المثقفة بالنسبة إلى كثيرين، نساء ورجالاً، كائن يُغرِّد خارج السرب، فهناك مَن يغار منها ومَن يتعمّد الانتقاص منها ومن قيمتها، وهناك مَن يتجنب الارتباط بها أو الاقتراب منها. فهل هي مكروهة من بنات جنسها ومرهوبة من الرجال؟ لا يجد رياض (مدير عام) ضرورة لتطابق هذا الأمر مع المثقفات كافة، فالبيئة في اعتقاده "تلعب دوراً مهماً في طريقة تعامل المجتمع مع المثقفة. ففي المجتمعات التي يكون فيها عنصر التنافس قائماً بين الجنسين، يكون للمرأة دور فاعل، ولا تشعر بأي قيود تحقير، ولو كانت هناك غيرة مستترة لا تظهر بهذه الحدّة التي نشاهدها في المجتمعات التي لا تعطي المرأة هامشاً من الحرِّية، بالتالي تكون الغيرة قاعدة ثابتة وليست مقصورة على النساء فقط، فحتى الرجال من غير المثقفين يغارون من الرجل المثقف أيضاً، وهذه طبيعة الإنسان، ولكن الشعور بالغيرة يبدو جلياً لدى المرأة أكثر من الرجل، لأن عواطفها متأججة أكثر منه". - مجتمع ذكوري: يفترض عمار (موظف)، أن يكون الواقع على العكس من ذلك تماماً: "فالمرأة المثقفة مساهمة وفاعلة في كل مناحي الحياة، تعرف كيف تربي أبناءها وتثقفهم. ولكن تغلب على المجتمع الهيمنة الذكورية التي تعطي الرجل الضوء الأخضر للسيطرة والهيمنة على كل الأمور، ما جعل حب السيطرة جزءاً من شخصيته، وهي صفة تدل على التسلُّط والأنانية. فبدلاً من الإستفادة من خبراتها ومعارفها، يكون ردُّ الفعل تجاهها سلبياً، والنظرة جائرة. أمّا النساء غير المثقفات أو اللواتي تعوّدن على تلقِّي المعلومات فقط، فبلا شك يغرن منها دائماً لأسباب متباينة، إمّا لطريقة عرضها المستفز للثقافة، التي تحاول من خلالها إلغاء الآخر وعدم دعوته إلى المشاركة في الحوار أو صناعة القرار، من دون أن تدرك أنّ المرأة مهما كانت مثقفة يجب أن تعرف أنّ الثقافة وحدها لا تلعب دوراً أساسياً في بناء شخصية نموذجية. فضلاً عن ذلك، فالكل يريد أن يستفيد، ولكن من دون الشعور بأنّه مُتلقٍّ أو مهمّش، كما أنّ الكل يرغب في التميُّز، ولكن حينما يكون التميُّز سبباً في عدم تقبُّل الآخر، لابدّ أن تشتعل نار الغيرة وتُقرع أجراس الحرب عليه. وليت بعض المثقفات يستفدن من رواية "زوربا" الشهيرة، التي تُظهر كيف أن أحد المثقفين استطاع أن يتعلَّم مِن شخص غاية في البساطة". تقر باسكال حرب (موظفة) بتعرُّض المرأة المثقفة "لحرب لا هوادة فيها من بنات جنسها، خصوصاً اللواتي لم يستطعن الوصول إلى هذه الدرجة من الثقافة، لأنهنّ لا يرغبن في وجود إمرأة موهوبة وأفضل منهنّ. أمّا الرجل فلا يفضل أن تكون المرأة حرة ومستقلة وصانعة قرار، وليست في حاجة إليه ولا تريد منه شيئاً، وإذا كان هذا الرجل زوجاً لمثقفة، فبالتأكيد سيفكر بطريقة مختلفة، حينما يشعر بأنّه فقد السيطرة عليها، لأنّها أصبحت مستقلة مادياً، ولديها المقدرة على صنع القرار من دون الرجوع إليه، ما يُفقده الكثير من المزايا التي من أهمها التسلُّط وفرض الرأي، وهما صفتان جُبِل عليهما الرجل ولا يستطيع أن يتخلّى عنهما بهذه البساطة". من جانبه، يشن أمير أبو صالح (رجل أعمال) هجوماً عنيفاً على بعض "المثقفات اللواتي يُفترَض أن يجذبن الرجال بثقافتهنّ العالية، ولكن يحدث العكس دائماً، لأنهنّ مغرورات ومتعاليات" بحسب قوله. لذا: "يخشى الرجل أن يجد نفسه في موقف ضعيف أمام جبروتهنّ، ما يجعله يُفضّل التعامل معهنّ بخشية وحذر". يضيف: "نحن الآن في القرن الحادي والعشرين ومن الواجبات أن تكون الأفكار أكثر استنارة، كما حدث في الدول الكبرى، حيث عشت أكثر من عشرين سنة في الولاياتالمتحدة الأميركية، ولم تصادفني مشكلة من هذا القبيل، إذ تختلف المرأة هناك كثيراً عن المرأة العربية. فالأميركية لا يهمها شكل الرجل أو شهادته أو حتى منظره، بل تفرض عليها ثقافتها أن تهتم بأخلاقه وتصرفاته، بعكس مقاييس المجتمعات العربية، التي تسير حسب العادات والتقاليد التي تلعب دوراً كبيراً في حجم ردود أفعال الآخرين تجاه أي ظاهرة، سواء أكانت متأصِّلة أم حديثة". ويرى أبو صالح، أنّه "عندما تواجه أي إمرأة أنّ هناك إمرأة أخرى أكثر ثقافة أو علماً منها ستشعر بالنقص، فتشتعل نار الغيرة في قلبها لتسأل نفسها لماذا لا أكون مثلها؟ علماً بأنّ هذا الشعور سيولّد الكراهية والحقد، لاسيّما أن بعض المثقفات يتعاملن بفوقية وتَعَال، بينما يتواضع البعض الآخر فيكسب إحترام الآخرين بتواضعه وبساطته وسلاسة معاملته. ولا أخفيكم سراً إذا قلت إنّ الغيرة المدمرة تنتشر بين النساء أكثر من الرجال". - لغة مشتركة: بكثير من الإستغراب والدهشة، يؤكد محمد مصطفى (إعلامي) أنّ "المرأة المثقفة يُفترَض أن تكون الأفضل بالنسبة إلى الرجل، سواء أكانت زميلة أم زوجة حسب لغة المنطق. فإذا كان رجلاً مُتعلِّماً ومثقفاً، من الضروري أن يفضل شريكة حياة من الفئة نفسها. وبلا شك فإننا نلاحظ أنّ التقارب الذي يحدث بين الطلبة والطالبات في الجامعة، هو أمر طبيعي ولا يثير الجدال، بل يؤكد أنّ اللغة الثقافية المشتركة، هي العمود الفقري لأي نوع من أنواع العلاقة". ويستطرد: "إذا كان هناك بالفعل رجال يرفضون أو يهابّون المرأة المثقفة كشريكة حياة أو حتى كصديقة، فهؤلاء أناس مُعقّدون، مهووسون بحب السيطرة، ولا يهمهم أن تكون شريكة حياتهم مثقفة، واعية ومُدركة ما يدور من حولها. وقد سبق الشاعر حافظ إبراهيم عصره، حين قال: الأُم مدرسة إذا أعددتها **** أعددت شعباً طيب الأعراق". يتابع: "وتشير أحاديث الرسول (ص) جميعها، إلى أهمية العلم والثقافة. ويؤكد الدين الإسلامي، أنّ المرأة المثقفة خير من الجاهلة". ويعتبر مصطفى أن "إرتباط الرجل بإمرأة جميلة وغير مثقفة، ليس أكثر من نزوة قد تكون عابرة. أمّا المثقفة التي لم يَهبها الله الجَمَال، فعلمها وثقافتها يغطيان على عيوبها الأخرى. لذلك، تظل في نظر الناس هي الأجمل". من هنا يؤمن مصطفى بأن "غيرة النساء من المرأة المثقفة، بسبب جرأتها في الحوار والنقاش، وإدراكها الواسع شتّى جوانب الحياة والثقافة العامة. أما غير المثقفة فعادة تكون مُتلقِّية تسمع فقط ولا تناقش، إلا إذا كان الكلام عن الطبخ ومشكلات البيت والأولاد". تنفي رنا مسعود (موظفة) وجود أي سبب لغيرة النساء من المرأة المثقفة: "فلكل شخص أسلوبه وهواياته وآليات معرفته واهتماماته، وليس بالضرورة أن تتطابق الاهتمامات والثقافات". وتفترض أنّه "مِن الأفضل للرجل الارتباط بالمثقفة، لأن ذلك سيساعده كثيراً على الصعيدين الأسري والاجتماعي، لأنها تعرف جيِّداً كيف تُربي أطفالها، كما تستطيع أن تسهم في دفع عجلة التنمية، لأنّها ستكون بالضرورة عنصراً فاعلاً في جميع المجالات". إذا كانت المثقفة منبوذة من قبل بنات جنسها، لأنّها اختارت أن تغرد خارج السرب، فإن معظم الرجال، بحسب رشيدة(موظفة) قد "اتفقوا على عدم الاقتراب منها". وتؤكد: "على الرغم من غيرة الرجل الخفيّة من المرأة المثقفة، بيد أنّه لا يستطيع أن يُعبِّر عن ذلك بصراحة، لكيلا يُشعرها بذلك. أمّا إذا كانت رئيسته في العمل، لأنّها أكثر علماً وثقافة منه، فهذه المزايا تُولِّد في أعماقه الحسّاسية والعُقد، خصوصاً، إذا كان المجال تنافسياً، بينما تكون غيرة المرأة العادية من المثقفة غيرة عادية ولا تخرج عن طورها لأنّها مخلوق غيور بطبعه". وتصف الرجل الذي يخشى الارتباط بالفتاة المثقفة بأنّه "مُتسلِّط لا يحب أن يشاركه شخصٌ آخر في صناعة القرار. فهذا النوع من الرجال، يدرك أنّ المثقفة ترفض أن تُوضَع لها خطوط حُمر ولا يُسمح لها بتجاوزها، لكونها صاحبة رأي وقرار فريد، خصوصاً إذا كانت مستقلة مادياً. فالاستقلال الاقتصادي هو التحرُّر الأكبر بالنسبة إلى المرأة. لذلك، تستطيع أن تسحب البساط من تحت قدميّ الرجل، وفي أي وقت تشاء. من هنا، ينطلق شعور الرجل بالخوف الحقيقي من المرأة المثقفة التي يفترض ألا تعاني من غيرة بنات جنسها إذا تواضعت وأسهمت في تثقيفهنّ ودعمهنّ لأنّ الفرصة والبيئة اللتين توافرتَا لها لم تتوافر للأخريات". - رفض المنافسة: لا يتفق خالد (موظف) مع الآراء التي تشير إلى غيرة النساء أو خوف الرجال من المرأة المثقفة، كما لا يرى سبباً لتعميم الفكرة، التي تؤكد أنّ المثقفة تتعرض لأحكام جائرة، محكومة بنظرة متوارثة، مفادها أنّ المرأة أدنى بالضرورة من الرجل، يقول: "في رأيي المسألة ليست كراهية أو رهبة، لكنه الشعور، والحذر الطبيعي، الذي يحيط بأجواء المنافسة، فشعور الفتاة بأن هناك مَن هي أكثر ثقافة منها، لا يجوز أن نُسمّيه كراهية، إنّما هو الغيرة التي قد تكون بنّاءة أو هدّامة، بحسب الشخصية. وعلى الرغم من أن مجال الثقافة والعمل ليس جديداً في مجتمعاتنا، إلا أنّ بعض النساء مازلن يغرن من المرأة التي تكون تحت الأضواء أو تسهم بصورة أو بأخرى في بناء المجتمع اقتصاديا أو سياسياً". ويُحلل خالد رهبة الرجال من المرأة المثقفة، فيجد أن هناك عاملين أساسيين يُسهمان في تعزيز الحذر والغيرة، أوّلهما العامل الاجتماعي، لأننا "كمجتمع عربي نحاول أن نُبرز دور المرأة سياسياً واقتصاديا، ولكن في الوقت نفسه لا نقبل منافستها لنا، لأنها تضيق علينا الفرص وتفرض نفسها علينا كذلك. أمّا العامل الثاني، فهو النفسي الاجتماعي، المنبثق من العادات والتقاليد، إذ لاتزال عاداتنا وتقاليدنا تضع الرجل في الصف الأوّل والمرأة في الصفوف الخلفية، وحينما تحاول المرأة أن تجد لنفسها مكاناً في الصفوف الأمامية يحدث الخوف والحذر، علماً بأنّ الرجل الشرقي، غالباً يختار المرأة الأقل تعليماً وثقافة لا رهبة، بل للإمعان في الحذر، من منطلق أنّ المركب لا يحتاج إلى أكثر من ربّان واحد، يمكن أن يكون له مستشاراً، ولكن عندما يكون المستشار والربان في مستوى متقارب من الثقافة، ستكون هناك مشكلة فرض رأي من أحد الطرفين، فتقل فرصة الزوج في الإنفراد بالسلطة. أمّا غير المثقفة، فتأخذ الأمر كما هو وكأنّه أمر مُسلّم به. وبما أنّ الرجل ينشد الاستقرار الأسري، فإنّه بلا شك سيحذر المرأة المثقفة، على الرغم من أنّه لو فكّر قليلاً لفضَّلها على الأخرى، لأنّها ستسهم في بناء أسرة متوازنة ومستقرة على جميع الصُّعد". "إذا كان هناك رجال يتعمّدون الانتقاص من قدر المرأة المثقفة، رافضين مبدأ أن تكون ندّاً لهم، فثمة مَن يرى غير ذلك، ويؤكد أنها مرغوبة وليست مرهوبة من معظم المثقفين والمثقفات". رأي يشير من خلاله عصام ، إلى عدم جواز تعميم الفكرة. ويضيف: "المرأة المثقفة هي الوجه المشرق للنساء العربيات، ومن المفترض أن نُفاخر بها ولا نُقلل من شأنها أو نحذرها، حتى لو كانت أكثر ثقافة منّا، خصوصاً إذا كانت زوجة وشريكة حياة، لأنها بالضرورة ستكون أوعَى وأعقَل من الجاهلة التي لا يستطيع الزوج أن يوصل إليها المعلومة التي يريد، إلا بعد نفاد الصبر". ويعتبر "الرجال، الذين يرهبون المرأة المثقفة أنهم يريدون العيش بسلام بعدما ترسخت في أذهانهم فكرة، أنّ المرأة المثقفة مثيرة للجدل، على الرغم من أنّ الدين الإسلامي، يحثنا على الارتباط بالمثقفة (واظفر بذات الدين تربت يداك)، باعتبار أنّ الدين هو أبو الثقافات". ويعود عصام ليقر بأنّ "النساء يغرن بالفعل من المرأة المثقفة ويبخسن علمها وثقافتها، ويُقللن من مكانتها بدافع الغيرة، لأنّهنّ أقل مستوى منها. لذلك، يفترض أن لا تستجيب لأي نوع من الاستفزاز لتثبت لهنّ بالفعل أنها مثقفة". يميز بسام سعيد دحي (موظف) بين نظرة الرجل المثقف إلى المرأة المثقفة، ونظرة الرجل العادي الذي يصرُّ دائماً على أنها مهما كانت مثقفة فهي في النهاية، ليست سوى امرأة، بحسب المفهوم التقليدي، سواء أكانت محامية أم طبيبة، بالتالي لا يجوز أن تُعطَى مسؤوليات كبيرة، بينما يتجاوز المثقف هذا المفهوم غير المنصف. ومع ذلك تظل مشكلة الثقافة الذكورية منتشرة مثل الفيروس حتى في أوساط بعض المثقفين، إذ تهيمن تقاليد المجتمع التي تضع دائماً المرأة في درجة متدنية، وكأنّها ليست كائناً مهمّاً أو عنصراً فاعلاً". ويستطرد: "بعض المذاهب الإسلامية حدّد شرط الكفاءة في الزواج، سواء أكان ذلك من ناحية النسب أم المستوى الطبقي أو الاجتماعي. وأنا أضيف إليها الثقافي، إذ يُفترض أن تقبل المرأة المثقفة الزواج بشخص أقل منها ثقافة". بومدين عيوش (موظف)، لا يتفق مع الآراء التي تشير إلى موقف المرأة المثقفة الصعب في المجتمعات العربية، ويؤكد أنها أنها "شخصية محبوبة في أوساط المثقفين والمتطلِّعين إلى المعرفة". ويقول: الجاهلون والجاهلات وحسب، يكرهون المثقفة لخوفهم من المنافسة ومن انحسار الأضواء عنهم، ولكن هذا الأمر لا يقلل من كونها عنصراً فاعلاً في المجتمع وفي محيط عائلتها". ويشير عيوش، الذي لم يتزوج بعدُ، إلى أنّه "لن يرتبط بفتاة غير مثقفة، كما لا يشعر بأي مشكلة إذا كانت شريكة حياته أكثر ثقافة منه، لأنّ كلاًّ منهما يُكمل الآخر".