بعد سنوات عديدة من العزلة جراء الحرب في سوريا، مدت عدة دول عربية أيديها من جديد إلى الرئيس السوري بشار الأسد، مانحة إياه شرعية مجددة، مما يمكن أن ينعكس في إعادة حكومته إلى جامعة الدول العربية. وقررت الإمارات إعادة فتح سفارتها في دمشق في 27 ديسمبر الماضي، بعد سبعة أعوام من إغلاقها. كما تدرس استئناف الرحلات الجوية إلى دمشق، التي زارها الرئيس السوداني عمر البشير في منتصف الشهر نفسه، ليصبح بذلك أول رئيس عربي يقوم بمثل هذه الزيارة منذ اندلاع الأزمة مطلع 2011. وفي تصريحات ل"إفي"، قالت مسؤولة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في معهد "تشاتام هاوس" البريطاني، لينا الخطيب، إن هذه التحركات تأتي في ظل "شرق أوسط مستقطب بشكل متزايد بين معسكر مؤيد لإيران وآخر مناهض لها". ووفقا للخبيرة ذاتها، فإن سوريا والسودان تقعان في نطاق النفوذ الإيراني، وتعتبران شاهدتين على "التقارب المتنامي بين الأنظمة التي تتمتع بعلاقات جيدة مع إيران"، بينما تشاهد الإمارات ودول أخرى في الخليج كيف أن "سوريا آخذة في الضياع (من المعسكر العربي) لصالح إيران" العدو التقليدي للسعودية وملكيات سنية أخرى. ولدى إعادة فتح سفارتها بدمشق، أبرزت الإمارات، في بيان، استعدادها "لإعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين إلى مسارها الطبيعي"، بهدف "منع التدخلات الإقليمية في الشؤون السورية". وبعد يوم واحد من خطوة الإمارات، أعلنت البحرين، أيضا، استئناف العمليات في سفارتها بدمشق، حيث لم يكن العمل الدبلوماسي متوقفا، رغم إغلاقها عام 2011، وتم فقط خفض مستوى التمثيل الدبلوماسي في البعثة، حسب بيان لها. وأكدت المنامة رغبتها في مواصلة العلاقات مع سوريا "للحفاظ على استقلال وسيادة ووحدة أراضي" البلد العربي، حيث تتدخل روسيا وتركيا وإيران عسكريا، بالإضافة إلى التحالف الدولي الذي تقوده الولاياتالمتحدة. وتشير الخطيب إلى أن الدول العربية في الخليج تحاول "إخراج سوريا من دائرة النفوذ الإيراني وإضعاف علاقتها مع إيران"، عبر إيجاد تحالف جديد قد يضم روسيا، لكنها تعتقد أن نجاحه غير مضمون على المدى البعيد. وأضافت: "سيحاول الأسد الحفاظ على حالة من التوازن" بين شركائه، وفي المقام الأول تأتي إيرانوروسيا، اللتان كانتا داعميه الأساسيين على الصعيدين السياسي والعسكري خلال الحرب. وقالت الخطيب إن "الأسد سيكون الرابح الرئيسي وسيستفيد من الجانبين، بالحفاظ على العلاقات مع إيران، وإعادة الصلات مع الخليج"، مما يمكن أن يسهم في حصوله على الأموال اللازمة لإعادة إعمار البلد المدمر بعد سنوات من الحرب. واستطردت قائلة: "استعادة الشرعية بالنسبة إلى الأسد في العالم العربي" سيعني دعما سياسيا واقتصاديا، مما شأنه أن "يؤمن وضعه" على رأس السلطة في سوريا، بعدما كانت عدة حكومات في المنطقة تطالب مرارا وتكرارا برحيله خلال السنوات الماضية. ويمكن لجامعة الدول العربية دراسة إعادة سوريا من جديد إلى حاضنتها في قمتها المرتقبة في بيروت خلال 20 يناير الجاري، بعدما كانت قد علقت عضويتها في نوفمبر 2011. من جانبه، أكد السفير الدائم للسودان لدى الجامعة العربية التي يقع مقرها بالقاهرة، عبد المحمود عبد الحليم، ل"إفي" أن العديد من الدول الأعضاء تؤيد عودة سوريا إلى المنظمة الإقليمية، ومن بينها السودان، الذي أظهر دعمه المفتوح للأسد. وقام البشير بزيارة مفاجئة وخاطفة، تم الإعلان عنها لاحقا، إلى نظيره السوري في دمشق، حيث أعرب عن أمله في أن "تستعيد سوريا موقعها في المنطقة بأسرع ما يمكن"، وأن يتمكن شعبها من "تقرير مستقبله بنفسه بعيدا عن التدخل الخارجي". وفي هذه الأثناء، ترى المعارضة السورية أن القبول التدريجي ببقاء الأسد في السلطة ينهي آمالها الأخيرة في تغيير النظام أو التحول الديمقراطي. وقالت ديما موسى، نائبة رئيس الائتلاف الوطني السوري لقوى الثورة والمعارضة، التحالف الرئيسي للمعارضة، في بيان، إن إعادة العلاقات مع نظام الأسد "لن يخدم سوى حلفائها، خاصة إيران". وأردفت "كنا نحظى بالدعم العربي الأخلاقي والإنساني المتواصل لشعبنا". وفي هذا الصدد، ذكرت موسى أن أسباب طرد سوريا من الجامعة العربية وسحب السفراء من دمشق لا تزال قائمة حتى الآن، موضحة أنها تعني قمع الحكومة للشعب السوري. *إفي