سؤال فرض عليّ نفسه هذا الصباح فاستنطقني وقال: هل في البلد العربي حقا ثقافة ومثقفون؟ لم أجب لأن الواقع سبقني وأجاب بما فيه الكفاية والوضوح، فقال: من العبث أن ننكر هذا. نعم هناك ثقافة عميقة الأصول وهناك مثقفون أكفاء وماهرون ومستعدون للعطاء الوافر، وما أكثرهم حين تعدهم. حماسهم ونيتهم تملآن عنان السماوات والأرض. ولكن هناك هذا الوضع الذي تؤمه هذه الثقافة التي جردت من كل حقوقها، هذه الثقافة التي تسعى حثيثا لتتقدم إلى الأمام، لكن خطاها يبطئها خجل فادح ومسيرة ملتوية يقيد أطرافها التأزم اللامسؤول وغير المفعل. التزام خيالي عاش ولادته جيل اختار أناسا لم يكن يعرف أن كلامهم مجرد مسرحيات تمثل فوق منصات على الهواء الطلق كما تقدم اليوم مهرجانات تمثل الثقافة وهي متأصلة في جهل الجاهلين، جيل اختار من كان يظن بأن هدفهم الوصول به إلى ما يحقق أغراضه وطموحاته. "التزام" (بين قوسين) اللاإنساني لم يلتزم لا بواقعه القومي ولا العالمي كما كان يدعي قبل وصوله إلى كرسي المسؤولية، التزام أصبح فارغا من المعنى والتفعيل لما وعد به أناسه. "التزام" حالي استقل عن دوره وسلب الثقافة حريتها فلم تعد تستطيع التعبير بصوتها المدوي الذي كان يخيف الجهل ويقيد الجاهلين ويتجاوز بقوة صوته دوي سوط القمع وثقافة النفع الشخصي. ثقافتنا اليوم مسجونة وراء قطبان الأغراض الشخصية والاهتمامات السيادية ومنح المناصب الحساسة لمن لا قدرة له للقيام بتفعيلها. مسكينة هي ثقافتنا اليوم أصبحت مجرد تمارين بلاغية جمالية. فكم هي معذبة بمكوتها فوق رفوف ظلت تسكنها بلا رغبة وبلا حب. ثقافة يطلي وجهها غبار رفوف مكتبات مشردة في مدن اسمنتية لا تهتم إلا بالمال وتبيع الغالي بالرخيص. ثقافة مشردة بين أوراق كتب لا تفتح صفحاتها إلا في أوقات فراغ للتسلية. فلا هي أنقذت جيلها ولا هي استطاعت قول الحق حول مصير هذا الجيل الذي بدأ يفقد الثقة فيها. ثقافة اليوم لم تعد تتمتع بسيادة ولا بحكم ولا بتحكم ولا بحرية تصرف ولا بتشريف ولا حتى بتكليف من طرف من يتولون التخطيط لرسم الطريق لها للخروج من هذا الواقع الشارد الضيق. هذا الواقع المختنق الخانق الذي اختلط فيه الحابل بالنابل والأدب بإيديولوجيات فاسدة هدفها استغلال الوضع وجمع الأموال بأي وسيلة. واقع يعمل جاهدا وبكل الوسائل المادية المتاحة له لغرس هذه الإيديولوجيات السخيفة التي يشحنها النفاق والكذب والمغالطة والاستهتار وحتى الاستهزاء، في جيل ضاع وسيضيع معه، لا محالة، بعدم اهتمامه، وبغشه وكسله واستهتاره، البلد والعباد. ملاحظة: أنا لا أمجد الرجوع إلى الماضي ولكن أحب أن نأخذ منه ما كان فيه من تراث وأخلاق ونيات تسعى إلى مجتمع متقدم يضارع مجتمعات تقدمت وسارت على الطريق السوي الذي يصل بتابعيه إلى بر الأمان. *67 سنة.. متقاعد.. حاليا طالب بالجامعة