جسمها مُكتنِز، عيناها الواسعتان ترصدان كلّ تحرّك، ولسانها مستعدّ للخروج والإدلاء بدلوه في كلّ حين.. مرحة وكثيرة المزاح، تملأ البيت بهجة وفرحاً، وضحكاتها تعلو في كلّ الأرجاء..تهوى خياطة الملابس للدّمى وكلّ الإكسسوارات المتعلّقة بها..تعشق الرّقص، ولطالما ركضت وهي طفلة خلف مواكب الأعراس، ترقص وتشارك الفرحة. خدومة لا تتوانى عن المساعدة لإخراجك من ورطة، ما لم تكن هي من أوصلتك إليها. ودودة واجتماعية، تبادر بالحديث وتشجيع مخاطبها على البوح بما يطوي من أسرار، لا تلبث أن تشاركها مع آخرين بكلّ كرم وسخاء. تعرف كلّ صغيرة وكبيرة عن أهل البيت، كما لا تخفى عنها أخبار سكّان الحيّ، كلّ واحد باسمه وسجلّه الحافل، بيانات تختزنها في بنك معلوماتها، تستعملها متى لزم الأمر لتنبيه غافل أو لطرد الملل في جلسة للدّردشة.. ولَكَمْ تنزعج إن تفوّق عليها أحدهم في الثّرثرة وأخذ منها أضواء الأمسية. بارعة في تقليد ضحاياها والسّخرية من شخصيتهم بعد تحليلها وسبر أغوارها، مع ما يليق من الإضافة والتّضخيم الضّروريّين للإخراج المسرحيّ..تحكي لك حدثاً فتقنعك بروايتها، مع أنّك حضرته وشهدت غير ما سردت عليك، فتصدّقها وتكذّب عينيك. كبُرتْ، فأصبحتْ فتاة بالغة الحذاق. في غياب الأمّ، تتولّى مسؤولية البيت وتهتمّ بشؤون إخوتها بكلّ إخلاص وتفان..تجيد الطّبخ وتحضير الحلويات والفطائر، والجميع ينتظر تذوّق وصفاتها في الأعياد والمناسبات. لازلت أذكر أوّل مرّة أرادت تحضير الخبز وهي تلميذة بالصّفّ الرّابع ابتدائي...تضع الطّحين في القصعة، تضيف الماء وبعض الملح والخميرة، فلا ينضبط العجين..تزيحه جانباً وتبدأ الخلطة من جديد، حتّى استنفدت كلّ الدّقيق المتوفّر في البيت..نالت علقة ساخنة إثرها، لم تكن أوّل ولا آخر علقة تظفر بها..لعلّها حظيت بأوفر حظّ من العقوبات من بين إخوتها، لكنّ ذلك لم يثنها عن المضيّ قدماً نحو المزيد من المغامرات.