ما يجري في الضفة الغربية من مقاومة مسلحة وسلمية للاحتلال، وما يجري من مقاومة وصمود في غزة ورفض للمساومة على مبدأ المقاومة مقابل تحسين المستوى المعيشي للشعب... كل ذلك يؤكد أن جذوة المقاومة لم تخبُ وإن طمرتها المناكفات السياسية والحسابات السلطوية، وأن حسابات الشعب غير حسابات النخب السياسية، وأن المشكلة لا تكمن في الشعب وقدرته على العطاء؛ بل في النخب السياسية ومراهناتها وحساباتها المرتبكة والمأزومة. وحتى لا تتحول عمليات الضفة إلى موضوع جديد للخلاف وتؤجج حالة الانقسام نتمنى تحييدها عن الحسابات الحزبية الضيقة. كما نتمنى من السلطة الفلسطينية إدارة الموضوع بحكمة وبمنطلق وطني، خصوصا بعد أن قطعت إسرائيل والولايات المتحدة الطريق على أية تسوية سلمية مشرفة. إن أكبر مصيبة يمكن أن تحيق بالشعب الفلسطيني كآخر شعب يخضع للاحتلال أن تنزلق نخبه السياسية بعيدا عن حالة التحرر الوطني، ويتم المساومة، ولو تكتيكا، على الثوابت الوطنية وعلى دماء الشهداء التي سالت دفاعا عنها وعلى عذابات الأسرى والجرحى... من خلال إيهام الشعب بأن النخب تحقق انتصارات وإنجازات، ومن خلال (إستراتيجية الضعيف) التي تراهن على عطف وتأييد العالم بذريعة أن الشعب لا حول ولا قوة له في مواجهة الاحتلال، أو تحت عنوان الواقعية السياسية وكأن الشعب وقادة الثورة الأوائل لم يكونوا واقعيين، أو يتم التفريط بها تحت عنوان الوضع الإنساني في قطاع غزة وضرورة تلبية الاحتياجات المعيشية للشعب من كهرباء ورواتب وكأن القضية الفلسطينية مجرد مشكلة إنسانية، مشكلة جموع جائعة وفقيرة تبحث عن طعام وكهرباء وعمل ورواتب إلخ وليست قضية سياسية وحق تقرير مصير لشعب تعداده أكثر من 12 مليونا يناضل من أجل الحرية والاستقلال والعودة. على الرغم من استمرار حالات المقاومة المشرفة فإن ما يجري للقضية الفلسطينية في الفترة الأخيرة على يد النخب السياسية يشكل إهانة كبيرة للشعب الفلسطيني ولتاريخه وهويته وحقوقه السياسية ولسمعته في العالم، ما يجري من تحركات سياسية إرجاع للقضية إلى ما قبل ظهور المشروع الوطني والثورة الفلسطينية منتصف الستينيات كما يتعارض مع كل ما نادت به فصائل المقاومة المسلحة وما رفعت من شعارات وما دونته في مواثيقها ووثائقها. ما يجرى مع قيادة منظمة التحرير من تمسك بالحل السياسي دون إشراك الشعب وتوظيف مقاومته للاحتلال كورقة قوة على طاولة المفاوضات وعدم الحسم أو التلكؤ حتى الآن في العلاقة مع الاحتلال كما قرر المجلس المركزي في قراراته المتعاقبة، وما تقوم به حركة حماس تحت عنوان الهدنة أو إنجازات ما تسمى مسيرات العودة.. كل ذلك سيجهض ويقطع الطريق على العودة لحالة التحرر الوطني، وسيُعبد الطريق لتنفيذ مخطط إسرائيلي أمريكي لتصفية القضية بأيد عربية وإقليمية وربما فلسطينية، ولا فرق أن يكون التنفيذ بوعي وتواطؤ أو نتيجة جهل وعجز. عندما تصف واشنطن وتل أبيب المقاومة بالإرهاب فهذا لا يُعيب المقاومة؛ لأن المستعمرين والمحتلين يصفون دائما مقاومة الشعوب لهم بالإرهاب.. وعندما تطارد إسرائيل المقاومين وتعتقلهم وتعاقب الشعب لأنه يحمي المقاومة، فهذا شرف للمقاومة وللشعب ويؤكد على حق الشعب الفلسطيني بالمقاومة وبالتالي لا يُعيب المقاومة.. وعندما تتهم دول عربية المقاومة الفلسطينية بالإرهاب وتمتنع عن دعم المقاومين؛ فهذا لا يُعيب المقاومة؛ لأن الأنظمة العربية دائما تتخوف من انتشار روح المقاومة عند شعوبها، ولأن المقاومة الفلسطينية تكشف عورات الأنظمة العربية وتكشف تخاذلها عن القيام بواجبها القومي تجاه شعب تتحمل قدرا من المسؤولية عن نكبته. ما يُعيب المقاومة ويسيء إليها هو غياب الرؤية والفهم عند بعض الفصائل الفلسطينية في كيفية ممارسة المقاومة والهدف من ممارستها. إن العمليات الفدائية وأشكال المقاومة الأخرى في الضفة التي اعتقد كثيرون أن أهلنا هناك تخلوا عن المشروع الوطني واستكانوا للأمر الواقع والتعايش مع الاحتلال، هذه العمليات التي وجدت قبولا وترحيبا من قطاع كبير من الشعب تؤكد أن جذوة المقاومة لم تخبُ، وأن الشعب الفلسطيني لم يستسلم وأن المقاومة توحد الشعب بينما السلطة والصراع عليها تفرقه، ولو عدنا في الزمن إلى الوراء لرأينا كيف كان حال الشعب والمقاومة أثناء الانتفاضة الأولى وقبل تأسيس السلطة وكيف آل حالهما بعد السلطة، وكيف كان حال الشعب والمقاومة وحركة حماس قبل انقلاب حماس وتحولها لسلطة وكيف آل حالهم بعد ذلك. وأخيرا، نتمنى من النخب السياسية أن تهتبل فرصة استنهاض روح المقاومة لتعود إلى المراهنة على قدرة الشعب على المقاومة ولتكن المقاومة مدخلا للمصالحة والوحدة الوطنية، وخصوصا أن واشنطن تصنف حركة حماس وفصائل المقاومة كحركات إرهابية وإسرائيل تصنف الرئيس أبا مازن كإرهابي... هذه التهم، حتى وإن كانت تندرج في سياق الضغط والابتزاز السياسي للطرفين لتقديم مزيد من التنازلات، فإنها شرف لفصائل المقاومة وللرئيس أبو مازن. [email protected]