يمر على هذا العام قرن من الزمان على وضع حجر الأساس لواحدة من الحركات الفنية البارزة في العالم، وذلك في موقع أسس فيه المهندس المعماري الألماني وولتر جروبيوس مدرسة للتصميم العمراني الحديث، تتسم بالثورية تحت اسم "باوهاوس"، بمدينة فيمار، وسط ألمانيا. وكان هدف المعماري جروبيوس، كما أعلنه في عام 1919 يتمثل في "إقامة رابطة جديدة للحرفيين بدون أن يكون فيها تمييز طبقي يؤدي إلى خلق حواجز من العجرفة بين الحرفيين والفنانين". ويتركز محور مبدأ مدرسة "باوهاوس" على أن "الشكل يتبع الوظيفة"، وأحد مفاهيم هذا المبدأ هو أنه حتى الأشياء المألوفة التي تستخدم في الحياة اليومية يجب أن يكون لها معلما جماليا. وساعد المزج بين الفن وحرفيات البناء على إعادة تشكيل الأشياء المألوفة في الحياة اليومية الحديثة، وبينها القطع الفنية الكلاسيكية بمدرسة "باوهاوس"، مثل مصباح الطاولة من تصميم فيلهلم واجنفيلد ومقعد واسيلي وبراد الشاي من تصميم النحاتة الألمانية ماريان برانت والمقعد الهزاز. ومن المقرر أن تحتفل ألمانيا خلال عام 2019 بالذكرى المئوية لتأسيس مدرسة "باوهاوس" لفنون المعمار والتصميم، وستتضمن الاحتفالية إقامة أكثر من 500 معرض وفعالية في أنحاء المدن الألمانية، وستقام كلها تحت شعار "فلنعيد التفكير في العالم". وتقول أنايماري جايجي التي ترأس أرشيف "باوهاوس" في برلين: "بالنسبة لنا تمثل هذه الذكرى محفلا لنقل فنون باوهاوس وأفكارها باعتبارها تتماشى مع القرن الواحد والعشرين". كما ستلقي فعاليات الاحتفالية المئوية الضوء على كيف عكس تطور هذه الحركة الفنية تاريخ ألمانيا الحافل بالاضطرابات. وتشكلت حركة "باوهاوس" الفنية في الأيام المشوبة بالفوضى التي أعقبت انتهاء الحرب العالمية الأولى، ودخلت الحركة فترة العشرينيات من القرن الماضي لتأسر بشكل سريع روح العصر وقتذاك، وكذلك الاتجاهات المجتمعية الجديدة التي بزغت في ألمانيا خلال الفترة بين الحربين العالميتين، وانتشر تأثير المدرسة وامتد إلى فنون الرقص والمسرح والموسيقى والفنون التشكيلية. وحينذاك حولت أيضا مدرسة "باوهاوس" جمهورية فيمار إلى مركز طليعي للفنون، حيث حصل كبار الفنانين بالقرن العشرين مثل ليونيل فينينجر وبول كلي وواسيلي كاندينسكي ولاشلو موهولي ناجي وأوسكار شيلمر، على مناصب للتدريس بالمدرسة إلى جانب ورش التصميم التي أقامها جروبيوس. غير أنه بعد مرور ستة أعوام على تأسيسها اضطرت المدرسة إلى جمع محتوياتها والانتقال إلى بلدة ديساو المجاورة، وسط ضغوط من جانب الحكومة المحلية بقيادة التيار اليميني الجديد، وهي الحكومة التي وصفت الحركة بأنها "ذات توجه دولي"، وزعمت بأن اليهود تسللوا إليها. وثبت أن هذه الخطوة هي مجرد نذير للأحداث التي جاءت بعد ذلك. ومع اتجاه المناخ السياسي في ألمانيا صوب اليمين في الثلاثينيات من القرن الماضي، أجبرت "باوهاوس" حينذاك على الانتقال من ديساو إلى برلين قبل أن يغلق أدولف هتلر أبوابها عام 1933، ووصف النازيون الحركة بأنها تمثل "الفن الهابط". ونتج عن إغلاق "باوهاوس" في ألمانيا انضمام كثيرا من الشخصيات البارزة فيها بما فيهم جروبيوس، إلى حركة نزوح واسعة النطاق للصفوة المثقفة بألمانيا للعيش في المنافي. ومع ذلك اصطحبت هذه الشخصيات معها عند خروجها من ألمانيا مبادئ حركة "باوهاوس" في التصميم، وبالتالي بدأوا في نشرها والبناء عليها في أماكن جديدة في مختلف أنحاء العالم بما في ذلك مدن شيكاغو وتل أبيب وموسكو. ومن بين الفنانين الذين هربوا من أعمال الرعب التي مارسها النظام النازي لودفيج ميس فان دير روهه، والذي برز كشخصية شهيرة من حركة "باوهاوس" واعتبر أستاذا للمعمار الحديث من خلال تصميماته للمنازل والمباني والأثاث، واستقر أخيرا في شيكاغو واعتبرها وطنه الجديد. وحتى أثناء الاستعدادات لاحتفالات هذا العام ظهر جدل سياسي جديد بشأن مدرسة "باوهاوس" في بلدة ديساو، مما هدد بإلقاء ظلاله على الاحتفالات، كما أن هذا الجدل يبدو أنه يعكس الماضي المضطرب لهذه المؤسسة. وقام المسؤولون بمبنى المدرسة ببلدة ديساو – التي أصبحت الآن مدرجة في قوائم اليونسكو لمواقع التراث العالمي وتحولت إلى متحف – بإلغاء حفل موسيقي كان من المقرر إقامته في تشرين أول/أكتوبر الماضي وتحييه فرقة موسيقية يسارية، وسط مخاوف من أن يصبح الحفل مرة أخرى هدفا لمحتجين ينتمون إلى التيار اليميني. وكان أكثر من 120 متظاهرا ينتمون إلى حركة النازية الجديدة قد تظاهروا أمام المبنى التاريخي للمدرسة قبل عام. وأثار هذا الإلغاء انتقادات واسعة النطاق من جانب شخصيات التجمعات الثقافية والفنية بألمانيا، والذين ذكروا أن القرار يعد استسلاما لنشطاء اليمين المتطرف. ويرى الكثيرون أن قرار المتحف بإلغاء الحفل الموسيقي يثير الجدل بسبب الطريقة التي أغلق بها هتلر مدرسة "باوهاوس" في الثلاثينيات من القرن الماضي. كما أنه تم إلغاء الحفل الموسيقي على خلفية ظهور حزب جديد مناهض للأجانب هو "البديل من أجل ألمانيا". وقالت وزيرة الثقافة الألمانية مونيكا جروتريس لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.ا) إن "مدرسة باوهاوس كانت تعالج ليس فقط القضايا الجمالية وإنما أيضا المسائل الاجتماعية والسياسية"، وبذلك أثارت الوزيرة الألمانية مسائل من المرجح أن يتم تداولها خلال فعاليات احتفالات هذا العام بذكرى تأسيس المدرسة. وستتركز الاحتفالات في العاصمة برلين وديساو وفيمار، ومع ذلك تحتفل متاحف في مدن أخرى مثل هامبورج وفرانكفورت بهذه الذكرى. ومن المقرر أن يتم تدشين الاحتفالات رسميا اليوم الأربعاء ببرنامج في أكاديمية برلين للفنون ينتظر أن يحضره الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير. كما سيتم الاحتفال بإقامة معارض "باوهاوس" في عدة دول من بينها روسيا والبرازيل. *د.ب.أ