الاكتشاف نشرت مجلة MeteorNews في 18 نونبر من سنة 2018 تقريرا علميا (حرره كل من عبدالرحمن إبهي، وفؤاد خيري، ولحسن أوكنين، وعبدالخالق المجيدي) حول اكتشاف مهم لثلاث منحوتات صخرية وُجدت في منطقة تيورار (في قرية تسمى إدا وكزّو الأمازيغية) تبعد عن بحوالي 100 كيلومتر في شمال مدينة أڭادير. وتوجد قرية إدا وكازّو نفسها في الجهة الغربية للأطلس الكبير في إقليمالصويرة. وقد بين تحليل المادة التي تتكون منها المنحوتات الصخرية أنها من حجارة رملية وكوارتز. وسمى مكتشفو المنحوتات الصخرية الثلاثة ب"إدا 1" و"إدا 2" و "إدا 3" لتسهيل الإحالة عليها عند العلماء والمتخصصين. فكان طول "إدا 1" 20 سم وعرضها 17 سم وسمكها 5 سم. أما "إدا 2" فطولها 18 سم، وعرضها 15 سم وسمكها 5 سم. وأكبر هذه المنحوتات الحجرية فهي "إدا 3" التي يبلغ طولها 35 سم وعرضها 27 سم وسمكها 12 سم. يظهر في "إدا 1" رسم فيه شخصان يبدوان وكأنهما يركضان والشمس فوقهما (دائرة ذات هذب مخطوطة بشكل حلزوني نحو الخارج). أما "إدا 2" فيظهر فيه شخص واحد فقط وما يبدو على أنه "شمس" من فوقه. أما "إدا 3" فيبين شخصا واحدا إلى جانب ثورين على الأرجح، وتظهر الشمس مرة أخرى في أعلى الصورة يبدو أسفلها ما يمكن تأويله على أنه كتلة من النور ذات أشعة مرتفعة نحو الأعلى. لاحظ مكتشفو منحوتات إدا وكازّو أن "كرة الضوء" ذات الهذب المتجهة نحو الأعلى تشبه في شكلها صور المذنّبات التي وجدت في منحوتات Toca do Cosmos في البرازيل، و Fouriesburg في إفريقيا الجنوبية. كما سجلوا بأن شهود عيان أكدوا أن المذنبات التي سقطت في منطقة طاطا سنة 2011 كانت تبدو ككرة من لهيب مشتعل يتبعه غبار ونار. فاستنتجوا من خلال هذه الملاحظات أن ما يبدو في منحوتات إدا وكازو على أنه كرة شمسية ذات أشعة تتحرك بشكل قوي نحو الأعلى هو ربما تأريخ الإنسان الذي كان يعيش في المنطقة لسقوط أحد المذنبات بها. شهادة نص مكتوب إلا أن من خصائص منحوت إدا 3 (وهو أكبر المنحوتات الثلاثة) أنه يتضمن نصا مكتوبا بخط تيفيناغ اعتبره مكتشفو المنحوتات قديما جدا مدوّنا بلغة أمازيغية مكتوبة بخطها تيفيناغ يصعب فهمها لما عليه من القدم. لذلك، فهم فضلوا عدم قراءة رسومات المنحوت على ضوء ما يتضمنه النص، ووعدوا بالعودة للنص في وقت لاحق. هل يمكن فهم نص إدا 3؟ سأبين في ما يلي أن نص إدا 3 قابل للقراءة والفهم إذا ما انطلقنا من فهم علمي لنوعية خط تيفيناغ المستعمل في كتابته. سأبين أيضا أن هذا النص هو عبارة عن بيت شعري قديم ينسجم معناه بشكل كامل وسلس مع ما يُشاهد في رسومات المنحوتات ويكشف بشكل و اضح عن بعض مظاهر تطور اللغة الأمازيغية عبر التاريخ. لذلك سأستنتج أن تحليل مكتشفي منحوتات "إدا" قد جانب الصواب في محاولته لربط هذه الرسومات ب"سقوط المذنبات". كيف نفهم تيفيناغ القديمة؟ مر تطور ما نسميه اليوم بحرف "تيفيناغ" حسب الأنتروپولوجي Werner Pitchler صاحب كتاب Origin and development of the Libyco-Berber script (الذي نشر سنة 2007) بثلاث مراحل أساسية وهي: المرحلة القديمة: وهي المرحلة التي تمثلها منحوتات غرب المغرب (المعاصر)، ووهو المكان الذي اخترع فيه خط تيفيناغ حسب هذا الباحث. المرحلة الكلاسيكية: وهي المرحلة التي تمثلها المنحوتات المزدوجة اللغة (حيث تجد الأمازيغية إلى جوار الفينيقية)، وهذه تمثلها منحوتات مثل "دوڭا" في تونس. المرحلة الإنتقالية: من خصائص المرحلة الإنتقالية في تاريخ تيفيناغ ما يلي: 1 أنها بدأت تعرف ظهور ڭرافيمات (أي حروفا مكتوبة) تتكون من نقط متجاورة معوضة بذلك الخطوط المتوازية (كحرف الهاء المكون من ثلاث نقط متجاورة عموديا في نسخة الهوڭار والغات وأدرار) 2 أن الخطين المتوازيين اللذين يدلان على شبه الصامت /و/ في مسلة دوڭا بتونس عوضت بنقطتين متجاورتين اللتين نجدهما في تيفيناغ المعاصرة (ⵓ).ع 3 أن الڭرافيم المكون من ثلاث نقط متجاورة أفقيا (الذي يُقرأ غينا أو قافا) يظهر والڭرافيم المكون من ثلاث خطوط متوازية عموديا بدأ يختفي تدريجيا إلى أن يختفى بشكل كامل. (رغم أن العلماء ليسوا متيقنين من القيمة الصوتية لهذا الرمز وليسوا متيقنين مما إذا كان له نفس القيمة الصوتية للنقاط المتجاورة أفقيا)). 4 أن المتوالية المكونة من الڭرافيمات المشكلة من الخطوط الثلاثة المتوازية تتلوها دائرة تتلوها النقط الثلاثة المتجاورة أفقيا (من اليمين إلى اليسار) كانت سائدة في هذه المرحلة بشكل يجعلها من الخصائص المحددة لهاتة لها. سأسمي هذه المرحلة الإنتقالية التي تم بها تقريبا تشكل حرف تيفيناغ بمرحلة "تيفيناغ 3". ومن الخصائص القرائية لتيفيناغ 3 أنها مفهومة عند التوارڭ. لذلك فلا بد لكل من يرغب في فهم نصوص هذه المرحلة أن يفهمها على ضوء مختلف نسخ تيفيناغ كما كان يستعملها التوارڭيون. لذلك سأستعمل جدول الباحث الجزائري نبتي عمار (2007) الذي ضمنه 9 نسخ من نسخ حروف تيفيناغ التي يستطيع أن يفهمها التوارڭ وهي: الليبية الشرقية والليبية الغربية وتيفيناغ الصحراء والهوڭار والغات وأدرار وآير وإولمادن وتانسلمت. وعلى ضوئها سنحاول أن نفك شفرة إدا 3 وأن نفهم ما تتضمنه من معاني. Left Center Right Remove تحليل حروف إدا 3 يتكون نص إدا 3 من 24 حرفا (أو 26، إذا اعتبرنا الڭرافيم المكون من نقط متتالية أنه مكون من 3 نقط متتالية متبوعة بنقطة واحدة تدل على الصامت /a/) سنحللها واحدا واحدا على ضوء جدول نبتي عمار (2007)، متذكرين أن النص يقرأ من أسفل إلى أعلى. لنبدأ بالڭرافيم الأول في النص الذي هو V. يؤول هذا الڭرافيم صوتيا بالصوت /د/ في في أربع نسخ من تيفيناغ 3 وهي تانسلمت وإيولمدان وآير وأدرار. أما الڭرافيم ⴰ فهو يوجد في ثمانية تنويعات في قائمة نبتي عمار (2007)، مما يعني أنه ينطق /أ/ (/a/ في اللاتينية). والڭرافيم ‖‖ (بدون خط أفقي رابط بين الخطين العموديين كما في تيفيناغ المعاصرة) ينطق /ل/ في 9/8 من التنويعات من نسخ تيفيناغ المتضمنة في قائمة نبتي عمار (2007). لذلك فإن الكلمة الأولى في منقوشة "إدا 3" هي أقرب ما تكون ل ⴷⴰⵍ dalسنشرح معناها في تحليلنا المعجمي التركيبي في الجزء الموالي. الڭرافيم الرابع يشبه خطا أفقيا بنقطة في أسفل جانبه الأيسر. وبما أن حرف تيفيناغ القديم يتشكل من خطوط ودوائر، فإن تقعيره على مستوى الوسط يبدو غير مقصود (ربما خطأ بسيط في النحث). ومع هذا فإننا لم نجد مقابلا لهذا الشكل في جدول نبتي عمار (2007). لذلك فإن أقرب الڭرافيمات له في تيفيناغ القديمة هو ذاك الذي يعبر عن الصوت /g/ يتكون من خط مستقيم بنقطتين إثنتين في أسفله، واحدة على اليمين والثانية على اليسار، كان يستعمل في نسخة "آير". هناك أيضا ما يشبه هذا الڭرافيم وهو ڭرافيم يعبر عن نفس الصوت /g/ لا يختلف عن ڭاف "آير" إلا في كونه يستعمل نقطتين في أعلى الخط المستقيم لا في أسفله. وإذا صح ترجيحنا فإن الڭرافيم الرابع في "إدا 3" هو /g/. الڭرافيم الخامس هو نفس الڭرايفيم الأول الذي يؤول صوتيا ب /د/. الڭرافيم السادس لا يثير أية إشكالات، فهو بدون شك يشير إلى الصوت /ه/ لأن 6 من 9 ڭرافيمات مطابقة (بأربعة نقط متتالية بشكل أفقي) في جدول نبتي عمار (2007) تدل على هذا الصوت. فرغم أن الرمز الدال على "ياغ" (الصوت الحلقي الإحتكاكي المجهور) يعبر عنه بنفس الرمز في بعض نسخ تيفيناغ 3 (وهي نسخ الهوڭار والغات وآير)، فإن التحليل المعجمي التركيبي سيبين أن قراءة الرمز على أنه "ياه" (وليس "ياغ") هي قراءة منسجمة وطبيعية إلى حد بعيد. الڭرافيم السابع قد يثير، إذا لم يفهم بشكل جيد، بعض الإشكاليات الوهمية. فهو يشبه حرف "ياك" الذي يرمز للصوت /ك/ في تيفيناغ المعاصرة. وبما أن هذا الڭرافيم لا يوجد أصلا في تيفيناغ 3 أو في المراحل السابقة عليها، قد يُستنتج أن نص "دا 3" ليس قديما أو أنه مزور، على عكس ما أكده مكتشفو لوحات "ادا 1، 2، 3". إلا التحليل الدقيق سيكشف لنا على معطى آخر مهم وهو أن تيفيناغ 3 لا تتوفر على الڭرافيم المعبر عن المقابل المفخّم ل"ياد" الذي يرمز للصوت /D/ (مثل الضاد في العربية) رغم أن هذا الصوت من فونيمات الأمازيغية (في حقبة تيفيناغ 3). لذلك فإن كاتب نص إدا 3 اقتبس حرف "داليت" من الفينيقية (الذي يشبه الڭرافيم السابع في نص "إدا 3") لتخصيص شكل رمزي مميز للصوت /D/. وسنبين في تحليلنا المعجمي التركيبي أدناه أن قراءة هذا الرمز بصفته معبرا عن الصوت /D/ ينسجم مع المعطيات اللسانية للأمازيغية والتمثيل الدلالي للنص نفسه. الڭرافيم الثامن ⴰ هو /a/ لا إشكال في ذلك. وx تُقرأ /t/ في جميع نسخ تيفيناغ بلا استثناء. الڭرافيم العاشر ⵙ يُقرأ /s / في 7 من 9 نسخ في قوائم نبتي عمار (2007)، والڭرافيم الحادي عشر لا يوجد إلا في نسخة أدرار يعبر عن الصوت / ʃ /. الڭرافيم الثاني عشر ⵣ يُقرأ زايا مفخمة في 4 نسخ من تيفيناغ 3 (وهي الغات وإولمدان وآير)، ويقرأ زايا مفخمة نسختين اثنتين (هما الهوڭار وآير). لذلك فإن قراءة الصوت ملتبسة، ولكن التحليل المعجمي والإيتيمولوجي، كما سأبين، يفضل "ياز" المفخمة. الڭرافيم الثالث عشر ⴰ يعبر عن الصوت /a/ لا إشكال في ذلك، والرابع عشر (الذي يؤخذ شكل خط مستقيم) يُقرأ /n/ في 9 من 10 نسخ في قوائم نابت لذلك فلا شك في قيمته الصوتية. الڭرافيمان الوحيدان اللذان يحتاجان للتعليق في الجملة الثانية في نص ”إيدا 3“ هما الڭرافيم الخامس عشر (الأول والثامن في الجملة الثانية) والڭرافيم 21 (السابع في الجملة الثانية). الڭرافيم 21 لا يثير إشكالات لأنه يستعمل في ثلاث نسخ من تيفيناغ 3 وهي الهوڭار والغات وأدرار ويرمز دائما للصائت /u/. الڭرافيم 15 يثير إشكالية حقيقية (قابلة للحل في نظرنا) وهي أنه لا يوجد بشكله داخل نص "إدا 3" في أي نسخة من نسخ تيفيناغ 3. لكننا إذا علمنا أن الصوت /w/ يعبر عنه بخطين مستقيمين متوازيين على الأقل في النسخة الصحراوية لتيفيناغ 3، وبمستقيمين متوازيين أفقيين على الأقل في نسختين اثنتين (الليبية الشرقية والليبية الغربية)، وأن الخطيين المتوازيين جاء ا ليعوضا ⵓ تمييز للواو عن الصامت /w/، فإن الأرجح أن الڭرافيم 15 هو نفسه حرف الواو في تيفيناغ 3 بعد أن أضيف إليه خط أفقي يربط الخطين العموديين من أعلى. التحليل المعجمي التركيبي ينسجم مع هذه القراءة بشكل شبه كامل كما سنرى فيما بعد. تحليل كلمات إدا 3 يمكن تحليل نص "إدا 3" بشكل طبيعي وفي إطار قراءة منسجمة دلاليا إذا ميزنا داخله ثلاث كلمات (مفردات قد تكون معقدة مرفولوجيا)، وهي: dal - gd - hD - at - sʃzran/w - hn - tfauwt و في ما يلي تحليل معجمي تركيبي إيتيمولوجي لكل كلمة من هذه الكلمات: الكلمة dal: اسم، مفعول به مقدم لفعل sʃzran (معناه، كما سنرى. هو "شاهدوا). لا يزال يستعمل هذا الإسم بمعنى "اللون الأسود" في ورغة، وهو المادة 83 في معجم الجذور الأمازيغية. هذا هو اللفظ الذي تشتق منه كثير من التنويعات الأمازيغية معانى "اللون الداكن"، و"الأخضر الداكن"، ومعنى "الغطاء". كلمة gd: حرف بمعنى "في". لا يزال هذا الحرف ينطق بنفس الشكل في تنويعات أمازيغية متعددة كأمازيغة الأطلس الكبير والجنوب الشرقي المغربي. تحول في بعض اللهجات الأمازيغية المعاصرة إلى / ɣ /، فنقول ⴴⵢⵉⴹ "غ ييض" بمعنى "في الليل". كلمة hD: الأرجح أنها تنطق /haD/ (إذ يمكن أن تكون النقطة الرابعة في الڭرافيم الثالث رمزا للصوت /a/)، وهي فضلة الحرف gd بمعنى "الليل". تنطق هذه الكلمة في الأمازيغية السوسية اليوم "ييض". ولا تزال تنطق كما في زمان "إدا 3" في الأمازيغية التوارڭية حيث نقول ehaD ⵉⵀⴰⴹ جمعها ehaDn ⵉⵀⴰⴹⵏ كلمة at : مصدري complementizer لاستصدار جملة مُبَأّرة، التاء تعود على dal. ويُستعمل المصدري في هذا السياق لتبئير معنى "الليل". فكأنما يقول الكاتب: "لعلك تعلم أن الناس قد شاهدوا الظلمة، ولكنك لا تدري أن الظلمة لم يرووها إلا ليلا!". فالرؤية معلومة، لكن كون الرؤية كانت ليلا لم يكن معلوما فوجب الإخبار به.“ كلمة sʃzran: واضح أن هذه الكلمة تعني هذه الكلمة "شاهدوا". لكن لماذا يسبقها الصوتان s و ʃ ("السين" "الشين") بهذا الترتيب؟ يمكن اكتشاف مفتاح الإجابة عن هذا السؤال في التطور التاريخي لهذا الفعل الدال على معنى "المشاهدة". فهو موجود في التشادية بصيغة č̣ar معناها "لاحظ" و"رعى"، تنطق في لغة الخوسا بصيغة c̣árè بنفس المعنى. وتضيف اللغات السامية إلى هذا الجذر حرف النون في بداية الكلمة لتصبح: naṣaru في الأكادية، و nṣr في الفينيقية، و nṭr في الآرامية، و nẓr في العربية. هذا يعني بوضوح أن أصل الزاي في sʃzran كان يتأرجح بين الشين والصاد والسين. فلربما كان هذا الصوت في أصله صوتا ممزوجا affricate عبر عنه كاتب إدا 3 باستعمال سلسلة من ثلاثة أصوات هي السين والشين والزاي جميعها. كلمة awa: مصدري يستعمل للتنبيه. تبرهن لنا المنقوشات التي اكتشفها ودرسها كل من محمد أغالي وجينين درووان (في دراسة صدرت عن Droz سنة 2007) أن المنقوشات المائة والتسعة التي جمعاها من الحدود النيجيرية المالية والتي تتضمن نصوصا تستعمل تيفيناغ من المرحلة الأخيرة لتشكل تيفيناغ حسب تحديد Pitchlerر تبرهن هذه المنقوشات عن استعمال واسع لعبارة wnk التي تُقرأ awa nak (معناها ”ها أنذا“) من ذلك النصوص التالية: awa näk erégh Foni eregh Ama (المنقوش رقم 56) ها إني أحب فونا، وأحب أما! awa näk Ahara eghrâsa Khulu : ceci moi Ahara (المنقوش رقم 79). "ها أنذا هارا (اسم شخص)، أجتاز خولو (اسم مكان(" awa näk Khuru Sughi (a) irasän s Anes (المنقوش رقم 86). "ها أنذا سوغي (ابن) خورو متجه إلى أناس (اسم مكان)" هذا يعني أن استعمال awa في صدر الكلام للتنبيه أو خلق تأثير آخر كان أمرا سائدا في هذه المرحلة من تطور أساليب التعبير الأمازيغية. يختلف نص إيدا 3 عن منقوشات أغالي وجينين في كونه يستعمل أداة الإشارة ⵀⴰⵏ han بدل ضمير المتكلم ⵏⴰⴽ nak الكلمة han: اسم إشارة. لا تزال تستعمل في الأمازيغية السوسية اليوم للإشارة (كقولك: ⵀⴰⵏ ⴰⵏⵉⵔ ⵎⴰⵏⵉ ⴿ ⵉⵜⵜⵀⴹⴰⵔ هوذا أنير يلعب هناك)، والتأكيد (كقولك: ⵀⴰⵏ ⵓⴼⵉⴴⵜ "إني إني وجدته"). الكلمة tfawt : مشار إليه. فقد تطورت المادة المعجمية ⴰⴼⴰ أفا التي تعني في لهجة أهاڭّار “النور” عن مفتاح أساسي لفهم الإنسان الأمازيغي لمعنى ”حضور موضوع أمام ذات“. ففعل ⵉⵙⵙⵉⴼ ئسّيف مشتق من نفس جذر “أفا” ومعناه “إيجاد الشيء أو إخراجه إلى الوجود” (معجم شفيق: 391). ومن هنا فعل “ئسّيفغ” (كما في قولك: ⵙⵙⵉⴼⵖ ⵉ ⴱⴰⴱⴰⴽ ⵜⴰⴼⵓⵏⵙⴰⵜ ⵏⵏⴻⵙ “سّيفغ ئباباك تافوناست نس” الذي معناه “أخرج البقرة لأبيك”). فالغين مزيدة كما الكاف في ⵜⴰⴼⵓⴽⵜ تافوكت أي “الشمس”. لذلك فإن الأصل في حضور الذات في الأمازيغية ”ظهور النور“ أي ⴰⴼⴰ أفا، أضافت إليها بعض اللهجات ما يدل على التأنيث فصارت ⵜⴰⴼⴰⵜ ”ثافاث“ كما في لهجات غدامس وزواوة وبوجي. كما زيدت عليها الكاف لتصبح دالة على الشمس، أي النور الأكبر في فهم القدماء، فصارت ⵜⴰⴼⵓⴽⵜ تافوكت و ⵜⵓⴼⵓⴽⵜ توفوكت” في لهجات متعددة. لذلك أيضا فإن ”الغد“ و”الصباح في بعض اللهجات يقال له ”توفات“. لذلك فإما أن نفهم كلمة tfawt على أنها تعني "الشمس" أو "النور" أو أنها ملتبسة بين المعنيين، خصوصا وأن الشمس في رسومات "إدا" تبدو كالعين وأشعتها كرموش العين. فلعل الإنسان الأمازيغي القديم كان ينظر للشمس بصفتها "عينا للنور" حقيقتها ما يصدر عنها من نور. تحليل نتحليل نصي بلاغي لنص إدا 3 يتكون نص إدا 3 من جملتين متكاملتين. تبتدأ الأولى بالإسم الدال على الظلمة dal، وتنتهي الثانية بالإسم الدال على النور tfauwt تبتدأ الثانية بحرف يقترن بالرؤية han (فهم اسم إشارة)، وينتهي الأول بالفعل الدال على الرؤية sjzran لذلك فإن النصين يشكلان نوعا من التناسب البلاغي المتقاطع يعرف في البلاغة الكلاسيكية ب"الكياسموس" chiasmus تكون محصلته النهائية أن النص يبتدأ بذكر الظلام وينتهي بذكر النور. تتكون كل جملة من الجملتين من خمسة مقاطع تذركنا بأحد أوزان الشعر السوسي كما في قول الشاعر: ⴰⵎⴰⵔⴳ ⵉⵛⴷⴷⴰⵏ ⴰⵢⵍⴰ amarg ichddan ayla ⵢⴰⵏ ⵢⴰⴳⴳⵓⴳⵏ ⵡⵉⵏⵙⵜ yan yaggugn winst معناه: ما أعظم آلام وأشواق من بعُد عن حبيبه فيسهل قياس البنية العروضية لهذا النص على نص "إدا 3". لذلك يمكن أن نستنتج بشيء من اليقين أن نص (إدا 3) بيت شعري قد تكون ترجمته المكافئة بالعربية: الظلمة في الليل شوهِدت وهوذا النور الآن قد حلَّ وبالإنجليزية: Darkness at night was seen Behold, Light now shines out! خلاصة إذا صح تحليلنا لنص إدا 3، فإنه بيت شعري معناه بالعربية هو: "الظلمة في الليل شوهِدت .. وهوذا النور الآن قد حلَّ". و بالتالي فإن مشهد الكرة الملتهبة ذات الأهذاب الصاعدة في المنحوت لا علاقة لها بسقوط المذنبات بل هو تمثيل لشروق الشمس صباحا وقد أوحت لإنسان أمازيغي بزوال الظلمة وانتصار النور بظهور الشمس فجرا. وعليه فإن نص إدا 3 هو أقدم بيت شعري أمازيغي نعرفه لحد اليوم. [email protected]