من مقامات مفجوع الزمان الجوعاني: حدثنا مفجوع الزمان الجوعاني، وهو من ضحايا القمع المجاني، فقال: في زمن تعددت فيه أنواع الإرهابْ، وتحققت فيه بالمقلوب أحلام الشيب والشبابْ، واستأسدت فيه القرود والخنازير والكلابْ، في هذا الزمن الموبوء بصراعات المصالح الشخصيهْ، المعروف بما انتهك فيه من حقوق للبشريهْ، الواقف على عدة عناوين للمجازر الدمويهْ،... في هذا الزمن الذي أعيش فيه بالقضاء والقدرْ، كنت كلما طرق باب الفؤاد اليأس والضجرْ، وملت أذني من سماع ما يأتيني به الخبرْ، أهرع إلى خلي ابن أبي الرعايهْ، صاحب الألف حكاية وحكايهْ، لأشفي بما لديه من أدب فريد للغايهْ، عذاب نفس مأسورة بين الحاضر والماضِي، ومحبوسة بين جور الظالم وحكم القاضِي، ومتشوقة لغد يكون فيه العدل على العدل راضِي، وهكذا وفي إحدى الليالي التي أصيبت فيها النجوم بالأفولْ، خرجت من منزلي الشاهد على واقع اللامعقولْ، واتجهت نحو مجمع الخلِّ بحي "الخمرة والكحولْ"، فألفيته كالعادة حجًّا لكل اليائسين والمعطلينْ، وملاذا لثلة من المفكرين وثلة من المتسولينْ، ومرتعا خصبا للجواسيس والعملاء والمخبرينْ،... وجلست بالقرب من ابن أبي الرعايهْ، وقبل أن يطرب الحاضرين بما لديه من حكاية وروايهْ، قرأ ما تيسر من تعويذات بت أحفظها من البداية إلى النهايهْ، ثم قال: << اللسان الفصيحْ، رسول القلب الجريحْ، والقيل والقالْ، عود كل قتالْ، وقلة الزاد والمالْ، تدفع بالحر إلى نار السؤالْ، والصبر بلسم لأيامْ، علقم مع الدوامْ، وإن أجلَّ العلم وأكملهْ، أن يعرف المرء ما أجهلهْ،... ثم أما بعد فيا أيها الجالس ويا أيها الحاضرْ، إنه يحكى والعهدة على الراوي المرمي في غياهب المخافرْ، أنه كان شاب في زمن التقارير والمحاضرْ، يقطن في قرية أسموها - عن طريق الخطإ- ب "السيد الطيّبْ" وأبعدوها عن كل ما هو جميل وطيِّبْ، وكانت هذه القرية المنتمية لقرى المغربْ، تستفز بحالتها كل من لها يزورْ، فهي بكل أنواع التخلف تمورْ، ورحاها باتت على الجهل والفقر والبؤس تدورْ، فالبناء العشوائي فيها سيد المواقفْ، وانعدام المدارس فيها لا يحتاج لشهادة جالس أو واقفْ، وقنوات تصريف المياه الحارة لا يسأل عن وجودها هناك عارفْ، فهي ومن غير مجاز يذكر أو يحصَى، حفرة من حفر المغرب الأقصَى، فيها كل آدمي حي يقصَى، وكان لهذه القرية المنسية عبر ما للعصور من أطراف وثنايَا، شأن كبير عند الدوائر المهتمة بالإرهاب وبمثل هكذا قضايَا، فقد اتهموها غير ما مرة باحتواء منظمات إجرامية وحماية عدة "خلايَا"، واعتقلوا من داخل مخيماتها و"براريكها" عدة أشخاص وأشخاصْ، اتهموا بعد تجريدهم من اللحي والجلابيب والسكاكين والرصاصْ، بمحاولة زعزعة استقرار الأمن العام والخاصْ، وهكذا وفي ظل حملات السلطات على الإرهاب والإرهابيينْ، وفي ظل التعاون المشكور للمواطنات والمواطنينْ، كان ذلك الشاب المذكور في بداية هذا الحكي الحزينْ، عائدا من جمع لثلة من الصعاليك الدراويشْ، إجتمعوا في ظلمة الليل على العنب المعصور والسجائر الملفوفة بالحشيشْ، وتنافسوا حول من سيسلب المارة ما بحوزتهم من ريال وبقشيشْ، وبينما هو يمر بمحاذاة كوخ مهجورْ، سمع عدة أصوات غريبة تمشي بداخله وتدورْ، وتبعث الشك والريبة في نفس المتعقل والمخمورْ، فظن أن بالكوخ خلية إرهابيهْ، تخطط ربما لعمليات إجراميهْ، أو تختبئ من تربصات "الفاركو" والدوريهْ، ولأنه يعلم ما للمواطنة من مقوماتْ، ولأنه يدرك ما يطال المتستر على الإرهابيين من عقوباتْ، فقد تسلح بما يملكه من سرعة الخطواتْ، واتجه صوب دار "مقدم" القرية المنسيهْ، وأعلمه بما سمع مع بعض الزيادة الذاتيهْ، ليريح ضميره في تلك الليلة الصيفيهْ،... وأخبر "المقدم" بدوره شيخ القبيلهْ، وأعلم هذا الأخير عناصر الدرك والشرطة الجليلهْ، وحضر الجميع لعين المكان بسرعة - أقل بقليل من- ثقيلهْ، وتجمهر الناس من شتى الجهات حول الكوخْ، وحضرت سيارات الإسعاف الممسوخْ، وتنافس الدركي والشرطي حول من سيكون له هنالك العلو والشموخْ، واستل كل منهما مكبرا للصوتْ، وأنذرا من بالكوخ قبل فوات الفوتْ، واقترحا على الإرهابيين الإستسلام أو الموتْ، ومرت الدقائق والساعاتْ، وتحركت وزارة الداخلية في كل الإتجاهاتْ، وعززت الفرق الموجودة بالفرق الذكية المصحوبة بالمروحياتْ، وقرر الجميع بعد التشاور وإبداء الآراءْ، نسف الكوخ للإرتياح من العناء والشقاءْ، ولتخليص القرية من هذا الخطر الذي ترفضه الأرض والسماءْ، وأذن مؤذن "الصلاة خير من النومْ"، وأنذاك تسمرت عيون الدرك والشرطة وباقي القومْ، فقد خرج من الكوخ المحاصر بعد الهم والغمّْ، حمار بلغ من الكبر عتيَّا، إستدرجته رائحة أزبال كانت بالكوخ مخفيَهْ، فهام نحوها من غير قصد للإرهاب أو إبداءِ لسوء النيهْ". ""