الكنبوري يستعرض توازنات مدونة الأسرة بين الشريعة ومتطلبات العصر    "وزارة التعليم" تعلن تسوية بعض الوضعيات الإدارية والمالية للموظفين    مسؤول فرنسي رفيع المستوى .. الجزائر صنيعة فرنسا ووجودها منذ قرون غير صحيح    سقوط عشرات القتلى والجرحى جراء حريق في فندق بتركيا    جريمة بيئية في الجديدة .. مجهولون يقطعون 36 شجرة من الصنوبر الحلبي    "حماس": منفذ الطعن "مغربي بطل"    الكاف : المغرب أثبت دائما قدرته على تنظيم بطولات من مستوى عالمي    دوري أبطال أوروبا.. برشلونة يقلب الطاولة على بنفيكا في مباراة مثيرة (5-4)    ماستر المهن القانونية والقضائية بطنجة ينظم دورة تكوينية لتعزيز منهجية البحث العلمي    "سبيس إكس" تطلق 21 قمرا صناعيا إلى الفضاء    الحاجب : تدابير استباقية للتخفيف من آثار موجة البرد (فيديو)    ارتفاع عدد ليالي المبيت السياحي بالصويرة    كأس أمم إفريقيا 2025 .. "الكاف" يؤكد قدرة المغرب على تنظيم بطولات من مستوى عالمي    "البام" يدافع عن حصيلة المنصوري ويدعو إلى تفعيل ميثاق الأغلبية    المغرب يواجه وضعية "غير عادية" لانتشار داء الحصبة "بوحمرون"    تركيا.. ارتفاع حصيلة ضحايا حريق منتجع للتزلج إلى 76 قتيلا وعشرات الجرحى    التحضير لعملية "الحريك" يُطيح ب3 أشخاص في يد أمن الحسيمة    لمواجهة آثار موجات البرد.. عامل الحسيمة يترأس اجتماعًا للجنة اليقظة    الحكومة: سعر السردين لا ينبغي أن يتجاوز 17 درهما ويجب التصدي لفوضى المضاربات    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الانخفاض    تركيا.. يوم حداد وطني إثر حريق منتجع التزلج الذي أودى بحياة 66 شخصا    وزارة التربية الوطنية تعلن صرف الشطر الثاني من الزيادة في أجور الأساتذة    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    مطالب في مجلس المستشارين بتأجيل مناقشة مشروع قانون الإضراب    اتخاذ إجراءات صارمة لكشف ملابسات جنحة قطع غير قانوني ل 36 شجرة صنوبر حلبي بإقليم الجديدة    توقيع اتفاق لإنجاز ميناء أكادير الجاف    مجلس المنافسة يكشف ربح الشركات في المغرب عن كل لتر تبيعه من الوقود    الدفاع الجديدي ينفصل عن المدرب    اليوبي يؤكد انتقال داء "بوحمرون" إلى وباء    فضيل يصدر أغنيته الجديدة "فاتي" رفقة سكينة كلامور    افتتاح ملحقة للمعهد الوطني للفنون الجميلة بمدينة أكادير    هل بسبب تصريحاته حول الجيش الملكي؟.. تأجيل حفل فرقة "هوبا هوبا سبيريت" لأجل غير مسمى    أنشيلوتي ينفي خبر مغادرته ريال مدريد في نهاية الموسم    المجلس الحكومي يتدارس مشروع قانون يتعلق بالتنظيم القضائي للمملكة    ندوة بالدارالبيضاء حول الإرث العلمي والفكر الإصلاحي للعلامة المؤرخ محمد ابن الموقت المراكشي    المبادلات التجارية بين المغرب والبرازيل تبلغ 2,77 مليار دولار في 2024    الغازوال والبنزين.. انخفاض رقم المعاملات إلى 20,16 مليار درهم في الربع الثالث من 2024    مطالب برلمانية بتقييم حصيلة برنامج التخفيف من آثار الجفاف الذي كلف 20 مليار درهم    تشيكيا تستقبل رماد الكاتب الشهير الراحل "ميلان كونديرا"    انفجار في ميناء برشلونة يسفر عن وفاة وإصابة خطيرة    المؤتمر الوطني للنقابة المغربية لمهنيي الفنون الدرامية: "خصوصية المهن الفنية أساس لهيكلة قطاعية عادلة"    في حلقة جديدة من برنامج "مدارات" بالاذاعة الوطنية : نظرات في الإبداع الشعري للأديب الراحل الدكتور عباس الجراري    إيلون ماسك يثير جدلا واسعا بتأدية "تحية هتلر" في حفل تنصيب ترامب    ترامب يوقع أمرا ينص على انسحاب الولايات المتحدة من منظمة الصحة العالمية    ترامب: "لست واثقا" من إمكانية صمود اتفاق وقف إطلاق النار في غزة    المغرب يدعو إلى احترام اتفاق وقف إطلاق النار في غزة    الإفراط في اللحوم الحمراء يزيد احتمال الإصابة بالخرف    وفاة الرايس الحسن بلمودن مايسترو "الرباب" الأمازيغي    دوري أبطال أوروبا.. مواجهات نارية تقترب من الحسم    ياسين بونو يتوج بجائزة أفضل تصد في الدوري السعودي    علماء يكشفون الصلة بين أمراض اللثة وأعراض الزهايمر    القارة العجوز ديموغرافيا ، هل تنتقل إلى العجز الحضاري مع رئاسة ترامب لأمريكا … ؟    المجلس العلمي المحلي لإقليم الناظور يواصل برامجه التكوينية للحجاج والمعتمرين    دراسة: التمارين الهوائية قد تقلل من خطر الإصابة بالزهايمر    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    الأمازيغية :اللغة الأم….«أسكاس امباركي»    ملفات ساخنة لعام 2025    أخذنا على حين ′′غزة′′!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«الحاج هتلر» والمغاربة.. عندما احتفل المغرب باحتلال الجيش الألماني لباريس
نشر في الأول يوم 21 - 04 - 2016

اليوم 20 أبريل 2016، تحل الذكرى 127 لميلاد الزعيم النازي الألماني أدولف هتلر المولود في 20 أبريل من سنة 1889. بهذه المناسبة نعيد نشر هذا المقال المتميز للكاتب المتميز ادريس الكنبوري، تعميما للفائدة.
هل كان المغاربة يعرفون هتلر في نهاية الثلاثينيات من القرن الماضي؟ كيف كانوا يتصورونه؟ هل كانوا يعتقدون أنه يحمل لحية وأنه اعتنق الإسلام، مثلما راج عن الماريشال ليوطي من قبل وكما حصل للمصريين مع نابليون في نهاية القرن التاسع عشر؟ الأكيد أن هتلر لم يكن يعرف أين يوجد المغرب، وأن الكثير من المغاربة لم يكونوا يعرفون أين توجد ألمانيا. ورغم أن هتلر عرف المغرب فقط من خلال فرنسا، عندما احتلها جيشه في نهاية الثلاثينيات، حين كان يسعى إلى مد نفوذه أو«مجاله الحيوي» إلى المناطق التي كان يحتلها الحلفاء، إلا أنه ذكر المغرب مرة واحدة فقط في خطاباته الكثيرة والمطولة، وذلك في 30 يونيو من عام 1937 عندما قال غاضبا عن بريطانيا التي كانت تتواجد بجبل طارق قريبا من المغرب:»لا يمكن الحفاظ على السلم في الوقت الذي توجد فيه مجموعة دولية غير مسؤولة تواصل إحداث القلاقل. إنني أتأسف كثيرا لكون وزير الخارجية البريطاني لم يشر بأي كلمة حق إلى ما يدور من أقاويل حول المغرب الممزق بسبب هذا النوع من الحروب العالمية». فقد كان هتلر يسعى إلى عقد تحالف مع بريطانيا في تلك السنة لكن بريطانيا رفضت العروض التي قدمها لها، وكان الزعيم النازي يشكو من مضايقة لندن لألمانيا في مناطق نفوذها بأوروبا.
عندما دخلت ألمانيا النازية الحرب العالمية الثانية ضد الحلفاء وضع هتلر نصب عينيه هدفا أساسيا في مناوراته الدولية، وهو كسب البلدان العربية والإسلامية إلى صفه. فقد كانت هناك قضيتان تغريان بمثل هذه السياسة التي نهجها القائد النازي تجاه العالم العربي والإسلامي: القضية الأولى هي احتلال اليهود لفلسطين، إذ كان يرى أن عداءه لليهود وملاحقتهم في جميع البلدان الأوروبية التي احتلها سيجعل العرب يتعاطفون معه بسبب هذا العداء المشترك لليهود، لذا سعى إلى كسب ودهم والتلويح لهم بالتخلص من الاحتلال اليهودي لفلسطين في حال نجح في حروبه مع الغرب. أما القضية الثانية فهي أن جل البلدان العربية كانت تحت الاحتلال الفرنسي والبريطاني، وهما اثنان من البلدان التي يخوض ضدها الحرب، وهذا عامل آخر يجعل العرب يراهنون على الانتصار الألماني للحصول على استقلالهم.
ما إن اشتعل أوار الحرب بين المحور والحلفاء حتى انقسم العرب بين مؤيد للطرف الأول ومناصر للطرف الثاني. ولكي تجتذب ألمانيا أكبر الدعم من العالم العربي قدم هتلر وعودا شفوية للعرب بتأييدهم في العراق وسوريا بوجه خاص، فبدأ الزعماء العرب يتقاطرون على برلين لمقابلة هتلر والمسؤولين الألمان الآخرين، للحصول على تأكيدات أوضح حول تلك الوعود والتعهدات.
كان الحاج أمين الحسيني، مفتي القدس ورئيس اللجنة العربية العليا، أبرز الشخصيات التي راهنت على ألمانيا النازية لاسترداد الحقوق العربية. فقد تمكن من الفرار من القدس والانتقال إلى ألمانيا حيث أقام بضع سنوات. وقابل هتلر في برلين كما قابل موسوليني في روما لإقناعهما بالدفاع عن القضايا العربية، وعلى رأسها قضية فلسطين، واستطاع الحصول على وعود بأنه في حال ربح الحرب فإن البلدان العربية جميعا ستنال حريتها. وقد لعب الحسيني دورا في الترويج لألمانيا في مختلف أنحاء العالم العربي والإسلامي، نظرا لموقعه، كما ساهم بشكل كبير في دفع عدد من العرب للقتال بجانب الألمان، ويقال بأنه تلقى وعدا بإرسال جنود ألمان لقتال اليهود إلى جانب الفلسطينيين.
حزب نازي في تطوان
في الوقت الذي كان هتلر يمد نفوذه في البلدان الأوروبية لتوسيع مجاله الحيوي ويحرز انتصارا تلو الآخر، كانت إسبانيا التي يقودها الجنرال فرانكو تحتل موقعا مهما في الاستراتيجية الألمانية في المتوسط. أراد هتلر أن تكون مدريد رأس الحربة في معركته ضد فرنسا التي تحتل الجزء الأكبر من المغرب، لذلك وفر الدعم العسكري للجنرال في الحرب الأهلية الإسبانية التي استمرت من 1936 إلى 1939، على أساس أن تصبح إسبانيا إلى جانب إيطاليا المحاور الأهم في سياساته الأوروبية العسكرية.
في عام 1937 بدأت إسبانيا تفكر في التخلي عن المغرب بسبب عدم قدرتها على التحكم في الأمور، والتكلفة المالية العالية التي تكلف خزينة الدولة الفقيرة التي خرجت للتو من حرب أهلية طاحنة. هذا الخبر نشرته مجلة «جيرالدتون غواردين آند إكسبرس» البريطانية في 2 يونيو من ذلك العام، لكن ربما كان تلويح فرانكو بالانسحاب مجرد مناورة للحصول على المزيد من الدعم الألماني والتأييد غير المشروط لسياساتها من طرف هتلر. ففرانكو نفسه هو من أخذ بعد ذلك في ممارسة الضغط على المولى الحسن بن المهدي، الخليفة السلطاني بتطوان، من أجل غزو الجزء الفرنسي من المغرب لكي يصبح المغرب كله تحت الاحتلال الإسباني، واعدا إياه بتنصيبه سلطانا على البلاد بأكملها، بل احتلت جيوش الجنرال مدينة طنجة الدولية لمدة خمسة أيام قبل أن تغادرها بعدما لاحظت عدم تأييد ألمانيا لتلك الخطوة، مراعاة لفرنسا التي وضع هتلر على رأسها الماريشال فيليب بيتان الذي قاد ما سمي ب«حكومة فيشي»، نسبة إلى هذه المدينة الفرنسية.
في نهاية 1936 أو بداية 1937 وضعت ألمانيا حزبا نازيا صغيرا بمدينة تطوان، يرأسه شخص كان يدعى أدولف لانغنهام الذي كان آنذاك في الرابعة والستين من العمر، وكان عدد النازيين التابعين لذلك الحزب لا يتجاوز خمسة وثلاثين فردا. كان لانغنهام قد عاش في المغرب سنوات طويلة قبل ذلك التاريخ، وظل في تطوان إلى نهاية 1944 حينما طلبت منه إسبانيا الرحيل.
ورغم أن لا شيء يعرف عن النشاطات التي كان هذا الحزب الصغير يقوم بها، إلا أن الأرجح أنه كان مكلفا بربط الاتصال بالزعماء الوطنيين المغاربة في الشمال، والإشراف على الدعاية الإعلامية التي كانت النازية تقوم بها تجاه المغاربة والجزائريين والتونسيين، لتوحيد الشعور الوطني وتوجيهه ضد الاحتلال الفرنسي.
فقد استثمرت ألمانيا النازية في السياسة الدعائية بشكل كبير، من أجل إقناع المغاربة وشعوب البلدان المغاربية الأخرى بصلاحية سياساتها لهم. ولذلك حولت تطوان وطنجة وسبتة إلى مراكز للدعاية الإعلامية، حيث أنشأت إذاعات محلية وصحفا ناطقة بالعربية والأمازيغية والفرنسية، من بينها جريدة «الدنيا الجديدة»، كانت توزعها وسط المواطنين مجانا بالآلاف.
ولكي تستقطب ألمانيا تعاطف الشعوب المغاربية أنشأت في برلين لجنة للدفاع عن المغرب العربي، وأطلقت حوالي 60 ألفا من السجناء المتواجدين في معتقلاتها أو في معتقلات البلدان الأوروبية التي احتلتها، ومنها فرنسا. كما أصدرت صحفا بالعربية والأمازيغية خاصة بهؤلاء السجناء الذين كان بعضهم معتقلا على خلفية الكفاح من أجل الاستقلال، من بينها «لسان الأسير»و«الجهير» و«بريد الشرق». وهكذا بدأت ألمانيا النازية تظهر في أعين الشعوب المغاربية بمثابة المخلص لها من نير الاحتلال، ويقصدها المغاربة الذين وثقوا في سياستها.
تقي الدين الهلالي وهتلر
كان أول المغاربة الذين التحقوا بألمانيا هو محمد تقي الدين الهلالي، الذي زاول الصحافة في ألمانيا وأصبح فيما بعد عالما سلفيا ثم عاد إلى المغرب وعمل على نشر الفكر السلفي وسط النخبة المغربية. درس الهلالي في المدينة المنورة ومكة المكرمة وعمل إماما في المسجد النبوي لمدة عامين، وبعد ذلك توسط له شكيب أرسلان، الذي كانت له علاقات مع مسؤولين ألمان، فسافر الهلالي إلى برلين حيث تابع دراسته في جامعتها، وبعد حصوله على الدكتوراه دخل مجال التدريس الجامعي هناك. وكان شكيب أرسلان نفسه يكتب مقالات في الدفاع عن ألمانيا في جريدة «الوحدة المغربية» التي كان يصدرها محمد المكي الناصري في الشمال. وصادف أن التقى هتلر في السنة نفسها التي احتل فيها فرنسا، اي 1940، بحضور يوسف بحري، وهو صحافي عراقي كان يقوم بتغطية وقائع الحرب العالمية الثانية من الإذاعة الألمانية، فأصبح الهلالي صحافيا بالقسم العربي بنفس الإذاعة يفتتح فقراته الإذاعية دائما بعبارة «هنا برلين، حي العرب». فقد كان الهلالي يرى في هتلر الزعيم الذي سيخلص العرب من الاستعمار الأجنبي، ويذكر عنه أنه كان ينكر الهولوكوست اليهودي، بسبب التعصب للزعيم النازي. وأثناء سقوط باريس ودخول ألمانيا العاصمة الفرنسية أذاع الهلالي برنامجا خاصا في راديو برلين عن الظهير البربري، للتعريف به والدعوة إلى إسقاطه.
ويروي الحاج أمين الحسيني في مذكراته أن تقي الدين الهلالي زاره في شهر دجنبر 1941، حيث طلب منه التوسط لدى هتلر لإنقاذ البطل محمد بن عبد الكريم الخطابي من أسر الفرنسيين. ورفع الحسيني بالفعل طلبا في الموضوع إلى وزارة الخارجية الألمانية، طالبا تدخلها لتخليص الخطابي من الاعتقال، عارضا عليها في نفس الوقت تعاون الخطابي مع ألمانيا في حال تحريره، لكن هتلر لم يقم بأي خطوة في الأمر بسبب عدم رغبته في إغضاب إسبانيا، التي كانت دولة حاربها الخطابي. ويذكر الحسيني أنه تقدم بعد ذلك بطلب إلى الخارجية الألمانية للتدخل من أجل الإفراج عن التونسيين الحبيب بورقيبة ويوسف بن صالح وآخرين، فتم الإفراج عنهم.
هتلر يقسم المغاربة
شكل احتلال باريس من طرف ألمانيا في يونيو من عام 1940 منعطفا حاسما في مواقف الوطنيين المغاربة، سواء في الجانب الشمالي حيث كان الاحتلال الإسباني، أو في الجانب الجنوبي حيث كان الاحتلال الفرنسي. لكن بعيدا عن النخبة السياسية كان المواطنون هم الذين اندفعوا وراء تأييد «فتوحات» هتلر، الذي كانت جيوشه تحقق الانتصارات الباهرة ضد جيوش البلدان الأوروبية، مما فجر سيولا من التعاطف الشعبي معه. وأخذ الناس يصفونه ب«الحاج هتلر» ويتداولون إشاعة تقول بأنه اعتنق الإسلام، خاصة وأن مفتي القدس، الحاج أمين الحسيني، كان يظهر إلى جانبه في صور يتم توزيعها داخل الصحف الموالية للنازيين. وانتشرت بعض الأغاني البطولية التي تمجد القوة الألمانية وتصف هتلر ب«السبع» أو«ولد السبع» الذي قهر جيوش المحتلين.
أدهشت السهولة التي سقطت بها باريس الكثيرين، ففرنسا التي كانت الدولة الاستعمارية القوية التي قهرت الفدائيين والمقاومين، وشكلت نموذج الحضارة المنيعة، سرعان ما تهاوت أمام جحافل المقاتلين الألمان الباسلين. هذه الصورة كانت كافية لرسم نموذج خيالي لألمانيا النازية التي ستدوم طويلا، وستمكن المغاربة وباقي الشعوب الأخرى في المنطقة من الحصول على الحرية دون قتال.
لكن الانتصار الألماني على فرنسا لم يكن محط إجماع من حيث التعاطف الكبير الذي أثاره. فقد انقسم المغرب بين الموقفين الرسمي والشعبي. فقد اختار المغرب الرسمي، ممثلا في السلطان محمد بن يوسف، موقفا مؤيدا لفرنسا في كفاحها من أجل استرداد حريتها، وأعلن تضامنه سريعا مع الفرنسيين والحرب على ألمانيا. ففي 3 شتنبر 1939 صدر الأمر السلطاني بالإعلان الرسمي للحرب ضد ألمانيا، واجتمع الناس في المساجد يستمعون إلى خطاب محمد بن يوسف الذي جاء فيه»ابتداء من هذا اليوم الذي اتقدت فيه نيران الحرب والعدوان، وإلى اليوم الذي يرجع فيه أعداؤنا بالذل والخسران، يتعين علينا أن نبذل لفرنسا الإعانة الكاملة، ونعضدها بكل ما لدينا من وسائل، غير محاسبين ولا باخلين».
وهو الموقف الذي جعل الحلفاء يقررون عقد مؤتمرهم بالمغرب سنة 1942، والذي سمي«مؤتمر أنفا»، بحضور السلطان المغربي، كما حظي محمد بن يوسف في رحلته الرسمية إلى باريس في يونيو 1945 بوسام «رفيق التحرير» من يد الجنرال دوغول، من دون سائر الزعماء العرب الذين أيدوا الاحتلال الألماني.
أما في الساحة السياسية فقد حصل الانقسام بين الوطنيين في الشمال وزملائهم في المنطقة الجنوبية. وكان«الحزب الوطني» لعلال الفاسي يمثل هذا الاتجاه الثاني. ففي 26 غشت 1939 زار كل من أبي بكر القادري ومحمد غازي وأحمد الشرقاوي، بتكليف من علال الفاسي، المقيم العام الفرنسي وبلغوه رسالة يؤكدون فيها وقوفهم إلى جانب فرنسا واستعدادهم لخوض الحرب بجانبها و«ضرورة تكتيل القوى المادية والمعنوية في ساعة الخطر لمواجهة الطوارئ التي قد تلحق أذى بوجود المغرب وبمصالح فرنسا».
يقول عبد الله الجراري، الذي شارك في الدعاية المضادة لألمانيا، في وصف تلك المرحلة: «في السنة الثانية من اشتعال الحرب فكرت حكومة الحماية في خلق وسيلة من وسائل الدعاية لقوتها وقوة حلفائها، والعمل على تحطيم أعدائها الألمان ومن لف لفهم من قوة المحور، وانتهت بها النتيجة بصدور الأمر إلى شخصيات مغربية بارزة من وزراء وكتاب وعلماء قصد تهييء خطب في الموضوع للنيل من قوة المحور والنازية بصفة خاصة، وألزم عدد ممن ذكر وسواهم من الأدباء بالمشاركة أسبوعيا، حيث كان موعد إلقاء الخطب مساء كل خميس على جناح الأثير(الإذاعة)، فخطب الوزراء: محمد ملين ومحمد الحجوي ومحمد العربي العلوي، وقضاة منهم البشير بن عبد الله الفاسي وإدريس بن خضراء. أما الشيخ المرحوم المدني بن الحسني فاتخذ وسائل ووسائط لإعفائه من المشاركة، والمؤلف عبد الله الجراري(يعني نفسه) طلب منه هو أيضا المشاركة في الدعاية، ولما لم يجد بدا من إعفائه من ذلك لجأ لتهييء موضوع لم يكن مترقبا لدى المسؤولين وأذنابهم من دعاة الفكرة، فألقى محاضرة موضوعها الزكاة ومفعولها في الإسلام».
أما في المنطقة الشمالية فقد كان الموقف مختلفا. فقد كان التقارب بين ألمانيا النازية ونظام فرانكو في إسبانيا يشجع الوطنيين هناك على تأييد الموقف الألماني باعتباره مفتاحا إلى إقناع السلطات الإسبانية بجدوى مطالبهم في الحصول على الاستقلال، فكانوا بذلك يسعون إلى إنشاء تحالفات جديدة تتيح لهم الوصول إلى أهدافهم. كما أن الجنرال فرانكو كان قد شن سياسة جديدة مختلفة تجاه الحركة الوطنية في الشمال، نظرا لظروف الحرب، حيث أطلق الحرية للوطنيين وسمح بتأسيس الأحزاب السياسية وإصدار الصحف.
وفي هذا الوقت بدأ الوطنيون في الشمال بربط الاتصال بكل من ألمانيا وإيطاليا، لمعرفة مدى استعدادهما لفتح الملف المغربي وتأييد مطلب الاستقلال. وكان من بين هؤلاء عبد الخالق الطريس، زعيم«الحزب الوطني«في الشمال، الذي زار برلين سنة 1941 وأجرى اتصالات مباشرة مع النظام الألماني، وعقد اجتماعا مع خليلة هتلر إيفا براون، لكي تساعده على مقابلة هتلر شخصيا، غير أنها نصحته بالتوجه إلى روما لمقابلة موسوليني، لأنه هو المكلف بالموضوع الإفريقي. وقد أصدرت الحماية الفرنسية حكما غيابيا بالإعدام ضد الطريس من محكمة عسكرية بتهمة التعاون مع العدو، وكانت سلطات الحماية الفرنسية تصدر أحكاما بالإعدام في حق أي مغربي أو فرنسي يتصل بالألمان.
كما قام أحمد بلافريج، الأمين العام للحزب الوطني، بزيارة إلى برلين لمقابلة المسؤولين النازيين هناك، لكن دون جدوى، وحاول الاتصال معهم عبر فرع الحزب الوطني بباريس دون نتيجة. وقد كتب علال الفاسي يصف ما حدث:«استطاع الوطنيون أن يكتشفوا نوايا الألمان ويعرفوا حقيقة مراميهم، واستطاع أنصار الحزب بباريس وغيرها من المدن الأوروبية أن يتعرفوا بالحقيقة على وجهها، ويطلعوا الزعماء عليها، وهي أن ألمانيا لا تريد إلا تشييد إمبراطورية مبنية على التفوق الجنسي الآري، وذهب الأمين العام للحزب أحمد بلافريج بنفسه لتحسس الاتجاهات المحورية فلم تغره مواقف بعض الزعماء العرب ولا بعض دعايات الأجانب، وكتب لإخوانه يحذرهم من أكاذيب المحور ورجاله».
نفس الأمر بالنسبة للمكي الناصري، الذي دزار العاصمة الإيطالية للتقرب من ألمانيا، وصرح لإذاعة «صوت روما» في 12 مارس 1938 قائلا «إننا نكره فرنسا عدوة الإسلام والدين، لأن حكامها من الملاحدة واليهود».
ويذكر ميشيل أبيطبول في كتابه «يهود شمال إفريقيا في عهد فيشي» أن الزعماء الوطنيين المغاربة في الشمال كانوا يتصلون بالقيادة النازية في برلين عبر وسيط مغربي مقيم في ألمانيا، كان يعمل رئيسا للجالية المغربية هناك، لكنه لا يذكر اسمه.
سقوط باريس
أثار سقوط العاصمة الفرنسية تحت أحذية الجيش الألماني عام 1940 موجة من الترحيب في صفوف المغاربة، خصوصا في المنطقة الشمالية حيث سمحت إسبانيا للمغاربة هناك بالاحتفالات والتظاهرات التي أقيمت بالمناسبة، عكس المنطقة الجنوبية. لكن أكبر مظاهرة حصلت في مدينة تطوان، إذ خرج الآلاف في تظاهرة ضخمة برؤوس حاسرة وأقدام حافية يشكرون الله ويرفعون شعارات معادية لفرنسا التي انكسرت شوكتها «ماتت فرنسا، عاش المغرب». وبعد ذلك التحق المتظاهرون بمسجد سيدي علال الحاج للصلاة وقراءة القرآن تيمنا.
وكان إبراهيم الوزاني، من حزب الشورى والاستقلال، هو من قاد التظاهرة التي ألقى فيها الحاج أحمد معنينو خطابا من خمس ساعات. وكان الوزاني يحمل نعشا رمزيا كناية عن فرنسا التي ماتت، وسارت التظاهرة إلى السفارة الألمانية حيث تم إنزال العلم الألماني ورفع العلم المغربي مكانه، في استقبال حميمي من طرف الألمان، كما أحرق المتظاهرون العلم الفرنسي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.