قامت مخادع الهواتف العمومية على امتداد سنوات بأدوار متعددة؛ فإلى جانب وظيفتها في إتاحة التواصل بين الناس، في وقت سابق، شكلت مورد رزق وفرصة عمل بالنسبة إلى الشباب العاطل، وطريقة سهلة لاغتناء آخرين، خاصة أنها لم تكن تتطلب استثمارات مالية مهمة. أما اليوم، فقد بدأت تتلاشى رويدا رويدا تلك الوظائف التي كانت تقدمها هذه الفضاءات، التي عوضت الرسائل والتلغراف سابقا، بعدما أصبح المواطن يمتلك بدائل ووسائل تمكنه من الاتصال والتواصل مع الأحباب والأصدقاء والأغيار في مدة وجيزة وحيثما وجد؛ وهو ما أفقد المجتمع جزءا مهما من ذاكرته وعاداته التي كان لها طعم خاص آنذاك، وعجل برحيلها عن الوجود بعدما شكلت في الأمس القريب وسيلة لصلة الأرحام والسؤال عن الأحوال ونقل الأخبار قبل أن يطالها الاغتيال. إن المرء وهو يتجول بين أزقة المدن وحواريها لا يشق عليه الوقوف على اندثار خدمة الهاتف العمومي، بعدما كانت عشرات مخادع الهواتف تتوسط الأحياء الشعبية، غير أن غالبيتها أغلقت الأبواب في وجوه المواطنين، بعد غزو "الموبايل"، وأصبحت تعد على رؤوس أصابع اليد الواحدة، وتقاوم من أجل البقاء؛ بأنشطة موازية، بعد أن أضحى "التليبوتيك" عبئا وعالة على نفسه. ويروي إلياس المرابط، وهو طالب جامعي، عن سنوات الزمن الجميل عندما كان "التليبوتيك" القبلة الوحيدة لإجراء المكالمات الهاتفية، أنه في الوقت الذي كانت أسعار المكالمات مرتفعة، كانت مشاريع محلات الهاتف العمومي مزدهرة، مشيرا إلى أنه كانت هناك أقلية تمتلك الهاتف الثابت بالمنازل، أما الهاتف الخلوي فلم يكن في متناول الجميع، خاصة أن سعر المكالمة آنذاك كان يفوق إمكانيات العامة. ويسترجع المرابط تلك الأيام، التي كان فيها "التليبوتيك" يشهد إقبالا كبيرا، مستحضرا بعضا من العيوب التي كانت تشوب إجراء مكالمات بمخادع الهاتف، التي لم تكن تحفظ السرية، وتفرض تقاسم خصوصية وفحوى المكالمة مع المسير وباقي الزبناء من مرتادي المخدع الهاتفي. وعزا المتحدث نفسه، في تصريح لهسبريس، أفول خدمة الهاتف العمومي إلى ظهور بدائل أسهمت في موت "التليبوتيك"، حيث تراجعت أسعار المكالمات الهاتفية بمستويات قياسية؛ مقارنة بأسعار المكالمات بالهاتف العمومي، وعوامل أخرى ساهمت في تخلي المغاربة عن استعمال خدمة "التليبوتيك"؛ من ضمنها احتدام المنافسة بين شركات الاتصالات. وأوضح الشاب الثلاثيني أن عادات المغاربة تغيرت خلال تعاملهم مع الهاتف، في ظل التراجع المتواصل لأسعار المكالمات، التي استمرت في الانخفاض، وهو ما شجع المستهلك المغربي على تغيير عاداته والاعتماد على هاتفه الشخصي والمحمول في إجراء المكالمات عوض الهاتف العمومي أو "التليبوتيك" بأقل كلفة بعيدا عن آذان الفضوليين، يضيف المرابط.