كانت الساعة تشير إلىالحادية عشر والنصف من ليلة الأحد الماضي ، شوارع القنيطرةخالية تماماإلا من بعض الكلاب الضالة وعدد قليلمنالمتسكعين ، لا أثر لأي سيارات أمن قد تمنحك الشعوربالإطمئنان، سيارات الأجرة الصغيرةأيضاً إختفت ، وحدي كنت أهرول على طول الشارع الاداري المؤدي الى الحي الجامعي هرولة هاجرما بين جبلي "الصفا والمروة".. الفرق بينناأنها كانت تهرول بحثا عن الماء وهرولتي كانت بحثا عن سيارة أجرة تقلني إلى المستشفى الإقليميبالمدينة، علىإثر إختناق صدري مفاجئ كان قد أصابني ليلتها وأُغلقت معه الشُعب التنفسية لرئتيإغلاقا محكما كحالالمنافد و السُبل عند مرور الموكب الملكي، مرت أكثر من عشرون دقيقة واناألقي ببصري هنا وهناك كزرقاء اليمامة ، مدة كدت افقد معها الامل في ايجاد طاكسي و الأمل في الحياةايضا ، لكن فجأة تشتعلالإشارة الضوئية الحمراء مرغمة سائقي احدى الطاكسيات على التوقف ، رغم انه كان يقل شخصين آخرين وكان يبدو أن وجهتهمغير وجهتي، فقد هرولت نحوه وطرقت زجاج السيارةالمغلق كأني متسول اعتاد التربص بالسيارات عند ممر الراجلين، رجوت السائق وتوسلته ثم اتفقنا على ان اركب معه الى حين ايصال الزبونين ثم يعود بي الى حيثوجهتي ، قبلت العرضمضطرا ما دام هو الحل الوحيد ، مرت علي دقائق تلك الرحلة القصيرة كساعات طوال بعدها عاد بي إلى المستشفى الإقليمي،مركز صحيهو الوحيد بمنطقة الغرب اشراردة بني احسن ،يقع داخل غابة مخيفةو مرعبة لطالما سمعناعن جرائم قتل بشعةكانت تقعبها ،طبعاقبل أن اكتشف بتلك الليلة البيضاءأن جرائمقتل أخرى كانتتقع كل يومعلى اسرةداكالمستشفى نفسهاما نتيجة الاهمال او سوء الرعاية في احسن الاحوال;وصلنا الى بوابته بعد رحلة دامت قرابة العشر دقائق وقبل أن نلج إلى الداخل ، سيدة في الثلاثينيات يبدو عليها التعب تلقي بنفسها امامنا ، تتوقف سيارة الاجرة من جديد ، استجمعت السيدة قواها الخائرة ثم اتجهت نحو باب السيارة الخلفي وصعدت وهي تئن وتبكي بكاءاً مع حشرجة متواصلةكحشرجة الإحتضار ، سائق الطاكسي سائلا اياها : مالكي ياك لا باس ؟..ردتبكلمات مختنقة:ولاد لحرام من السبعة ديال لعشية وانا ملاوحة حتى واحد ما داها في..اللي عندو لفلوس كيدوز وانا حيث ما عندي حد من غير الله بقيت ملاوحة حتال دابا عاد شافو في. "" تأسفنا لحالها ووعدها السائق بأن يعود بها الى بيتها ما ان يوصلني الى مدخل المركز الصحي ،و كدلك كانفعلا، نزلت من السيارة شاكرا السائق ومتمنيا الشفاء لتلك السيدة المسكينة ، عرجت الى الاستقبالات وكان المكان مكتظا بالمرضى ، تقدمت نحو احد المسؤولين قدمت له بطاقتيالوطنية ، وبعد أنسجلالمعلومات لديه بإحدى الدفاترأعطاني ورقة صغيرة مكتوب عليها رقم 1689 ، وأخيرا ولجت الى داخل المركز وصرت اتجول بين اقسامه المختلفة بحثا عن طبيبأو ممرض يقدم لي المساعدة ولم أكنطامعا طبعاًبغير أنبوب" أوكسجين "يعينني في التغلب على ضيقتنفسي ،كل الغرفمكتوب عليها قاعة الفحص والعلاج ولكن ولا واحدة منهاصالحة لا للفحصولا العلاج بل اغلبهاوجدتها اما مغلقة او خالية الا من مكتب خالي ايضا. جلست بإحدى الكراسي مستسلما ، وضعت يداي على صدري ثم سعلت سعالا جارحا في محاولة يائسة مني للتخفيف من الألم ، وقفت بعدها ثانية واتجهت نحو احدى الممرات فكان أن صادفت احدى الممرضات فاستفسرتها مُظهرا لها تلك الورقة التي تحوي الرقم 1689 : عافاك أ ختي عندي كريز فين نقدر نلقى شي طبيب اللي يشوفني ؟..فعلا دلتني على احدى الغرف التي دهبت اليها مسرعاوما إن وصلت دفعت بابها دون طرقه ثم دخلت فوجدت طبيبة تجلس على مكتبها يتدلى من على عنقها مجس للنبض يبدو انه كل ما توفر لها من أجهزة بداك المكتب، سألتني بعض الاسئلة ثم وضعت المجس على ظهري ،قبل أنتناولني هي الأخرىورقة تحمل طابعها وقالت لي سير يديرو ليك الاوكسجين ،انتقلت حيث كان نعتها لي فوجدت ممرضتين وطبيب بغرفة بها اربعة أسرة من النوع الرديىء جدا ، كل شيء بداك المستشفى كان يبدو مهترئا ، نظرات المرضى ، جُدرانه ، وجوه الاطباء والممرضين ، الأجهزةعلى قلتها ، وحين إستلقيت على "ا لبَاياص"شاهدتسقفا ندياً ،كان يبدو عليه آثار مياه ربمانفدتعبر السطحمتجاوزة الخرسانة و الطلاء لتشكل بالنهايةأشبه ما يكون بخارطة بؤس الى جانب تشققات أخرى كانت هي كل ما يؤنس عيون المرضى المستلقين علىبياصاتهم الضيقة. ظل الاوكسجين يتسرب عبر مسالكي التنفسية كسفينة تشق العباب غير آبهة بالأنواء ، وكنت كلماتحسست الانبوب بيديإكتشفت تسرباً آخر بجوانبه ، بقيت على دلك الحال قرابة الساعة الا ربع قبل ان تأتي الممرضة وتحقنني بإحدى الحقن ثم نزعت الانبوب عني وهي تقول: صافي نوض باراكا عليك ..جاء ردي اسرع من البرق متخدا شكل احتجاج..آش من باراكا..راني باقي مزير هادشي عندكم راه ما دار لي والو..ردت مرة أخرى إيوا بلاتي نجيب ليك واحد آخر..كان الأنبوب الدي احضرته يشبه داك الدي يضعونه للمرضى على افواههم بغرف العمليات وكان يصدر أزيزاً أزعج المريض الدي كان بجانبي والدي لم يكن غير رجل مسن قادم من مدينة مشرع بلقصيري ، يعاني من شلل نصفي ظل ابناؤه المرافقين له يحاولون طيلة الوقتتغيير وضعيةأنبوب المصل المتبث على احدى شرايينيده ،قبل أن أدير وجهي للجهة الاخرى بعدماسمعت احدهم يخاطب الرجل المسن : دور الحاج هادي واحد الكوشة " حَفاظة " غادي نديروها ليك.تأسفت لحاله الدي كان يدعو الى الشفقة وهو مُلقى به على " باياص" يكاد لا يسعقامتهوهو الرجل الفارع الطول ثم حمدت الله أن عافاني مما إبتلى به غيري وقمت من مكاني متفحصا تلك الآلة العجيبة التي ازعجتني وازعجت باقي المرضى معي ، وقعت عيني على إشارتيْ أون - أوف..وبدون تردد ضغطت على أوف..وتنهدت تنهيدةقصيرة أعقبتها بعبارةأوووفو آخ ايضاكون أن مثلهده البنائية المهترئةيدعونها مستشفى ترجلت من باياصي اللعين وتوجهت نحو الممرضة صافي أ ختي الله يجعل البركة ..واش ما كاينش شي دوا تعطيه لي ؟..ردت : ما كاين والو والله ..كانت عندنافُونطولينو سَالات حتى هي..سير عن الطبيبة تعطيك شي طريطمو تشريها من برا.. قصدت الطبيبة مرة أخرى وقضيت نصف ساعة اسأل عنها ..لكن لا اثر لها..إختفت ..كأن الارض انشقت وابتلعتها..لم أكن الوحيد الدي يبحث عنها بل كان هناك آخرون غيري..وظلت سيدة تتجول بين دهاليز المستعجلاتبقوى خائرة كأنها شبحقام للتو من قبره..كانتتتوسل كل المارين بمحاداتها..رجاءا أين هي.. ؟ ثم تخور قواها مرة اخرى قبل أن تنطق بكلمة طبيب.. رفيق الدرب عن مدونة خربشات مواطن أمي http://rafiq-adarb.maktoobblog.com/