تميزت العلاقات الجزائرية المغربية بالعديد من الصراعات منذ استقلال البلدين، وفي مقدمتها "حرب الرمال" عام 1963، وحرب الصحراء المغربية ما بين 1975 و1991، وإغلاق حدودهما عام 1994، وقضية الصحراء. وقد كانت للطابع المتباين للعلاقات الجزائرية المغربية نتائج كارثية على التكامل والتنمية الاقتصادية في المغرب الكبير. السبب الرئيسي وراء التوترات الجزائرية المغربية هو عدم الثقة بين البلدين نظرا لاستراتيجية كل منهما للزعامة الإقليمية. يتجلى ذلك في الصراع الحالي حول الصحراء. منذ سبعينات القرن الماضي، اتخذ المغرب والجزائر مواقف متباينة في النزاع لتحقيق التوازن بين طموح كل منهما في التأثير الإقليمي، حيث تتنافس الجزائر مع المغرب على النفوذ في المنطقة. وكانت المسيرة الخضراء-التي نظمتها الحكومة المغربية في نونبر 1975-تظاهرة جماهيرية تكتيكية، هدفها إجبار إسبانيا على تسليم الصحراء الإسبانية المتنازع عليها إلى المغرب. في البداية، اعترفت الجزائر بالسيادة التاريخية للمغرب على صحرائه. لكن في وقت لاحق، احتضنت جبهة البوليساريو، وهي حركة محلية تسعى إلى الاستقلال. ويهدف دعم الجزائر لجبهة البوليساريو إلى عرقلة مساعي المغرب لتحقيق الريادة الإقليمية من خلال استعادة صحرائه. لكن النزاع حول هذه المنطقة ليس سببا كافيا لإغلاق الحدود المغربية الجزائرية منذ عام 1994. في أواخر الثمانينات، كانت العلاقات المغربية الجزائرية تتجه أكثر نحو التعاون لإنهاء النزاع وإطلاق مشاريع التكامل الاقتصادي (يزخر المغرب بفلاحة متطورة وبالفوسفاط والصيد البحري، والجزائر بالنفط والغاز الطبيعي). لكن هذا التقدم نحو تعزيز التعاون لم يستمر طويلا، بسبب الهجوم الإرهابي على فندق "أطلس أسني" بمدينة مراكش عام 1994. وجه المغرب أصابع الاتهام نحو المخابرات الجزائرية، وقرر الملك الحسن الثاني آنذاك فرض التأشيرة على المواطنين الجزائريين الراغبين في الدخول إلى المغرب. وردت الحكومة الجزائرية بإجراءات أكثر تطرفا حيث أعلنت إغلاق الحدود البرية بين البلدين، وهو الإغلاق الذي ما زال مستمرا إلى اليوم. وأعلن الملك محمد السادس يوم 30 يوليوز 2004 إلغاء التأشيرة على الجزائريين الراغبين في المجيء إلى المغرب، مشددا على رغبة المغرب الصادقة في بناء علاقات طيبة مع الجزائر "تخدم التقارب بين الشعبين الشقيقين". وبعد ثمانية أشهر على هذا القرار، رفع رئيس الجمهورية تأشيرة الدخول إلى الجزائر التي كانت سارية في السابق على المواطنين المغاربة. للتذكير، في عام 1989، أنشأ المغرب والجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا اتحاد المغرب العربي لتحقيق الاندماج السياسي والاقتصادي في المنطقة، لكن بسبب الخلاف السياسي بين المغرب والجزائر لم يتم إحراز أي تقدم. إن الخلاف بين المغرب والجزائر بشأن الصحراء وإغلاق حدودهما المشتركة قد غير بشكل مباشر خطط هذا الاتحاد لإقامة منطقة للتجارة الحرة بالإضافة إلى سوق مشتركة في المغرب الكبير. في الواقع، أدى سوء العلاقات بين أكبر الفاعلين في المنطقة، المغرب والجزائر، إلى إبعاد المنطقة المغاربية عن تحقيق أهدافها الاقتصادية والسياسية. وفي عام 2007، اقترح المغرب فكرة الحكم الذاتي لسكان الصحراء في إطار السيادة المغربية كحل دبلوماسي للقضية، لكن الجزائر لم توافق على هذا الحل، وذلك لسعيها وراء الوصول إلى المحيط الأطلسي. ومن المثير للاهتمام أن اقتراح المغرب يحظى بدعم الدول العربية والغربية والدول الأفريقية، خاصة منذ عودته إلى الاتحاد الأفريقي. وأعرب الملك محمد السادس مؤخرا عن استعداد المغرب للحوار المباشر مع الجزائر، مشيرا في خطابه بمناسبة الذكرى الثالثة والأربعين للمسيرة الخضراء في 6 نوفمبر إلى أن المغرب مستعد لإنشاء آلية سياسية مشتركة للحوار لحل الخلافات بين البلدين. ويواجه البلدان التحديات نفسها: مكافحة الفقر والجهل ومحاربة التطرف العنيف والهجرة السرية. لذا يتعين على المسؤولين في البلدين مضاعفة الجهود من أجل تحقيق التنمية المستدامة وتعزيز الاستقرار والأمن في المنطقة. وكما أكد ماغنوس نوريل، الباحث في معهد واشنطن، فإن هناك حاجة ماسة إلى دور المغرب في أمن أوروبا وشمال أفريقيا، وهو على أهبة الاستعداد لمواجهة التحدي الذي يواجهه كرائد التوجه التقدمي في البلدان الإسلامية المعتدلة وفي مكافحة التطرف العنيف والإرهاب. لقد تعرض المغرب والجزائر إلى هجمات إرهابية متعددة في السنوات الأخيرة. في عام 2013، شن إرهابيون تابعون لتنظيم القاعدة هجوما على منشأة نفطية بمدينة تيكنتورين بالقرب من أمناس، مما تسبب في مقتل 11 جزائريا و39 أجنبيا. وفي المغرب، قُتل 45 شخصًا اٍثر الهجوم الإرهابي الذي وقع في الدارالبيضاء في 16 ماي 2003، وتعرضت مراكش-وهي وجهة سياحية شهيرة-للهجوم مرة أخرى في عام 2011، مما أسفر عن مقتل 17 شخصًا وإصابة 100 شخص آخرين. وانضم حوالي 500 مغربي و200 جزائري إلى تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وقد أعرب المسؤولون في البلدين عن قلقهم إزاء عودة المقاتلين بعد سقوط التنظيم في سوريا، مما قد يزيد من خطر الإرهاب. واتخذت الجزائر والمغرب إجراءات صارمة لمكافحة الإرهاب تعتمد بالأساس على الآليات العسكرية. بالإضافة إلى ذلك، يُشرف كلا البلدين بقوة على مساجدهما ويحرصان على تدريب الأئمة. ووفقا لتقرير جديد صادر عن مؤسسة الدراسات الأمنية (ISS)، فقد حان الوقت لكلا البلدين لوضع استراتيجيات للقضاء على التطرف العنيف. إن من شأن تناغم سياسات المغرب والجزائر حول قضايا الهجرة أن يمنع التطرف العنيف. على مدى العقد الماضي، كان المغرب والجزائر من بين أهم بلدان العبور للكثير من المهاجرين الوافدين من إفريقيا جنوب الصحراء في طريقهم إلى أوروبا. إن عدد المهاجرين غير الشرعيين الذين يعيشون في الجزائر والمغرب غير معروف بالضبط. حسب التقديرات، يُوجد حوالي 100.000 مهاجر إفريقي في الجزائر معظمهم من مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وتم تسجيل أكثر من 50 ألف مهاجر أفريقي من جنوبي الصحراء في المغرب عام 2017. ويعيش العديد من هؤلاء المهاجرين في ظروف صعبة اقتصاديًا واجتماعيًا، الشيء الذي يمكن أن يدفعهم إلى التطرف. وأعلن البَلدان مؤخرا عن خطط لإضفاء الطابع الشرعي على المهاجرين. في يوليوز 2017، وعدت الجزائر بمنح حقوق الإقامة وتصاريح العمل للمهاجرين الأفارقة من جنوب الصحراء، بهدف معالجة نقص في القوى العاملة في قطاعي الزراعة والبناء. ويأتي هذا بعد قرار المغرب عام 2013 منح 50 ألف مهاجر تصريح إقامة لمد ة سنة قابلة للتجديد. إن منح حقوق الإقامة للمهاجرين الأفارقة أمر جدير بالثناء، خاصة في وقت ترفض فيه البلدان الغنية في أوروبا والولايات المتحدة وأستراليا استضافتهم. كما أن قبول المهاجرين خطوة مفيدة سياسيا واقتصاديا للبلدين. مما سيعزز تفاوض الجزائر والمغرب مع الاتحاد الأوروبي ويطور العلاقات مع دول إفريقيا جنوب الصحراء. يتعين على البلدين تحسين التعاون الثنائي لإنجاح تطبيق سياساتهما التنموية وقوانينهما الخاصة وتبادل الخبرات من أجل الاستقرار الإقليمي وتحقيق التقدم الاقتصادي والاجتماعي. كما يجب عليهما تعزيز التعاون مع الدول المجاورة-لاسيما مالي وتشاد والنيجر والسنغال وموريتانيا-وكذلك البلدان الأصلية الأخرى للمهاجرين. والهدف تعزيز الهجرة القانونية وأمن الحدود. وأخيراً، نظراً لأزمة العلاقات الجزائرية المغربية والنزاع حول الصحراء، فإن أي تدخل أجنبي غير نزيه من شأنه أن يضمن استمرار المشكلة، بل ويزيد من تعقيدها ويزعزع استقرار المنطقة بأكملها. ونظرا إلى الأمل الذي بعثه الملك محمد السادس في خطابه الأخير، يجب على المرء أن ينظر بتفاؤل إلى آفاق التكامل الاقتصادي بين البلدين وإلى تحقيق الوحدة المغاربية المنشودة. وبينما يرفض الجيل الجديد من الجزائريين والمغاربة القواعد السياسية القديمة، يحق له السعي إلى تحقيق الازدهار والأمن والرخاء في المنطقة وخارجها.