انتظارات كبيرة تلك التي صاحبت تعيين ادريس الكراوي على رأس مجلس المنافسة؛ إذ أبدى العديد من الاقتصاديين والمتتبعين ملاحظات تتراوح بين الترحيب والتوجس من تكرار سيناريو نسخة بنعمور المكتفية بالمتابعة "قسرا"، بعد أن قُصت أجنحتها وظلت جامدة أمام حجم الشكاوى والانتقادات المتقاطرة، خصوصا إبان حملة المقاطعة لثلاث منتجات استهلاكية، التي أبانت عن محدودية هامش تحرك المؤسسة الدستورية مقارنة بالمبادرة الشعبية التي قادتها مواقع التواصل الاجتماعي. التعيين الملكي الذي نقل الكراوي من الأمانة العامة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي إلى مجلس المنافسة مازال إلى حدود اللحظة غير مفعل، بسبب غياب مبادرة حكومية تملأ فراغ 12 عضوا إضافيا يعينون بمرسوم، في سياق تتصاعد فيه المطالب بتنظيم الاقتصاد المغربي الذي تطغى عليه "مظاهر المنافسة غير الشريفة وتتفشى فيه مظاهر الريع". وتنتظر الكراوي مهمة صعبة يتقدمها "ضمان الشفافية والإنصاف في العلاقات الاقتصادية، خاصة من خلال تحليل وضبط وضعية المنافسة في الأسواق، ومراقبة الممارسات المنافية لها، وعمليات التركيز الاقتصادي والاحتكار، فضلا عن السهر على نهوض هذه المؤسسة بالمهام الموكولة إليها على الوجه الأمثل بكل استقلالية وحياد، والمساهمة في توطيد الحكامة الاقتصادية الجيدة، والرفع من تنافسية الاقتصاد الوطني ومن قدرته على خلق القيمة المضافة ومناصب الشغل". وفي هذا السياق، يرى رشيد أوراز، باحث في المعهد المغربي لتحليل السياسات، أن "إحياء مجلس المنافسة ضرورة ملحة في ظل العديد من الأحداث التي وقعت في الأشهر القليلة الماضية؛ فقد بيّن ما جرى أن المجلس لم يلعب دوره، خصوصا في فترة المقاطعة التي كشفت أن المستهلك المغربي تراكم لديه غضب حاد من الطريقة التي تسير بها الأمور على مستوى السوق واللوبيات المتحكمة". وأضاف الخبير الاقتصادي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن "الدولة لو لم تكن لها إرادة سياسية لإحياء المجلس، لتركت بنعمور في الرئاسة، وبالتالي فالتغيير الحاصل يؤكد أن الدولة أحست بالخطر الناتج عن تجميد المؤسسة الدستورية"، معتبرا أن الكراوي شخص مناسب بحكم تجربته في الإدارة؛ فقد قضى داخلها فترة طويلة من خلال الأمانة العامة للمجلس الاقتصادي، كما أنه منخرط في النقاش المجتمعي حول أهمية المؤسسة، وله إصدارات في هذا الباب، أبرزها "التنمية نهاية نموذج" الذي تطرق فيه إلى أهمية المجلس. ويرى أوراز أن "المطلوب من الرئيس الجديد هو مواجهة اللوبيات والمصالح المتقاطعة التي تود الحفاظ على تحركاتها على حساب المستهلكين"، معتبرا أن "جميع الأعضاء عليهم إدراك المسؤولية الملقاة على عاتقهم، من خلال التحلي بالاستقلالية والجرأة والقدرة على فتح الملفات الكبرى، وكذلك العمل على ضمان منافسة شريفة، والسماح بدخول مستثمرين جدد إلى السوق المغربية".