شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    الدورة الثانية للمعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب 2024.. مشاركة 340 عارضا وتوافد أزيد من 101 ألف زائر    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    مقتل تسعة أشخاص في حادث تحطّم طائرة جنوب البرازيل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    جثمان محمد الخلفي يوارى الثرى بالبيضاء    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    ملتقى النحت والخزف في نسخة أولى بالدار البيضاء    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    اتهامات "بالتحرش باللاعبات".. صن داونز يعلن بدء التحقيق مع مدربه    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    "وزيعة نقابية" في امتحانات الصحة تجر وزير الصحة للمساءلة    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    تبييض الأموال في مشاريع عقارية جامدة يستنفر الهيئة الوطنية للمعلومات المالية    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    الأمن في طنجة يواجه خروقات الدراجات النارية بحملات صارمة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سلامة كيلة: الماركسية راهنة .. والرأسمالية لا تحقق الديمقراطية
نشر في هسبريس يوم 27 - 01 - 2019

جرى هذا الحوار مع المفكر الفلسطيني سلامة كيلة (4 يوليوز 1955 - 2 أكتوبر 2018) قبل عشر سنوات على هامش زيارته للمغرب للمساهمة في ندوة دولية، لكن ظروف قاهرة حالت دون نشره آنذاك، حيث تطرقنا فيه إلى قضايا متعددة يجدها قارئ هسبريس في صلب الحوار.
الجزء (1)
في البداية، لو تعرِّفون القارئ بمساركم، فمن هو سلامة كيلة؟
سلامة كيلة من مواليد فلسطين، عشت هناك إلى أن أصبح عمري 18 سنة، ومن ثمة لم أعد أستطيع العودة إلى فلسطين لأني كنت أعمل مع المقاومة الفلسطينية. درست العلوم السياسية في جامعة بغداد، ونشطت في المقاومة الفلسطينية وعلى ضوء الخلافات التي حدثت بعد تبني البرنامج المرحلي 1974، وأيضا الشعور أن الميل الفلسطيني يتزايد ويحاصر القضية الفلسطينية، بهدف قطعها عن إطارها العربي العام، ساهمت في تأسيس تنظيم باسم حركة التحرير الشعبية العربية كان أمينه العام ناجي علوش وكان يعتبر تنظيما ماركسيا يعمل في الإطار العربي. لكن الخلافات داخل هذا التنظيم جعلتني أخرج منه في 1986.
منذ ذلك الوقت، وأنا أمارس السياسة بشكل مستقل، أي دون حزب سياسي. اهتممت منذ البداية بفهم الماركسية وقرأت الكتب الأساسية فيها، وحاولت من خلالها فهم الواقع العربي، وتحديد السياقات التي يمكن أن يتطور فيها، ووجدت الحركة السياسية العربية تعاني من تخلف شديد في الوعي، نتيجة الاهتمام الزائد بالسياسي المباشر دون فهم بعمق المشكلات العامة، حيث هناك ميل لخلق تناقض بين المثقف والسياسي، كون السياسي، حسبها، هو الذي يعرف ويستطيع أن يمارس السياسة، وان المثقف هو شخص مزاجي متردد، غير قادر على الانضباط في أفق عملي وتنظيمي، وأعتقد أن هذا هو السبب الذي جعل التنظيمات السياسية، عموما، والماركسية خصوصا، فقيرة نظريا وعاجزة عن فهم الواقع.
لهذا حاولت أن أقدم رؤاي الفكرية والسياسية، فنشرت عددا من الكتب، صدر الكتاب الأول منها في سنة 1983 وكان يتناول بالأساس فكرة التنظيم، حيث لفت انتباهي الشكل الاستبدادي القمعي للتنظيم الذي كان ينفي الحوار والتفاعل، فحاولت معالجة هذه المسألة، أولا، بمحاولة فهم الأسباب التي أدت إلى هذا الشكل الاستبدادي، وثانيا، كيف يمكن تجاوزه. ولقد صدر لي كتابان حول الموضوع هما الثورة الاشتراكية والتنظيم عام 1986، ونقد التجربة التنظيمية عام 1988. واهتممت أيضا، بالمسألة القومية العربية التي كانت مجال خلاف في إطار الماركسيين العرب عموما، وكانت تعتبر قضية الأحزاب القومية فقط وقضية البورجوازية فقط، وأن الأحزاب الشيوعية لا يجب أن تتطرق لهذه المسألة لأنها أحزاب أممية. وكان هذا الخطأ يؤدي إلى انعزال الأحزاب الماركسية وتهميشها وعجزها عن التعبير عن حركة الواقع.
حاولت فهم مسألة الأمة كما طرحت في الماركسية وهو الفهم الذي تعمم منذ صدور كراس ستالين "الماركسية والمسألة القومية". وبعد ذلك أصدرت عديدا من الكتب بلغت إلى الآن (حين إجراء الحوار) عشرين كتابا، تناولت قضايا الماركسية، وقضية الواقع العربي بأبعاده المختلفة، بعضها يتناول التاريخ العربي مثل كتاب "مقدمة في ملكية الأرض في الإسلام". والآن سيصدر لي كتاب عن الإسلام، سميته الإسلام في سياقه التاريخي، وبما أن انهيار الاتحاد السوفياتي كان مدخلا واسعا لارتداد الماركسيين، اهتممت، طبعا، بمناقشة الأفكار التي بدأت تروج للرأسمالية، وتنتقد التجربة الاشتراكية، رغم أنها كانت تتهمني بالتحريفية حين كنت سابقا انتقد التجربة الاشتراكية.
أصدرت قبل سنوات كتابا عنونته بنقد التجربة التنظيمية العربية، ما السياقات التي دعتك إلى تأليفه؟ واذا كنتم ترمون من ورائه؟
كما أشرت، كنت قبل ذلك أصدرت كتاب نقد الحزب الذي يتناول التجربة التنظيمية الماركسية بمعناها العام، بمعنى التجربة الماركسية في العالم وذلك عبر متابعتي لطبيعة الأحزاب الشيوعية في الاتحاد السوفياتي وفي أوروبا الشرقية، والأحزاب العربية أيضا. وبعد ذلك شعرت أن هناك ضرورة للتركيز على نقد التجربة الحزبية العربية، وخصوصا الشيوعية منها، وهذا ما دعاني إلى محاولة الأشكال العميق الذي يحكم هذه الأحزاب، والتي جعلت الأمين العام يسيطر على الحزب، فتحول باقي الأعضاء إلى منفذين، وكما أسميتهم رعايا ليس لهم حقوق المواطنة أي ليس لهم حق إبداء الرأي، وحق النقد والمشاركة في اتخاذ القرار، ونقاش السياسات العامة، فحاولت أن أبرز الجانب المنهجي في هذا الموضوع، أي العقلية التي كانت سائدة في إطار الحركة الشيوعية العربية، التي هي عقلية سابقة لنشوء الفكر الحديث، أي الفكر قبل الماركسي والذي كان يمثل وعينا التقليدي السائد، حيث بدا وكأن هذه الأحزاب تكرر آليات البنى التقليدية.
منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، أصبحت الماركسية موضوع مساءلة، أكثر من أي وقت مضى، ما مدى شرعية هذه الدعوى، وهل ما زال المشروع الاشتراكي راهنا، وكيف يمكن لإسهامات ماركسيي القرن العشرين أن تسهم في التجديد الفكري لهذا المشروع؟
أعتقد أنه يجب التسجيل أن الماركسية دائما محل مساءلة، لأنها نظرية نقدية بالأساس، وبالتالي هناك دائما حاجة لبنائها وإعادة نقدها، وإعادة صياغة تصوراتها. لكن انهيار النظم الاشتراكية، جعل قطاعات من الماركسيين الذين كانوا يتعلقون بالاتحاد السوفياتي، دون فهم الماركسية ودون فهم كنهها، يغادرون السفينة لأنهم اعتبروا أن الاشتراكية انتهت، وبالتاي مالوا إلى أن يصبحوا ليبراليين، مدافعين عن الرأسمالية باعتبارها الشكل الحتمي، الآن على الأقل، إن لم نقل شكلا نهائيا.
إن الماركسية هي بالأساس منهج في التحليل وطريقة في التفكير، وإذا رجعنا للتطور المعرفي أن في التاريخ ساد منهج، أو منطق تحليلي واحد هو منطق أرسطو، حيث حكم معظم التاريخ الماضي، وحين نشأت البورجوازية حاولت أن تفككه وتؤسس منهجية أخرى، بدأت بتكريس العقلانية والأشكال والروح التعددية. ولقد بدأت هذه الطريقة تتبلور مع هيغل حين لخص منطق الجدل في ما سماه المنطق الجدلي. وكان لماركس الدور الحاسم في تحويل هذا الجدل إلى منهجية أساسية، قادرة على فهم هذا الواقع، لأنها ترى سيرورة هذا الواقع وعمقه، وترى ممكناته وأفاقه.
من هذا المنطلق للماركسية دور أساسي في فهم الواقع، وهي النظرية الوحيدة القادرة على فهم التحولات العالمية التي جرت سواء بعد انهيار الاشتراكية أو تطور الرأسمالية القائمة. لهذا أعتقد أن الماركسية كانت وما زالت راهنة، وستبقى لأمد طويل راهنة لأنها المنهجية الأقدر على فهم تحولات الواقع.
إن الماركسية تخضع دائما للمراجعة، لكن ليس بالمعنى الساجد لكلمة مراجعة، بل بمعنى أنها ما دامت منفتحة على وعي الواقع، فهي بحاجة دائما إلى إعادة إنتاج لتستوعب الواقع، وتستوعب كل التحولات والتطورات. ولكن المشكل الذي جرى بعد انهيار المنظومة الاشتراكية، وحتى الحديث عن تجديد الماركسية الذي جرى بعد ذلك، كان ينطلق من عقلية هي بالأساس ليست ماركسية، بمعنى أن "الوعي الماركسي" الذي كان سائدا، والذي كان يتجاهل جوهر الماركسية الذي هو منهجيتها، هو الذي حاول أن يراجع وأن يجدد. لذلك أصبحت الماركسية خيارات سياسية، أكثر منها خيارات فكرية عميقة بمعنى لم تعد هدف الاشتراكية، الذي كان يبدو أن الشيوعيين هم الذين يطرحونه، بينما جرى التأكيد على الأساس هو أن ندعم التطور الرأسمالي. هذا منطق شكلي في اعتقادي، لأنه لا يتناول مشكل الواقع في ذاته، بل يناقش خيارات ذهنية بسيطة، تقوم على الدوران بين حدين: اشتراكية/رأسمالية.
وكما كان سابقا يطرح الاشتراكية في مواجهة الرأسمالية، الآن يطرح العكس الرأسمالية تواجه الاشتراكية، وبالتالي المنطق الصوري هو الذي يحكم كل النقاشات، ولم يعد هناك مقدرة في الوعي الماركسي للانتقال إلى الوعي المادي الجدلي الذي هو وحده يستطيع أن يطرح تجديدا حقيقيا للماركسية وبالتالي أن تجري المراجعة وفق منهجية متماسكة تراكم في تطور الفكر، وتصل إلى نتائج ربما تؤكد الأفكار التي كانت سائدة سابقا، وربما تقود إلى تجاوز الأفكار التي كانت مطروحة سابقا عند الماركسيين.
من هذا المنطلق يمكن أن نتلمس إسهامات لينين، ماو، غرامشي أو لوكاش وحتى كل الماركسيين الذين أنتجوا الفكر قبل سنين، لأني أعتقد أن الماركسية ليست فقط هي ماركس، انجلز، لينين، أو تروتسكي. الماركسية بالأساس هي مصدر تفكير...وكل هؤلاء استطاعوا أن يقدموا مادة غنية لتطوير الماركسية، والوصول إلى نتائج أكثر علمية وأكثر دقة...
لهذا أعتقد أن هناك ضرورة قراءة هؤلاء بتمعن، ومعرفة ما أضافوا إلى الماركسية، ووعي الخلافات التي كانت قائمة من أجل دراسة مسألة بلورة رؤى جديدة والاستفادة من هذه الخلافات.
في سياق هذه المراجعات، تطرح الليبرالية العربية نفسها بديلا عن المشاريع القومية والاشتراكية والإسلامية، مستندة في ذلك إلى فشل المشروع القومي، وغياب الديمقراطية في المشروع الاشتراكي، وسلفية المشروع الإسلامي، فهل يمكن في نظركم لهذا المشروع أن يكون بديلا؟
قبل أن نصل إلى نتيجة هل هو بديل أو ليس بديلا، أود أن أشير إلى أن المشروع الليبرالي يطرح في سياقين:
سياق سياسي بمعنى التركيز على العلمانية والديمقراطية والتحديث وفصل السلط.
سياق اقتصادي يتعلق بالآليات والعلاقات الاقتصادية التي يجب أن تسود، والتي تطرح في إطار علاقات الملكية الخاصة والرأسمالية. طبعا، كان انهيار النظم الاشتراكية مدخلا لإعادة طرح جملة أفكار كانت الماركسية قد تجاوزتها، وبعض الاتجاهات الماركسية قد تجاوزتها، بمعنى أن طرح مسألة ضرورة التطور الراسمالي، كما تطرحه الليبرالية، أو حتى بشكل أفضل مما تطرحه الليبرالية الآن. لقد كانت الأحزاب الشيوعية العربية ترى وفق منظورها أنه يجب دعم تطور البورجوازية، ولم تكن تطرح تحقيق الاشتراكية، فقط حين استولت فئات وسطى على السلطة في الشرق العربي خصوصا والوطن العربي عموما، وطرحت تطبيق الاشتراكية، التحقت هذه الأحزاب بها، وبدأت تروج أن الاشتراكية في طور التحقق، وكان ذلك خطأ منهجيا كبيرا، لأن هذه الفئات لم تكن تحقق الاشتراكية ولكنها كانت تحقق نوعا من التطور الاقتصادي الاجتماعي، وبالتالي كان وهم الحركة الشيوعية القديمة التي كانت تعتقد بحتمية المرور بالرأسمالية.
هذا الوهم قاد إلى الوهم المعاكس هو أنها تحقق الاشتراكية رغم أن هذه الحركات القومية كانت تحقق التطور الرأسمالي. ما أريد أن أقوله هو أن الليبراليين حينما يعودون إلى طرح التطور الرأسمالي يكررون ما كانت تطرحه الأحزاب الشيوعية السابقة، والشيوعيون الذين أصبحوا ليبراليين يكررون أيضا ما كانوا يطرحون سابقا ولم يطرحوا جديدا.
أما على المستوى السياسي، فبدا أن المشكلة الأساسية في المنطقة العربية هي في النظام السياسي، بمعنى أن المشكلة نتجت عن حكم النظم القومية وهي نظم استبدادية ألغت فعالية المجتمع السياسي، عبر الهيمنة على كل مفاصله. هذا الوضع كان في أساس الوصول إلى نتيجة تقول إن الهدف الجوهري هو تحقيق الديمقراطية والنظام الديمقراطي والحريات والعلمنة. هذا الطرح يفتقد إلى فهم عميق للواقع، لأن الديمقراطية ليست مفصولة عن الخيارات الاقتصادية، وليست مفصولة عن طبيعة صراع الطبقات في المجتمع، وبالتالي كانت تطرح مشروعا وهميا لأن لا إمكانية لتحقيق الديمقراطية في إطار وجود تمايز طبقي واسع وتناقضات طبقية، وأيضا وجود تخلف ثقافي عام، وعدم انغراس الحداثة في المجتمع، طبعا هذا لا يعني أن ننتظر إلى أن يتحقق كل ذلك.
فمسألة الديمقراطية والنظام السياسي مرتبطة بالخيارات الاقتصادية. والخيار الراسمالي حتما لا يستطيع أن يحقق الديمقراطية لأنه خيار يقوم على النهب وإفقار الطبقات الشعبية، وبذلك يدفع إلى صراعات لا تستوعبها البنية الديمقراطية القائمة، فالنظم التي تسير في هذا الاتجاه لا تسمح لا بديمقراطية حقيقية تعبر عن أوسع الناس. ومشكلة التيار الليبرالي الذي ساد أنه كان يطرح المسألة في إطار الاندماج في العولمة، مما يتعارض مع المشاعر القومية، وهو لا يسمح بتحقق التطور الاجتماعي الضروري في ظل هياكل حديثة. ثانيا لا يستطيع أن يحقق الديمقراطية لأن المشروع الامبريالي لا يريد الديمقراطية، وما يجري في العراق يوضح ذلك، فرغم وجود شكل من أشكال الانتخابات، هناك مجتمع يتفكك وصراعات طائفية تتبلور، وهناك تقسيم سلطة على أساس طائفي، وهو ما يتناقض مع الديمقراطية، وبالتالي هو خيار خطير لأنه يروج لأفكار العولمة وأفكار الشركات الاحتكارية الامبريالية، رغم أني أعتبر الدعوة للديمقراطية في كليتها والدعوة لنظم ديمقراطية مسألة جوهرية، بمعنى أنها تبدأ بحق المواطنة والحريات العامة وتكون الانتخابات عنصرا أساسيا فيها
توصل سمير أمين منذ بداية الستينيات إلى خطأ خيار لينين ماو، وهو ما قاده إلى إطلاق تعبير ما بعد الرأسمالية، مما يعني ذلك من نتائج على مستوى التحليل: التحالف الوطني الشعبي، ما مدى قدرة هذه الأطروحة عن الإجابة عن إشكالات العالم العربي؟
فكرة سمير أمين تحتاج إلى تدقيق ومناقشة، لأن ما نطرحه الآن من تجاوز الرأسمالية، في اعتقادي، لا يتناقض مع خيار لينين ماو، ولكن السؤال كيف يمكن أن نفهم خيار لينين ماو، ونسأل ماذا كان خيار لينين ماو، هذه هي المسألة الأساسية، لأن الفكرة الأساسية التي بدأت تتبلور مع لينين وترسخت أكثر مع ماو، والتي ربما تحتاج إلى حوار أعمق، كانت تنطلق من مسألة جوهرية هي أن هناك ضرورة لتحديث المجتمعات وتطويرها بعدما أصبحت الرأسمالية نظاما اجتماعيا قائما، وبالتالي لم يعد من الممكن استمرار المجتمعات الفلاحية المتخلفة، هذه العملية في الانتقال من مجتمعات فلاحية متخلفة إلى مجتمعات مدنية حديثة والتي تحققت في أوروبا عبر دور الرأسمالية التدريجي والعفوي في مرحلة أولى، وعبر الدولة في مرحلة أخرى في بريطانيا وألمانيا، بدت مستحيلة في البلدان الأخرى، نتيجة تحول النمط الرأسمالي إلى نمط عالمي، بمعنى أن الرأسمالية مند نهاية القرن التاسع عشر، عندما تبلورت كنمط اقتصادي اجتماعي عالمي والذي حاول لينين أن يحدد سماته في ما بعد، في كتابه الامبريالية أعلى مراحل الرأسمالية هذا النمط أصبح يعيق نشوء بورجوازية في الأطراف أساسا، لأن هيمنته العالمية كانت تجعل التراكم الرأسمالي، الذي يتحقق، في يد كبار الملاك ولا يذهب للتوظيف في الصناعة، حيث احتكار الرأسمالية للأسواق كان يجعل المنافسة غير متكافئة، فقد كانت مسافة قرن من الزمن بين بداية تطور الراسمالية في أوروبا وتطور التقنية فيها وبين محاولات الرأسمالية الأخرى لتحقيق التطور.
هذه المسافة التي كانت تتمثل في تبلور شركات حديثة واضحة المعالم تتوفر على تقنية حديثة كانت السلع في اوروبا، أولا أجود تقنيا وأكثر قدرة على المنافسة، بالإضافة إلى وجود الاستعمار الذي يفرض قوانين تمنع الميل لتحويل الرأسمال المتراكم عبر الزراعة إلى راسمال صناعي، كما وقع مع بنك مصر في ثلاثينيات القرن الماضي، وهذا الوضع كان يجعل الراسمال المتراكم يذهب للنشاط في قطاع التجارة والخدمات وبالتالي لم يؤسس لبورجوازية معنية بنشوء الصناعة هذه المعادلة هي التي حاول لينين مواجهتها في ذلك الوقت، كيف يجب أن تحقق الجهات الديمقراطية وتطوير الصناعة وحل المسألة القومية، وتحقيق الحداثة على الصعيد المجتمعي، في وضع لم تعد البورجوازية معنية بهذا المشروع وتوصل إلى نتيجة أن الطبقة العاملة بتحالف مع الفلاحين هي التي يجب أن تحقق هذه المهمات، وهنا يختلف مع ماركس ومع الرؤية الماركسية التي كانت سائدة والتي كانت تعتقد أن هدف الطبقة العاملة هو الانقلاب على البورجوازية وتحقيق الاشتراكية.
هنا يطرح لينين مهمات ديمقراطية على الطبقة العاملة هذا الخيار باعتقادي، هو الخيار الذي اعتمده في ما بعد ماو بالاعتماد أكثر على الفلاحين، هو الخيار الذي بدا في القرن العشرين أنه استطاع أن يحقق التنمية والحداثة، وتبدو الآن نتائجه في روسيا والصين، رغم أنه كان يطرح في إطار أو تحت شعار الاشتراكية، إننا إدا راجعنا التجربة التي جرت سنلمس أن هذا هو الخيار الوحيد الذي نقل المجتمعات المتخلفة في هذه البلدان من مجتمعات زراعية متخلفة إلى مجتمعات مدنية حديثة، أي إلى مجتمعات صناعية تبلور فيها مفهوم المواطنة، ولهذا نزعت أصلا لتحقيق الديمقراطية بعد اكتمال التطور الاقتصادي الاجتماعي وهو الذي أدى إلى انهيار الاشتراكية نفسها، من هذا المنطلق أعتقد أن خيار لينين ماو ما زال صائبا، ولكن في ظروف جديدة يجب أن نلمسها بدقة، ونعيد صياغته وفق هذا الظروف.
ومن هذا المنطلق كان طرح سمير أمين لمقولة تجاوز الرأسمالية مفيدا في خدمة هذه الفكرة، وليس العكس، بمعنى أن هذا الطرح يوضح لنا تحقق التطور الاقتصادي الاجتماعي حتما ضد الرأسمالية، وبالتالي يقطع مع أوهام أن التطور أو الالتحاق، كما يطرح، سيطرح في إطار الرأسمالية، وهي الأوهام التي كانت سائدة عند قطاع واسع من الشيوعيين الماركسيين في بلادنا تحديدا، وهي الفكرة التي أدت بالأساس إلى فشل الأحزاب الشيوعية العربية في أن تلعب دورا في التغيير كما حدث في الصين والهند الصينية وكثيرا من بلدان العالم وبالتالي أعتقد أننا نستطيع أن نصوغ هده الفكرة بطريقة جديدة، ما هو البديل الذي يطرح في هذا السياق؟ هل نسميه كما كنا نسميه في السبعينيات الثورة الوطنية الشعبية؟ أو الاشتراكية؟ هذا الموضوع بحاجة إلى نقاش، وممكن أن نتوصل إلى صيغة، ولكن الجوهر هو أن هناك ديمقراطية بالأساس، وفي الوطن العربي واضحة هذه المهمات: بناء الصناعة وتطوير الزراعة، وحدة الأمة العربية، مسألة الأقليات والحل الذي يطرح لها، كما في العراق أو ربما في المنطقة العربية، أو مسألة الحداثة التي تنقل مجتمعات تعيش وعيا قروسطيا إلى مجتمعات مدنية حديثة، وبالتالي تجاوز إعادة إنتاج الوعي التقليدي، كما نلاحظ الآن في إنتاج الوعي الأصولي.
إنها مهمات ما زالت راهنة، ولا نستطيع أن نقول أننا نستطيع أن ننتقل إلى الاشتراكية دون تحقيقها، والسؤال الاساسي، من يحقق هذه المهمات؟ لقد حاولت البورجوازية او الفئات الوسطى أن تحقق بعضها عبر الأحزاب القومية وعبر الانقلابات العسكرية، ولكن تبين بوضوح أن الطبقات الوسطى عاجزة عن إكمال ما يمكن أن تكون بدأته من هده المهمات ليس هناك من خيار ما دامت البورجوازية غير موجودة أصلا، وغير معنية بهذا الخيار، والبورجوازية الصغيرة تطرح تحقيقه ولكن بمجرد انتصارها الجزئي تدمر كل المشروع لأنها تميل إلى الكسب الشخصي أكثر من تحقيق ما هو عام للهدف المجتمعي.
يتبع ..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.