في واحدة من أبرز الالتفاتات لخدمة وتعزيز الديمقراطية والحكم الواعد بالمغرب وفي أعقاب الإصلاحات الدستورية التي تشهدها البلاد وقبل فترة وجيزة من الإنتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها قي الخامس والعشرين من نونبر، قامت الجريدة الإلكترونية "Morocco World News" يوم الخامس عشر من الشهر الجاري وبشراكة مع معهد الشرق الأوسط بجامعة كولومبيا في نيويورك بتنظيم حلقة نقاش تحت شعار"الإصلاحات الدستورية المغربية والإنتخابات القادمة: آفاق حقيقية للدمقراطية". لقد شهد هذا العام اندلاع المظاهرات التي عُرفت ب "الربيع العربي" والتي فاجئت الجميع على حين غرة. وكان لهذه الصحوة الديمقراطية للشعب العربي تأثير الدومينو، حيث وصلت إلى جميع الدول العربية، وذلك بسبب العلاقة المترابطة بين شعوب المنطقة، فضلاً عن التشابه الهيكلي لنظمها السياسية. وقد هزت هذه المظاهرات الضخمة الشارع العربي نتيجةً لغياب الحريات والمساوات وكذا الشعور السائد في العالم العربي بالقهر والظلم والسخط والإذلال وبالإضافة إلى انتشار المحسوبية والفساد. تصدت معظم الأنظمة العربية للمتظاهرين بقبضة حديدية منتهجةً بعض الأساليب التي أدت إلى نتائج لا تُحمد عقباها، في حين اتخد المغرب مساراً مختلفاً. وقد بدأ هذا المسار الواعد، والذي أشاد به بعض زعماء العالم، برد فعل مبكر من قبل الملك محمد السادس، غايته التواصل مع المتظاهرين والرد على مطالبهم والإستجابة لتطلعاتهم. فتم تقديم إصلاحات دستورية جديدة في التاسع من يونيو عام 2011 والتي تمت الموافقة عليها بأغلبية ساحقة في استفتاء شعبي من طرف الناخبين في واحد يوليو من العام الجاري. غير أن "حركة 20 فبراير" قامت بمقاطعة الإستفتاء وواصلت تظاهراتها في أنحاء المملكة معتبرةً أن الإصلاحات التي قدمها الملك لم تصل إلى تطلعات الشعب المغربي المتجلية في القضاء على كل أشكال الفساد وفي وضع أساس لملكية دستورية حقيقية. بعد الإصلاحات الدستورية الهادفة لتعزيز الديمقراطية بالمغرب وتحسين الحكامة الرشيدة، تُسلط الأضواء مرةً أخرى على البلاد في موعد جديد مع انتخابات برلمانية مبكرة من المتوقع أن تكون نتائجها حاسمة، لكونها ستخول ظهور حقبة جديدة للدولة معززةً بصلاحيات برلمانية قوية في ضل الدستور الجديد. وإدراكاً لمدى أهمية فتح مجال النقاش والتحليل لما يعرفه المشهد السياسي بالمغرب، استدعت (Morocco World News) أربع أكاديميين من خلفيات وإيديولوجيات مختلفة لمعالجة القضايا الإجتماعية والإقتصادية، وتسليط الضوء على التغيرات السياسية الجارية وتنبؤ السيناريوهات المحتملة التي قد تواجه المملكة بعد استحقاق 25 نونبر. هل يشكل المغرب حالة استثنائية ؟ من بين الأسئلة التي وجب طرحها وبحدة هي السؤال التالي: هل يشكل المغرب حالة استثنائية أم أن حالته تشبه وضعية الدول العربية الأخرى؟ منذ هبوب نسيم الربيع العربي على تونس ومصر، أكد العديد من السياسيين والمراقبين بالداخل والخارج أن المغرب حالة استثنائية في العالم العربي نظراً لما شهدت ساحته السياسية من تغيرات في عهد الملك محمد السادس وبسبب ما عرفه أيضاً من تطورات في مجال حقوق الإنسان، بما في ذلك توسيع مجال الحريات العامة و المساواة بين الجنسين. ولعل من بين أبرز التغيرات التي عرفها النظام السياسي عقب تولي العهل المغربي زمام الأمور، إقالة بعض كبار مسؤولي الحقبة السابقة وتبني قانون جديد للأسرة "مدونة الأسرة" للنهوض بوضعية المرأة، بالإضافة إلى وضع هيئة الإنصاف والمصالحة عام 2004 بهدف إعادة تأهيل و تعويض ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان. غير أنه على الرغم مما لقيته هذه الإصلاحات من صدى طيب من قبل الشعب المغربي، إلا أنها لم تحدث تغييراً جذرياً ذا مفعول في الحياة اليومية للمواطن المغربي. فقد ظلت ملامح الفساد والمحسوبية والزبونية وغياب الشفافية سائدة في الحياة العامة للبلاد، مما أدى إلى تدهور الأوضاع الإجتماعية والإقتصادية بالمغرب، والذي عانت ساكنته من سلسلة من الإحباطات والشعور بالظلم واليأس وعدم المساواة. ومن ثم وبالنظر إلى الأسباب سالفة الذكر، لا يشكل المغرب حالةً استثنائية فيما يتعلق بالظروف التي أدت إلى تظاهرات تونس و مصر. غير أن السبب الوحيد الدي يجعل المحللين يقولون أن المغرب يشكل حالة استثنائية هي "الطريقة التي تعامل من خلالها النظام المغربي مع المتظاهرين،" على حد تعبير الدكتور يونس أبوأيوب، أستاذ بجامعة كولومبيا. وقد وصف هذا الأستاذ والباحث المغربي الأسلوب الذي اعتمده النظام في التعامل مع المتظاهرين "بالذكي و الناضج،" مضيفاً أن المغرب نهج "استراتجية الإستمالة". فحسب الدكتور أبو أيوب، يمكن تفسير ذلك من خلال رد الفعل السريع للملك محمد السادس في التعامل مع مطالب الشعب المغربي المتجلية في الدعوة إلى الحصول على المزيد من الحريات والحد من سلطاته والرفع من مدى مسؤولية النخبة السياسية وتعريضها للمحاسبة والمساءلة. وقد أجمع المتحدثون في النقاش على أن النظام الملكي المغربي يتميز بشرعية كبيرة مقارنة بباقي الحكومات العربية، بفضل الإحترام الذي يكنه المواطنون للحكم الملكي ولشخص الملك، وهذا راجع في حد ما إلى تقاليد تاريخية عميقة وراسخة. وقد تجلى ذلك من خلال مطالب المتظاهرين، الذين لم يطالبوا قط بتنحي الملك أو إسقاط النظام، بل بإقامة دستور ملكي على النهج الأوروبي. من هي حركة 20 فبراير؟ كما ناقش المشاركون في الندوة أيضا "حركة 20 فبراير" كقوة سياسية ساهمت في التسريع في الإصلاح وفي فتح أبواب التغيير. فحسب الأستاذ إبراهيم القبلي، أستاذ في جامعة ساوثمور في بنسلفانيا، "كانت معظم الأحزاب السياسية تقتسم الكعكة وتعتزم التمسك بالسلطة لأنها تشعر بالخطر الذي يهددها إذا تم تطبيق ديمقراطية حقيقية في البلاد". و أضاف الأستاذ القبلي أن هذه الأحزاب كانت عازمة على تأجيل التحول الديمقراطي تحت ذريعة التوصل إلى توافق مع القصر". "وفي خضم هذا الحراك السياسي، ظهرت حركة 20 فبراير لتمارس ضغوطات على النخب السياسية من أجل إجبارها على التخلي عن ممارستها الإحتيالية القديمة التي ألحقت الضرر بالنسيج الإجتماعي في المغرب" أمضى الأستاذ القبلي قائلاً، مضيفاً أن "هذه الحركة تتألف من ناشطين تتمثل مطالبهم في تحقيق الكرامة والتغيير والدعوة إلى إعادة توزيع الثروة واعتماد دستور جديد ممثل لإرادة الشعب." وحسب الأستاذ القبلي "فقد ألهمت ثورة تونس ناشطي حركة 20 فبراير، فاكتسبوا عزيمة لتشكيل قوة شعبية لقيادة التغيير السياسي في البلاد، حيث تمكنت هذه الحركة فعلاً وخلال أسابيع معدودة من تحقيق ما فشلت الأحزاب السياسية بالقيام به لعقود". وحسب ما ذكر الأستاذ القبلي، فقد استمدت الحركة قوتها من إرادتها القوية و توجهها المؤيد للديمقراطية فتجرأت على معالجة "الطابوهات" وساهمت في رفع مستوى الوعي العام بشأن ضرورة التغيير و الرقي بالحقل السياسي. هل يركب حزب العدالة و التنمية الموجة الإسلامية في المغرب العربي؟ معظم الأسئلة التي تناولتها حلقة النقاش كانت ترمو إلى التنبؤ بالسيناريوهات المحتملة لنتائج الانتخابات. وفي هذ الصدد، فقد أكد الأكاديميون الأربعة الحاضرون على أهمية قيام الناخبين بالتصويت معتبرين ذلك عاملاً أساسياً لنجاح الإصلاحات. فانخفاض نسبة الإقبال على التصويت على غرار الإنتخابات السابقة لن يؤدي إلا إلى توسيع الهوة بين الشعب والأحزاب السياسية، بل أكثر من ذلك، قد يؤدي إلى تكريس ثقافة اللامبالاة السياسية ولاسيما في صفوف الشباب. ولهذا، فقد أجمع المتحدثون على ضرورة أن يتم ضخ دماء جديدة في شرايين الأحزاب السياسية من أجل تجديد النخبة السياسية في المغرب. وفيما يتعلق بالتحالفات التي برزت في الآونة الأخيرة في الحقل السياسي المغربي، "فالسبب الرئيسي من ورائها يكمن في تعزيز فرص الأحزاب التقليدية في الفوز في الإنتخابات والوصول إلى الحكومة أو من أجل وقف ومواجهة التيار الإسلامي، كما هو الشأن بالنسبة لتحالف مجموعة الثمانية،" حسب ما جاء في مداخلة الأستاذ أنور بوخراس، أستاذ العلاقات الدولية بكلية ماكدانيال، ماري لاند. كما أكد الأستاد بوخرص أنه "في حالة ما إذا فشلت الأحزاب السياسية في تشكيل التحالفات، سيكون لذالك وقع خطير على الشارع المغربي". هناك مزيج من المشاعر المستمرة طيلة فترة الإنتخابات الحالية، بما في ذلك الإحساس بالأمل في تحقيق قفزة نوعية بعد الإستحقاقات الانتخابية والخوف من المجهول والشك في المستقبل وكذا الشعور بالإحباط و خيبة الأمل، مما يجعل الإقبال على الانتخابات مسألة حاسمة. وحسب الأستاذ أنور بوخرص، فبما أن أغلبية الأصوات في الإنتخابات التونسية عادت إلى حزب النهضة الإسلامي، فإنه من المتوقع أن يحرز حزب العدالة والتمنية في المغرب على نسبة مهمة من المقاعد، إذ تحظى الأحزاب الإسلامية بثقة وقبول متزايد من قبل الجميع ليس فقط في تونس بل في ليبيا ومصر كذلك. كما أوضح الأستاذ بوخرص أن قياديي حزب العدالة والتنمية يعتبرون أنفسهم مرشحين للفوز بالأغلبية، حيث عبر رئيس الحزب مؤخراً بثقة تامة أنه في حال لم يفز حزبه فسيكون السبب في ذلك راجع إلى "تزوير نتائج الانتخابات". "كما يعتبر حزب العدالة و التنمية حضوره و مشاركته ذات أهمية كبرى في جلب الهدوء للشارع حيت يلعب دور المسكن ضد حالة الإحباط السائدة مستمداً قوته باعباره حزب نزيه نظراً لعدم مشاركته في أية حكومة من قبل"، حسب الأستاذ بوخرص. مفهوم التنمية الثقافية إنه لمن المهم استيعاب مفهوم الديمقراطية "كممارسة ثقافية و اجتماعية" أولا قبل أن تكون سياسية. هذا ما أوضحه أنور مجيد، وهو مدير مركز الدراسات الإنسانية العالمية بجامعة نيو إكلند وهو مركز متخصص في دراسة تلاقي الثقافات و تبادل الحضارات. وأشار أنور مجيد "أننا نحتاج في المغرب إلى أن نكون ما نختار بأنفسنا،" كخطوة للتخلي عن الطغيان الثقافي والسياسي الذي يولد الضغط المستمر على الناس ليجعلهم في حالة من الركود. "فالتنوع مهم جداً من أجل النهوض بمجتمع ديمقراطي. ومن أجل إطلاق العنان لقوى إبداعية وفكرية مغربية، يجب على النظم الإجتماعية والثقافية والسياسية أن تكون مطابقة لما يدعوا إليه الدستور الجديد" أضاف أنور مجيد. فالحرية ليست ذات صلة بما يفعل أو ما لا يفعل السياسيون بل هي مسألة تكافؤ الفرص، القدرة على الابتكار والإبداع بغض النظر عن العرق أو الديانة أو الجنس أو العمر. وقد أكد جميع الباحثين و بشدة على ضرورة تطبيق مواد الدستور الجديد من أجل تحقيق التنمية الإجتماعية التي يستحقها المغرب. كما دعوا الجميع وليس فقط الأحزاب السياسية للتحلي بروح الربيع العربي وذلك بغية تنفيذ مواد الدستور لبناء عهد جديد أساسه المساواة والعدل والشفافية والوضوح معتمداً الحريات الفردية ومراعياً لحقوق الإنسان. وقد حضر هذا المؤتمر عدد كبير من الباحثين والصحفيين والطلبة والمهتمين بالشأن المغربي من جنسيات مختلفة. كما أغنت مداخلات الباحثين المغاربة حلقة النقاش وأعطت قيمة مضافة لهذا الحدث المنظم في واحدة من أعرق الجامعات الأمريكية. ونظراً للنجاح الملحوظ الذي عرفه هذا اللقاء بين نخبة من المثقفين، فقد صرح الشريك المؤسس ورئيس تحرير الجريدة الإلكترونيةMorocco World News، الدكتور سمير بنيس، أنه "عازم على مواصلة تنظيم المزيد من اللقاءات لفتح أبواب النقاش حول القضايا الساخنة التي تمس المغرب والمنطقة."