جرى المشهد يوم الإثنين 26 نونبر وسط صمت مطبق لف مختبر الدفع النفاث التابع لوكالة الفضاء الأمريكية (ناسا)، حيث تسمرت أعين العديد من المهندسين أمام شاشات الحواسيب الخاصة بهم لتتبع ومراقبة ونقل مراحل الهبوط المختلفة للمسبار "إنسايت" على سطح المريخ بعد رحلة طويلة في الفضاء امتدت لستة أشهر. ولم يكن أمام المسبار "إنسايت" لدى دخوله الغلاف الجوي للكوكب الأحمر، كما أوضح ذلك العالم المغربي كمال الودغيري، في تصريح صحافي بواشنطن، سوى زهاء 7 دقائق لخفض سرعته التي تصل إلى 25000 كلم / ساعة تقريبا إلى الصفر، مشيرا إلى أنه خلال هذا الحيز الزمني الضئيل جدا ستقع العديد من الأحداث التي يجب أن تتم في تناغم تام وعلى الوجه الأكمل. العالم المغربي، الذي ظهرت صورته على شاشات التلفزيون التي بثت هذا الحدث مباشرة عبر أرجاء المعمور، كان يبلغ زملاءه عبر الميكروفون، أولا بأول، بمختلف مراحل المهمة، وإلى غاية لحظة الهبوط على سطح المريخ. وفي هذه اللحظة بالذات غمرت أجواء الفرح والابتهاج مركز المراقبة التابع لوكالة الفضاء الأمريكية وتبادل المهندسون التهاني على نجاح هذه المهمة التاريخية والثورية. وعبر كمال الودغيري، رئيس قسم دراسات الكواكب في وكالة "ناسا"، عما يخالج الفريق المشرف على هذا المشروع العملي الرائد في مثل هذه اللحظات، بالقول: "إن الهبوط على سطح المريخ هو أحد المبادرات العلمية المقدامة وغير متوقعة النتائج في ما يتعلق باستكشاف الكواكب، إذ إن نسبة النجاح تبلغ 40 بالمائة فقط"، مسجلا أن "نسبة فشل ب60 في المائة من الواضح أنها تجعل الأمور معقدة، ولكن أيضا مثيرة إذا كللت بالنجاح". ويرى هذا العالم البارز الذي يساهم في رابع مهمة للهبوط على سطح المريخ أن "نجاح مهمة إينسايت هو ببساطة ترنيمة للشغف العلمي والعمل بروح الفريق"، مضيفا أن "فريقا من 300 شخص قادوا هذا المشروع بثقة متبادلة واجتهاد وصبر ومثابرة". ولعب كمال الودغيري دورا رئيسيا في العديد من مهمات وكالة الفضاء الأمريكية، وخاصة تلك المتعلقة بالمعدات الاستكشافية للمريخ، "كيريوزيتي"، "روفرز"، "سبيريت"، "أوبورتينيتي"، والمهمة الدولية "كاسيني" التي استهدفت كوكب زحل، ومهمة القمر "غرايل"، ومهمة "جونو" بشأن كوكب المشتري. وحاليا، يشرف العالم المغربي على مختبر الذرة الباردة (سي أي إل) لوكالة الفضاء الأمريكية ناسا. وأفاد الودغيري بأن المسبار "إنسايت" يسير على خطى المسبار "كيوسيتي" الذي هبط بنجاح على سطح المريخ سنة 2012، موضحا أن المهمة العلمية الجديدة ستقوم بتحليل التركيبة الداخلية للكوكب الأحمر، ولهذه الغاية تم تجهيز "إينسايت" بمقياس لرصد الاهتزازات الزلزالية وجهاز استشعار لتدفق الحرارة. وبعد جمع هذه البيانات وتحليلها، بعد نقلها إلى العلماء في وكالة الفضاء الأمريكية، سيكون بمقدور هؤلاء امتلاك فهم أفضل لنشوء الكواكب الصخرية، مثل كوكب الأرض. وبمعزل عن الآفاق الجديدة التي فتحتها مهمة "إنسايت" على كوكب المريخ، يوم 26 نونبر، فقد حمل هذا الحدث معاني شخصية مختلفة بالنسبة لكمال الودغيري الذي حرص على وضع الحرفين الأولين لاسم والده (م) (و) بشكل بارز على القميص الأحمر الموحد الذي ارتداه فريق العمل بمختبر الدفع النفاث في ناسا. وقال الودغيري الذي بدا متأثرا: "أردت أن أوجه من خلال ذلك رسالة عرفان لوالدي وكذا للدور والتضحيات التي يقدمها الآباء من تعلم ونجاح أبنائهم". *و.م.ع