نستنتج من التحليل الذي قام به “بول باسكون” حول طبيعة المجتمع المغربي أن هذا الأخير يتركب من أربعة أنماط إنتاج تتنافس داخل التشكيلة الاجتماعية: النظام الاقطاعي القائدي المخزني، النظام القبلي الجماعي، النظام الأبوي (بطريركي) وأخيرا الرأسمالية العالمية وهي النظام الأكثر قوة وينحى إلى نفي ما عداه لكنه كان يفتقد السيطرة على السلطة السياسية في الوقت الذي قام فيه “باسكون” بهذا التحليل حيث كان النظام المخزني القائدي يستحوذ على زمام الأمور. (هل ما زال الأمر كذلك؟). إن سيطرة نمط الإنتاج الرأسمالي تتجلى بوضوح على المستوى الإقتصادي: - انتشار التقنية الحديثة. - استعمال الطاقة الحديثة (البترول والكهرباء ومحاولة استعمال الطاقة النووية...). على المستوى الاجتماعي تتجلى هذه السيطرة في: - بروز أشكال عصرية لتنظيم العمل وفق النموذج “التايلوري”. - وفي الآونة الأخيرة ظهور فروع الشركات المتعددة الجنسية التي توجه عملية الإنتاج من بعيد بالاعتماد على تقنيات التواصل الحديثة ضمن ما يعرف بالاقتصاد الشمولي. - انتشار واسع لنظام الإستأجار salariat. - تنظيم إداري حديث وتنظيم الجهاز القضائي الذي يعتمد على القانون العصري مع تراجع نظام “العرف” الموروث من النظام القبلي بتشجيع من سلطات الحماية. هذه الرأسمالية المرتبطة بمراكز النفوذ الغربية (أوروبا وفرنسا بصفة خاصة والولايات المتحدة الأميريكية)، منتشرة بشكل واسع في القطب الحضري جنوب وشمال الدارالبيضاء والذي يمتد من الجرف الأصفر إلى مدينة القنيطرة، إضافة إلى المدن الرئيسية الكبرى، ومنذ وقت قريب المنطقة الشمالية الغربية حول الميناء المتوسطي التي أصبحت تشكل قطبا اقتصاديا قويا يضم وحدات إنتاجية ترتبط مباشرة مع السوق الرأسمالية العالمية... إن مقاومة البنيات التقليدية لهذا التوسع كانت تظهر حسب “باسكون” على المستوى السياسي حيث كان النظام المخزني الإقطاعي يحتكر السلطة السياسية ويوزع قسطا منها حسب الولاء و”المخدومية”، ويعطي الامتيازات في إطار نظام “الزبونية” الذي اشتغلت ضمنه الأحزاب التقليدية. وموازاة مع احتفاظ النظام الإقطاعي المخزني بزمام الأمور في الوقت الذي كتب فيه “باسكون”أبحاثه في هذا الصدد، عمل النظام الأبوي البطريركي على تثبيت دعائم هذه البنية المحافظة من خلال قمع الحريات الفردية وفرض نظام أخلاقي متخلف ودوس كرامة المرأة باسم الدين والأخلاق، ورفض كل أشكال الاختلاف وكل حرية فردية. عمل هذان النظامان (الإقطاع والبطريركا) على توظيف الايدولوجيا الدينية في شكلها الغيبي والخرافي المنافي للعقلانية، لتثبيت هذه البنية المتخلفة والمحافظة المنافية لكل تقدم اجتماعي وتبرير كل أشكال الاستغلال والاستعباد. إن الصراع القائم بين أنماط الإنتاج وما تتضمنه من مشاريع مجتمعية، – سواء تلك التي تجد جذورها في ماضي متخلف أو تتوخى إحكام السيطرة على المجتمع لصالح جهات أجنبية، أو أنماط تحررية تتوخى التحديث والنمو الاقتصادي في إطار نظام سياسي ديموقراطي، – هذا الصراع هو نتيجة للطابع غير متجانس للبنية الاجتماعية المركبة. هذا التناقض ينعكس أيضا في سلوك الأفراد الذين ينتمون بالضرورة لهذا المجتمع المركب وتكون شخصيتهم مركبة تتصارع فيها الأنساق الأخلاقية وأنظمة القيم المتنافرة وتطرح عليهم باستمرار مشكلة التكيف مع أوضاع مختلفة وعقليات تنتمي إلى أزمنة متباعدة. محاولة التكيف هذه ليست بالأمر الهين لما تتطلبه من ازدواجية وأحيانا تعددية في الشخصية وهو أمر مرهق حقا للأفراد في واقع المجتمع المركب.