب الوطني العام    سياسات ترامب الحمائية هل ستؤدي إلى حرب تجارية جديدة؟    الولايات المتحدة.. مجلس الشيوخ يؤكد تعيين بام بوندي في منصب وزيرة العدل    بلغ عددهم 67.. فرق الإنقاذ تعثر على جثث جميع ضحايا تحطم طائرة واشنطن    باحثون ومهتمون يناقشون "القضية الفلسطينية" عند رواد في الفكر المغربي المعاصر    الحكومة حريصة على توفير المواد الاستهلاكية بوفرة خلال شهر رمضان المبارك    ترامب يوقع على أمر تنفيذي بانسحاب الولايات المتحدة من مجلس حقوق الإنسان    وصلة إشهارية تضع "وفاكاش" في مرمى انتقادات التجار والمهنيين    خلال جلسة مساءلة أخنوش في المستشارين... حزب الاستقلال يؤكد على وفائه لحلفائه في الحكومة    خبراء يؤكدون أن جرعة واحدة من لقاح "بوحمرون" لا تكفي للحماية    الصحة العالمية : إطلاق أول تجربة لقاح ضد إيبولا في أوغندا    بنسعيد يعلن عن تقييد مآثر جديدة    الصناعة السينمائية المغربية تحقق أرقامًا قياسية في 2024    جولييت بينوش تترأس لجنة التحكيم في "مهرجان كان"    التقلبات الجوية الحادة تؤثر على الصحة العقلية للمراهقين    تنظيف الأسنان بالخيط الطبي يقلل خطر السكتات الدماغية    الرباط: تنصيب الأعضاء السبعة الجدد بأكاديمية الحسن الثاني للعلوم والتقنيات    جامعة شيكاغو تحتضن شيخ الزاوية الكركرية    المجلس العلمي المحلي للجديدة ينظم حفل تكريم لرئيسه السابق العلامة عبدالله شاكر    أي دين يختار الذكاء الاصطناعي؟    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد "أسدرم " تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بوصوف يسائل "منتدى دافوس" وإرهاصات النظام الأوروبي الجديد
نشر في هسبريس يوم 27 - 01 - 2019

تأثر المنتدى الاقتصادي العالمي، المنعقد في منتجع دافوس بسويسرا في طبعته ال49 بين 22 و25 يناير الحالي، بواقع المتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية العالمية، وهو ما برر اعتذار زعماء دول قوية اقتصاديا ومؤثرة سياسيا، مثل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ورئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وكذا الرئيس الصيني شي جين بينغ، بالإضافة إلى الرئيس الهندي، وكذا الروسي بوتين.
وقد أثر هذا الغياب في مناقشة ملفات ساخنة مطروحة على أكبر منصة اقتصادية ومالية في العالم، مثل ملفات العولمة والثورة الصناعية الرابعة والتغيير المناخي والقرصنة الرقمية والحرب التجارية والشعبوية… فغياب أكثر من رئيس بسبب أزمات داخلية هو عنوان كبير لما يعيشه النظام العالمي من مخاض سياسي واقتصادي وبيئي، ولمرحلة انتقالية تشبه حالة القطيعة مع الماضي، وبداية البحث عن أجوبة لأسئلة جديدة.
وتتجلى صعوبة الظرفية الراهنة في أحداث مهمة قلبت توازنات أقوى الدول العالمية، من أزمة "الإقفال الحكومي" الأطول في تاريخ أمريكا، عقب رفض ترامب التوقيع على الميزانية الفيدرالية ما لم تُخصص أموال كافية لبناء الجدار الحدودي مع المكسيك، مرورا برفض البرلمان البريطاني المصادقة على خطة تيريزا ماي لمغادرة الاتحاد الأوروبي (البريكسيت)، إلى أزمة السترات الصفراء الفرنسية، التي دفعت ماكرون إلى فتح حوار وطني كبير لتجاوز الأزمة الداخلية العاصفة، وصولا الى ركود الاقتصاد الصيني، والتحضير للانتخابات في الهند وغيرها…
ورغم صعوبة السياق الدولي، فقد انعقد ملتقى دافوس 2019، بحضور حوالي 3000 مشارك من 100 دولة. كما عرف حضور وجوه جديدة كالرئيس البرازيلي الجديد بُولسُونارُو، وأخرى أصبحت معتادة مثل رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، ورئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز، وأمير موناكو، بالإضافة إلى المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، التي حظيت باستقبال كبير، وبتغطية إعلامية مهمة تعبيرا عن قيمة ميركل السياسية، وبالنظر إلى قوة ألمانيا اقتصاديا وسياسيا، بخلاف بعض القادة الذين حضروا في قاعة شبه فارغة.
وفي كلمتها خلال منتدى دافوس، انتقدت ميركل صعود التيارات الشعبوية، ودافعت عن هندسة العولمة والنظام متعدد الأقطاب. كما تحدثت عن علاقة بلادها بأمريكا والصين، وعن غاز روسيا، وعن إفريقيا التي سيصل عدد سكانها إلى مليارين بحلول سنة 2050، وعن حلف الناتو وانتخابات ماي 2019، وعن جي 20، وكذا السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي.
من جهة أخرى، عرفت ممرات قاعة الاجتماعات بدافوس العديد من اللقاءات الثنائية، كان من أبرزها لقاء ميركل بكُونتي رئيس الحكومة الإيطالية، حيث تبادل الطرفان الحديث عن الهجرة والموانئ المغلقة، والمشاركة في "عمليات صوفيا"، والتحالفات الحزبية في أفق انتخابات ماي 2019.
أنجيلا ميركل وإن كانت تمثل تيارا أوروبيا وحدويا، فإن تدخل مايك بومبيو، وزير الخارجية الأمريكي، عبر فيديو مسجل، تموقع في الضفة المقابلة لميركل عندما تحدث عن رياح جديدة تهب على العالم، وتطرح أسئلة لم تطرح من قبل، مشيدا في الوقت نفسه بتجارب البرازيل وحركة "خمسة نجوم" وكذا "البريكسيت" ببريطانيا، معتبرا إياها إشارات لقطيعة إيجابية.
وتشاء الصدف أن يتزامن افتتاح منتدى دافوس يوم 22 يناير مع توقيع ماكرون وميركل "اتفاقية أكْويسغْرانا"، التي تتضمن تعاونا وتكاملا اقتصاديا وعسكريا ودبلوماسيا بين فرنسا وألمانيا، وهي اتفاق تكميلي ل"اتفاقية الإليزيه" ليوم 22 يناير 1963.
ولم يكن اختيار مكان التوقيع على "اتفاقية أكويسغرانا " محض صدفة، فمنطقة أكويسغرانا أولا هي منطقة حدودية بين أكثر من دولة أوروبية (ألمانيا، فرنسا، بلجيكا وهولندا)، مما يفسح المجال لانضمامها مستقبلا لهذه الاتفاقية؛ وثانيا، فالمنطقة هي مكان لحدث تاريخي، حيث تم فيها تعيين شارلمان أو شارل الثالث إمبراطورا للإمبراطورية الرومانية المقدسة، بمباركة بابا الفاتيكان ليو الثالث، وكانت العاصمة هي آخن وليست روما الإيطالية.
هذا التعاون بين ألمانيا وفرنسا ستسعى من خلاله باريس إلى طلب مقعد دائم في مجلس الأمن الدولي لألمانيا، وهو ما يعارضه ضمنيا الإيطالي كونتي، الذي يرى بأن المقعد الدائم في مجلس الأمن الدولي يجب أن يكون من نصيب الاتحاد الأوروبي وليس برلين وحدها.
ولعل ما يدفع إلى التأمل في هذه الاتفاقية بشكل دقيق هو عزم بريطانيا، بعد التصويت على "البريكسيت"، الاعتماد على محور دول الكومونويلث والولايات المتحدة، وبالتالي فقدان الاتحاد الأوروبي دولة لها مقعد دائم بمجلس الأمن الدولي، وبقاء فرنسا ممثلة وحيدة لأوروبا في مجلس الأمن.
وقد لمح العديد من المراقبين إلى أن "اتفاقية أكْويسغرانا" الجديدة ستكون إما مقبرة للاتحاد الأوروبي أو ستخلق اتحادا بسرعتيْن مختلفتيْن، خاصة إذا عرفنا أن الاقتصادين الفرنسي والألماني يشكلان 50 بالمائة من ناتج منطقة الاتحاد الأوروبي، كما أن ألمانيا هي أول شريك تجاري لفرنسا، وثاني أكبر مستثمر أجنبي في فرنسا بحوالي 4000 مقاولة، وتوفر أكثر من 300 ألف منصب شغل، برقم معاملات يصل إلى 140 مليار يورو؛ في حين أن فرنسا هي ثاني شريك تجاري لألمانيا بعد أمريكا. كما توجد حوالي 2700 مقاولة فرنسية بألمانيا، وتخلق أكثر من 360 ألف منصب شغل.
أما على المستوى التنسيق السياسي، فإن ميركل وماكرون عبرا في أكثر من مناسبة عن تمسكهما بنظام الاتحاد الأوروبي وسياسة التضامن والتعاون الاقتصادي، مما يجعلهما في مواجهة تيار اليمين المتطرف وكذا تيار الشعبوية والحمائية الوطنية.
وإذا كانت أشغال منتدى دافوس قد طبعتها الانقسامات السياسية والحرب التجارية والاختلاف في تدبير مشاكل التغير المناخي والعولمة والشعبوية، فهل "اتفاقية أكويسغرانا"، الموقعة بين ألمانيا وفرنسا في يوم افتتاح منتدى دافوس، تعني، مثلا، التوقف عن توسيع رقعة الاتحاد الأوروبي؟ وهل يمكن اعتبارها طريقة للالتفاف على مطالب تغيير اتفاقيات الاتحاد الأوروبي كماستريخت ودبلن؟ وهل هي إجراء احتياطي قبل انتخابات ماي 2019 واحتمال وصول اليمين المتطرف والتيار الشعبوي إلى مؤسسات الاتحاد الأوروبي؟ وهل ستكون هذه الاتفاقية السقف الآمن في حالة انهيار الاتحاد الأوروبي؟ وهل تم دفن الاتحاد الأوروبي يوم توقيع الاتفاقية في مكان ميلاد الإمبراطورية الرومانية المقدسة؟
لا يتعلق الأمر هنا بقراءة فنجان العلاقات الدولية، وإنما هي مجرد تساؤلات كتمرين فكري يسائل المعطيات السياسية على ضوء الوقائع التاريخية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.