بعد أقل من أسبوع من انعقاد الدائرة المستديرة التي دعا إليها الممثل الشخصي للأمين العام المعني بالصحراء، أعلن مستشار الأمن القومي الأمريكي، جون بولتون، خطة الإدارة الأمريكية في إفريقيا لمواجهة الخطر الذي تشكله كل من الصين وروسيا على المصالح الأمريكية. ولعل اللافت في ما تضمنته خطة بولتون هو نية الإدارة الأمريكية وقف تمويلها لعمليات الأممالمتحدة لحفظ السلام التي طال أمدها، والتي لم تنجح في تحقيق الأهداف المتوخاة منها. وفي هذا الصدد كان لافتاً أن يخصص المسؤول الأمريكي أكثر من 5 دقائق من حديثه للنزاع حول الصحراء ولفشل بعثة المينورسو في تحقيق هدفها ووضع حد لهذا النزاع. وفي معرض حديثه عن هذا الموضوع، عبر بولتون عن خيبة أمله من أداء "المينورسو" ومن فشل مجلس الأمن في التوصل إلى حل للنزاع بنفس النبرة التي استعملها في مذكراته التي نشرها قبل عشر سنوات، والتي كان قد انتقد فيها بشكل شديد فشل الأممالمتحدة في التفكير في صيغة من شأنها مساعدة الأطراف على إنهاء النزاع. وقد أوضح المسؤول الأمريكي في مداخلته أمام الحاضرين في مركز الأبحاث المحافظ Heritage Foundation عن عزم الإدارة الأمريكية الحالية القطيعة مع تلكؤ الأممالمتحدة في إنهاء النزاعات الموجودة على أجندتها، وغياب أي إرادة سياسية قوية من طرف مجلس الأمن لإيجاد مقاربة مبتكرة لتعبيد الطريق للتوصل إلى حل نهائي لهذا النزاع. وقد تبين عزم الإدارة الأمريكية المضي قدما في كسر الجمود الذي طبع طريقة تعامل الأممالمتحدة مع هذا النزاع حينما قال بولتون إن السبب الرئيسي الذي دفع الولاياتالمتحدة إلى التأكيد على ضرورة تجديد ولاية المينورسو لمدة ستة أشهر فقط هو توجيه رسالة واضحة إلى أطراف النزاع ومجلس الأمن بأن الولاياتالمتحدة لن تقبل باستمرار إدارة الأممالمتحدة لهذا النزاع بنفس المقاربة دون تحديد الهدف من المساعي الأممية. بناءً على النبرة التي استعملها المسؤول الأمريكي خلال حديثه عن النزاع والحيز المهم الذي أعطاه لهذا الملف خلال مداخلته، يبدو أنه سيتابع كل التفاصيل المتعلقة بالملف خلال الأسابيع والشهور القليلة القادمة، وسيعمل على تنفيذ خطته والضغط على مجلس الأمن وأطراف النزاع من أجل إظهار جدية وواقعية أكثر للتوصل إلى حل سياسي لهذا النزاع. ومن ثم فعلى الدبلوماسية المغربية أن تكون في حالة تأهب وتعبئة منقطعة النظير لتفادي وقوع أي تطور من شأنه أن ينسف الجهود التي قامت بها خلال السنوات القليلة القادمة لخلق ديناميكية تميل شيئا ما نحو الطرح المغربي. فلا شك أن جون بولتون سيعمل على تنفيذ ما فشل في تنفيذه حينما كان مساعداً للمبعوث الأممي السابق جيمس بيكر، أو حينما كان سفيراً للولايات المتحدة لدى الأممالمتحدة خلال الفترة ما بين 2005 و2006؛ وقد عبر في مذكراته وفي العديد من المناسبات عن استيائه وتذمره لكون بيروقراطية وزارة الخارجية الأمريكية وقفت أمامه حينئذ، وحالت دون قيامه بالضغط على أطراف النزاع من أجل التوصل إلى حل نهائي للنزاع. إن تواجد بولتون في منصب مستشار الأمن القومي وقربه من الرئيس وتعامله اليومي معه يعطيه صلاحيات وسلطة لم يكن يتمتع بها من قبل من أجل اتخاذ قرارات تتماشى مع مواقفه والمبادئ التي يؤمن بها. فالمسؤول الأمريكي معروف بصلابته وبالتمسك بمواقفه وبالحرص على ترجمتها إلى سياسات وقرارات واقعية على الأرض؛ ولعل هذا هو العامل الرئيسي الذي أخذته الجزائر في عين الاعتبار حينما قامت بالتعاقد مع شركة العلاقات العامة David Consulting المملوكة لمؤسسها David Keene، الذي يعتبر من بين الأصدقاء المقربين لجون بولتون. بل الأكثر من ذلك أن بولتون كان هو السبب في تعرف هذه الشخصية على الجزائر قبل زهاء عقدين من الزمن ووراء اهتمامه بقضية الصحراء. وبالنظر إلى العلاقة القائمة بين بولتون وديفيد كين، ولتوافق الرؤى بينهما بخصوص هذا النزاع، فلا شك أن المساعي التي قام بها الأخير كين منذ تعاقده مع الجزائر يوم 1 نونبر الماضي كان لها الأثر الكبير على محتوى الخطاب الذي ألقاه المسؤول الأمريكي في مركز الأبحاث Heritage Foundation. وقد كان لافتاً أن يستعمل بولتون مصطلح الاستفتاء خلال الحديث عن الموضوع، مع العلم أن مجلس الأمن بدأ تدريجيا في تجاوز هذا المفهوم منذ بدء العملية السياسية. وإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على عزم الجزائر والبوليساريو على إرجاع الأمور إلى نقطة الصفر ودفع مجلس الأمن مرة أخرى إلى التسليم بأن مبدأ تقرير المصير بالمفهوم الذي تروج له الجزائر والبوليساريو يظل من الخيارات الممكنة للتوصل إلى حل لهذا النزاع. ضرورة التقرب من وزير الخارجية مايك بومبيو بناءً على ذلك، ينبغي للمغرب التحرك بسرعة من أجل إجهاض كل الجهود التي تقوم بها الجزائر من أجل تقويض العملية السياسية والنأي بنفسها عن أي مسؤولية في النزاع. كما ينبغي للمغرب إعادة النظر في شركات العلاقات العامة التي يتعامل معها من أجل مساعدته على التأثير على الإدارة الأمريكية وبحث مدى قدرتها على إيصال محتوى الموقف المغربي للمسؤولين الأمريكيين. إنما قامت به الجزائر مؤخراً من تعاقد مع أقرب المقربين من مستشار الأمن القومي يحتم على المغرب التعامل بالمثل والتفكير في التعاقد مع إحدى الشركات المملوكة لمقربين من وزير الخارجية مايك بومبيو. فإذا كان مستشار الأمن القومي يحظى بنفوذ كبير داخل الإدارة الأمريكية، فإن وزير الخارجية مايك بومبيو يعتبر كذلك من بين أكثر الشخصيات السياسية التي تتمتع بثقة الرئيس الأمريكي. فمن شأن التقرب من وزير الخارجية الأمريكي خلق نوع من التوازن داخل الإدارة الأمريكية بخصوص المغرب، وسيدفع بها إلى عدم اتخاذ أي قرارات من شأنها أن تعصف بالعلاقات الثنائية التي تجمع بين المغرب والولاياتالمتحدة. إننا لا نحتاج في هذه الفترة بالذات إلى أمريكيين يرددون المقولة الشهيرة إن المغرب هو أول دولة اعترفت بالولاياتالمتحدةالأمريكية، بل إلى شخصيات لها باع كبير ومعروفة بنفوذها داخل دواليب السياسة الخارجية في واشنطن، ومن شأنها أن تقنع مختلف الفاعلين داخل الإدارة الأمريكية بضرورة دعم الجهود السياسية التي قام بها المغرب والتنازلات التي قدمها منذ عام 2007 من أجل التوصل إلى حل سياسي لهذا النزاع، وبضرورة إشراك الجزائر كطرف رئيسي في أي حل. كما على المغرب التحرك أكثر من أي وقت مضى داخل أروقة غرفتي الكونغرس الأمريكي، خاصةً مجلس الشيوخ الذي لطالما عجز عن تحقيق أي اختراق له من أجل إقناع الأعضاء النافذين فيه بالموقف المغربي من النزاع. لا شك أن الشهور القليلة القادمة ستشهد منافسة غير مسبوقة بين المغرب والجزائر لكسب تعاطف لوبيات السياسة الخارجية في واشنطن، وستكون الغلبة لمن استطاع استعمال الأوراق التي يتوفر عليها بدهاء وواقعية للتأثير على صناع القرار الأمريكيين وعلى أعضاء الكونغرس. * مستشار دبلوماسي ورئيس تحرير Morocco World News