موسمُ العودة إلى دمشق قد بدأ. ومع انسحابِ القوات الأمريكية من الأراضي السورية بادرَت دول عربية إلى اقتراحِ وإرسالِ وفود دبلوماسية لملء الفراغ الذِي كانَ سبَّاقاً إلى دفْع الإمارات والبحرين، والأردن أيضا، صوب إعادة فتحِ سفاراتها عقبَ خمس سنوات من الجفاء والقطيعة الدبلوماسيتين. ومن هنا تساءل الكثيرون ما إذا كان المغرب سيقدم على خطوة مُشابهة. وقبلَ ذلك نقلَ تلفزيون "الميادين" أنَّ "السعودية أبلغت بعض عواصم الدول العربية أن لا مانع لديها من عودة سوريا إلى مقعدها في جامعة الدول العربية". ويأتي هذا في وقتِ أعلنت فيه الإمارات والبحرين أنهما يسيرانِ في اتجاه الموقف الدولي الهادف إلى إعادة الحياة إلى دمشق. وكانت المملكة المغربية قد قطعَت علاقاتها الدبلوماسية مع نظام الأسد في صيف 2012 بعدما قرَّرَت طرد السفير السوري المعتمد في الرباط، باعتباره "شخصا غير مرغوب فيه"، منتقداة بقوة الوضع في سوريا الذي "لا يمكن أن يستمر على ما هو عليه"، وفق الموقف الرسمي وقتها. وقال الباحث والإعلامي مصطفى الطوسة إن "تغيير المعادلة الدولية الدبلوماسية تجاه سوريا بانسحاب الأمريكيين من سوريا وعودة تيَّار التطبيع العربي مع دمشق، يفرض على الدبلوماسية المغربية مقاربة جديدة يصعب عليها أن تظلَّ بعيدة عن هذا الحراك الدبلوماسي حول دمشق، وقد تنضم إلى باقي الدول العربية التي تطالب بعودة سوريا نظام الأسد إلى حضن العائلة العربية". وأضاف الإعلامي المقيم في باريس، في تصريح لهسبريس، أن "هذا لا يعني أن المغرب يوافقُ ويصادق على السياسية التي اتبعها بشار الأسد ضد المعارضة والشعب السوري"، مشيراً إلى أن "هناك انتقادات واضحة عبرت عنها الدبلوماسية المغربية والعالمية تجاه هذه المقاربة؛ غير أن هناكَ موازين قوى جديدة الآن تفرضُ تعاملاً ديبلوماسيا جديداً، وقد يُترجم ذلك بخطوات دبلوماسية اقتصادية تُعيد الحرارة إلى العلاقات بين دمشقوالرباط". العودة إلى دمشق على المستوى الدبلوماسي، بحسب الطوسة، "لا يمكن أن يوازيها جمودٌ مغربي، والمغرب لا يجبُ أن يظلَّ معزولاً عن هذه الحركة العالمية، وسيكونُ من الطبيعي وليسَ من المفاجئ أن تعاد الروح والحرارة إلى العلاقات المغربية السورية". من جهة أخرى، يرى الطوسة أن "هذا الواقع الجديد سيفرضُ حيثياته على الدبلوماسية المغربية لسببٍ بسيط هو أنه إذا نظرنا إلى خريطة التحالفات العربية والنشاط الدبلوماسي العربي، لا وجودَ لبلد يمكن أن يبقى معزولاً وينأى بنفسه عن هذا الحراك". وأضاف أن "مصر السيسي لها علاقات قوية مع نظام الأسد، ودول الخليج تُغيّر توجهاتها الدبلوماسية، ودول المغرب العربي كلها أصبحت مستعدة للتعامل مع بشار الأسد انطلاقا من واقع استراتيجي وعسكري أنه بفضل حلفائه الروس والإيرانيين ربح المعركة ضدَّ داعش والمعارضة المسلحة". ووفقا لتصريحات المحلل السياسي ذاته، فليس من المفاجئ أن ينضم المغرب إلى هذه الحركة التي تهدف إلى احتواء سوريا وإعادتها إلى حاضنتها الطبيعية والاستمرار في محاولة تضييق الخناق على القبضة الروسية الإيرانية على نظام الأسد، لأنَّ "الغياب ليس منطقيا والحضور قد يكون فيه مصادقة على نظام الأسد لكن فيه محاولات لاستقطابه من أجل اتباع سياسية أقل عنفاً تجاه الشعب السوري". وأبرز الإعلامي المقيم بفرنسا عنصرا آخر يدخلُ ضمن محفزات الدبلوماسية المغربية لإعادة النظر في علاقتها مع سوريا، يتمثل في أن "الكل له مصلحة حيوية في إنهاء الأزمة السورية، لأن ذلك تسبَّب في عملية نزوح قوية، فالمهاجرون السوريون تدفقوا على بلدان المغرب العربي وشكلوا عبئاً اقتصادياً وأخلاقياً على هذه المجتمعات". وتوقع الطوسة، في ختام تصريحه لجريدة هسبريس الإلكترونية، "أن تعود الأمور ولو شكلياً إلى طبيعتها"، معتبرا أن ذلك "سيسمح للنازحين بالعودة إلى بيوتهم ومناطقهم، وهذا انتصار مرحلي على تداعيات الأزمة"، وفق تعبيره.