مُلتحفةً بالعلم الوطنِي، تتقدّمُ سُعاد (42 سنة) بخطواتٍ متسارعة صوبَ الحشد الغفير الذي التأم صباح اليوم الخميس في وقفة احتجاجية أمام مقر وزارة التضامن والأسرة بالرباط، لإيصال جزء من معاناتها مع ابنها البِكْر المُصاب بالتّوحد، والذي تكبَّد هو الآخر عناءَ التَّنقل من مدينة آسفي، علَّه يجدُ في "عاصمة المملكة" أذُناً تُصغي إلى أنين مُعاناته المستمرة إلى حدودِ اليوم. وشاركَت في الوقفة الاحتجاجية أسر الأطفال التوحديين قادمة من مختلف المدن المغربية، للفتِ انتباه الحكومة إلى هذه الفئة "التي تعيشُ وضعاً صعباً في ظلّ عدم قبولها في المدارس العمومية، وحتى الخاصة، إلا بشروط صعبة"، منها، حسب سعاد، "أن توفر الأسر مرافقة تربوية، وهو ما سيكلفها 4000 درهم شهريا"، متسائلةً: "ماذا فعلَت الحكومة لحماية حقوق هؤلاء الأطفال؟". ورفعَ المحتجون الذين كان من بينهم أطفال مُصابون بمرض التوحد شعارات مُناوئة للحكومة، التي اتهموها ب"التسويف وإغراقهم بالوعودِ الفارغة التي لم تغيّر من واقع الحال شيئاً". ويقول أب أحد المرضى إن "عدد المصابين يقدّر بما بين 400 ألف و600 ألف شخص، وجلهم لا يستفيدون من حق التمدرس والولوج إلى المرافق الصحية والثقافية والاجتماعية"، مشيراً إلى أن "وضعهم الاجتماعي مُزر وغالبيتهم يعيشون في عزلة بعيداً عن المجتمع". وفي ظل افتقار المغرب إلى معطيات رسمية مضبوطة تحصي الأشخاص التوحديين، تقول إحدى المشاركات في الوقفة إنَّها تعاني الأمرَّين مع ابنها الذي كان يقفُ بجانبها؛ "فلا هو استطاعَ التأقلم في المدرسة العمومية مع باقي التلاميذ ولا هو استفاد من المواكبة المخصصة لأطفال التوحد ذوي الاحتياجات الخاصة". وطالب المحتجون السلطات ب"توفير الرعاية الاجتماعية والنفسية للأطفال المرضى بصفة مستمرة"، كما دعوها إلى الالتفات إلى "المعاناة المادية والنفسية لمرضى التوحد وأسرهم"، ورفعوا شعارات من قبيل: "مصاريف غالية ووزارة قالبة علينا".."التوحدي جالس في الدار والوزيرة فراسها الخبار"، "التوحدي ارتاح ارتاح. سنواصل الكفاح".. "فوسفاط وجوج بحور...التوحدي عايش مقهور". واستنجدَ المحتجّون بالملك محمد السادس، لإيجاد حل لوضعهم، مستنكرين "إغلاق الحكومة لأبواب الحوار، وفي الوقت نفسه صمت الحكومة غير المبرر، والذي يزيدُ من معاناة عائلات المصابين". ومن أبرز ما تعانيه أسر الأطفال مرضى التوحد، أيضا، هو "تحولهم في بعض الأحيان من أشخاص هادئين إلى أشخاص عنيفين ومتعصبين قد يلحقون أضرارا مادية كبيرة في البيت وفي الشارع". وأشارت عزيزة، وهي أم لطفلة مصابة بداء التوحد، إلى أن قبول الطفل المريض بالتوحد من عدمه يبقى مقترنا بإرادة مدير المؤسسة والأستاذ. ومع قلة المراكز المتخصصة في علاج اضطراب التوحد وندرة المشخصين بالمغرب، تظلُّ آمالُ أسر المصابين بهذا الداء معلقة على "تدخل حكومي عاجل ومسؤول يُنهي معاناة آلاف العائلات التي مازالت تنتظرُ إجراءات واقعية تعيد الاعتبار لهذه الفئة المجتمعية المهدورة حقوقها".