على الطريق الوطنية رقم 10 الرابطة بين مدينتي أكاديروتارودانت، ووسط سهل سوس، تقع مدينة أولاد تايمة، حاضرة قبائل هوارة والمناطق المجاورة لها، التي شهدت خلال السنوات الأخيرة نموا ديمغرافيا واقتصاديا واجتماعيا أسهم فيه موقعها الاستراتيجي، وازدهار القطاع الفلاحي، فأضحت رقما صعبا في مجال إنتاج البواكر والحوامض وتصدريها، مما جعلها قبلة ليد عاملة مهمة في هذا القطاع فرضت إقبالا على مختلف الخدمات الأساسية؛ أبرزها الخدمة الصحية العمومية والثقافية. ساكنة مدينة "أولاد تايمة" وضواحيها تعاني من تردي الوضع الصحي، بسبب غياب الخدمات الصحية اللازمة والأجهزة الطبية الضرورية، وتضطر إلى التنقل نحو مدينتي تارودانتوأكادير بحثا عن الاستشفاء، وهو وضع وُصف ب"الكارثي" بفعل التهميش والإقصاء اللذين تغرق فيهما الساكنة المقدّرة بأزيد من 88 ألف نسمة، في الوقت الذي يشهد فيه المجال الثقافي طفرة نوعية أسهمت في انتعاش الحركة الثقافية بمختلف تجلياتها. الصحة عليلة محمد بلا، فاعل حقوقي بمدينة أولا تايمة، قال في تصريح لهسبريس إن "المنظومة الصحية في المغرب تعاني من اختلالات كبرى، من بينها تراجع الدولة عن دورها الأساسي في تقديم الخدمات الصحية للمواطنين؛ الشيء الذي يؤدي إلى استحواذ القطاع الخاص على هذا المجال، دون خضوعه للسياسة العمومية المتبعة، وهاجسه الأسمى هو تحقيق الربح". وطالب المتحدث الدولة ب"تهيئة الظروف المناسبة التي تتيح لكل فرد إمكانية التمتع بأكبر مستوى ممكن من الصحة، وتتراوح تلك الظروف بين ضمان الخدمات الصحية الملائمة، وظروف عمل صحية وملائمة، وقدر كاف من المساكن والأغذية، والحق في الصحة يتضمن أربعة عناصر تقاس بها السياسات العمومية في مجال الصحة، ومدى احترامها لهذا الحق وهي: التوافر، الإتاحة، عدم التمييز والمقبولية والجودة"، على حد قوله. وضع كارثي وأضاف بلاّ: "رغم أن الفصل 31 من دستور المملكة حث على أن تعمل الدولة والمؤسسات الترابية على تعبئة كل الوسائل المتاحة لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين، على قدم المساواة، من الحق في العلاج والعناية الصحية والحماية الاجتماعية والتغطية الصحية والتضامن التعاضدي أو المنظم من لدن الدولة، والحصول على الماء والعيش في بيئة سليمة، فإن واقع حال الحق في الصحة بمدينة أولاد تايمة شبه كارثي". وعن البنيات الصحية المتوفرة بالمدينة، قال المصدر ذاته: "هناك مستشفى محلي وثلاثة مستوصفات، المستوصف المركزي ومستوصف الصفاء بحي بوخريص ومستوصف بحي الشراردة، إلا أنها تشهد دائما اكتظاظا كبيرا للمرتفقين، بحيث يبلغ عدد سكان المدينة حوالي 88000 نسمة حسب الإحصاء الأخير، وخصوصا ما يعرفه المستشفى المحلي من ازدحام وإقبال كثيف من المرضى المحليين". ازدحام واكتظاظ "إن المستشفى المحلي بأولاد تايمة يفتقر إلى مرافق حقيقية مجهزة بمعدات طبية توفر الحد الأدنى من الخدمات الصحية للساكنة، مما يسبب في توجيه المرضى إلى المستشفى الإقليمي المختار السوسي بتارودانت، أو إلى المستشفى الجهوي الحسن الثاني بآكادير، بدعوى عدم وجود جهاز السكانير أو جهاز الفحص بالأشعة أو كونه معطلا أو غياب الطبيب وغير ذلك من الأعذار"، يقول محمد بلا. وأبرز أن قسم الولادة لا يتوفر على طبيبة جراحة في مجال التوليد، وجميع الحالات التي تستدعي تدخل الطبيب الجراح يتم إرسالها إلى المستشفيين سالفي الذكر أو المصحات الخاصة. أما بالنسبة لقسم الجراحة العامة، فيرى فيه المتحدث لهسبريس "الطامة الكبرى"، موردا أن معاناة المرضى مع هذا القسم تبدأ بإعطاء مواعيد تصل إلى عدة شهور، فضلا عن غياب تخصصات عدة. رحلات علاج مكلفة استقبال المستشفى المحلي لأولاد تايمة لساكنة الهوامش القروية المحيطة بها يزيد من تكلفة العلاج ورحلات البحث عن الاستشفاء بالنسبة إليهم، فضلا عن فرض ضغط على هذا المستشفى. وفي هذا الصدد، يقول الفاعل الحقوقي ذاته إن "واقع الحال يشير إلى معاناة فئة عريضة من المواطنات والمواطنين التابعين للجماعات القروية داخل نفوذ دائرة أولاد تايمة الذين يتوافدون على المستشفى المحلي بشكل يومي، بل الكثير منهم الذين تكون حالاتهم مستعجلة، يتم توجيههم إلى المستشفى الإقليمي، وهذا ما يؤدي إلى إثقال كاهل المعوزين وذوي الدخل المحدود، ويساهم في ارتفاع نصيب النفقات الذاتية من جيوب هذه الأسر، في ظل ضعف التمويل العمومي للصحة، وفي بعض الأحيان يتوفى المريض أو المصاب وهو في طريقه إلى المستشفى الإقليمي أو المستشفى الجهوي". معاناة مرضى "الدياليز" مرضى القصور الكلوي فئة عريضة منهم ماتزال تواجه مصيرها لوحدها في أولاد تايمة؛ إذ أبرز المتحدّث أن "مركز تصفية الدم بمدينة أولاد تايمة يحتوي على 22 سريرا و23 آلة لتصفية الدم، وتبلغ وطاقته الاستيعابية 100 مريض، يستفيد كل مريض من حصتين في الأسبوع، لكن هناك ما يزيد عن 60 مريضا تقريبا في لائحة الانتظار، علما أن تكاليف علاج القصور الكلوي باهضة الثمن، أضف إلى ذلك الخصاص الكبير في أكياس الدم، مما يزيد من معاناة المرضى بشرائها من مدينة آكادير، كما أن من المرضى من لديه فصيلة نادرة، لهذا فالمدينة تحتاج إلى مركز خاص لتحاقن الدم". وهج ثقافي محمد السباعي، فاعل ثقافي بمدنية أولاد تايمة، قال في تصريح لهسبريس إن المدينة "شهدت في السنوات الأخيرة دينامية ثقافية مهمة، حيث أصبحت رائدة على مستوى الجهة، وهذا يتأكّد من خلال زخم الأنشطة التي تنظمها فعاليات المجتمع المدني". وأوضح المتحدث أنه "على المستوى المسرحي، تحتضن أولاد تايمة مهرجانا رائدا على المستوى الوطني والدولي هو مهرجان هوارة الدولي للمسرح، بالإضافة إلى مهرجان على المستوى السينمائي، ومواعيد لمسرح الشارع والكوميديا وندوات ولقاءات فكرية، فضلا عن مهرجان التراث والفنون الشعبية الذي تنظمه الجماعة ويستقطب نجوما وفنانين كبارا". حركية ثقافية "الدينامية الثقافية بالمنطقة ساهم فيها توفّر بنيات استقبال للفعل الثقافي، خصوصا المركب الثقافي بالمدينة، وشهدت الأحياء الشعبية تشييد مركبات اجتماعية وثقافية ساهمت هي الأخرى في التطور، بالإضافة إلى مساهمة الفاعل الثقافي في تطوير ذاته من خلال مشاركته في العديد من الدورات التكوينية وحضور أنشطة نوعية على المستوى الوطني والدولي، وكل ذلك جعل أولاد تايمة تتحرك ثقافيا"، يورد محمد السباعي. إكراهات غير مُفرملة أما على مستوى بعض الإكراهات التي مازال الفاعلون الثقافيون يطمحون إلى تجاوزها للحفاظ على وتيرة حركية النشاط الثقافي بالمدينة، ولم لا الرفع منها، فقد لخّصها محمد السباعي في "ضرورة تأهيل المركب الثقافي من خلال تحويله إلى مرفق منتج، عوض بقائه مستقبلا فقط، كما أن القاعة الكبرى لا ترقى إلى مستوى احتضان العروض المسرحية والفنية والموسيقية، لأنها غير مجهّزة بالأدوات البسيطة للعمل، التقنية وغيرها، مما يُنهك مالية الجمعيات من خلال التعاقد مع شركات من أجل تجهيز القاعة عند كل موعد ثقافي، مع غياب بنيات استقبال ملائمة لضيوف الأنشطة الكبرى المنظمة بالمدينة". الرئيس لا يرد ورغبة منها في نيل رأي المجلس الجماعي لأولاد تايمة حول القضايا المطروحة على لسان الفاعلين المحليّين بالمدينة، وإبراز مسارات تدخله ومرافعاته من أجل تحسين البنيات والخدمات الأساسية، ومنها قطاع الصحة وقطاع الثقافة، بالإضافة إلى البنية التحتية وغيرها، ربطت هسبريس الاتصال برئيس المجلس، عبد الغني ليمون، وتركنا له رسالة نصية، تأكّد توصله بها، أوضحنا له من خلالها هويتنا وموضوع الاتصال، غير أنه لم يرد على مكالماتنا.