في الوقت الذي ينشغل فيه المغرب بموضوع إضافة ساعة إلى التوقيت الدولي غرينتش المعمول به سابقا، بذريعة السعي إلى دعم الأمن الطاقي للاقتصاد الوطني، فإن الجارة الجزائر استطاعت أن تُبْرم اتفاقية طاقية جد مهمة مع دولة نيجيريا. قد يبدو الأمر طبيعيا أن يبادر بَلَدَان إلى التعاون الاقتصادي فيما بينهما لتبادل المصالح والمنافع، لكن الأمر غير الطبيعي هو أن يتحول مشروع من المفروض أن يُعْقَدَ مع بلد إلى بلد آخر، حيث كان منتظرا بناء على اتفاق سابق بين المغرب ونيجيريا أن يمر أنبوب الغاز القادم من ذلك البلد الأفريقي عبر التراب الوطني وصولا إلى أوروبا، كبديل محتمل للغاز الروسي، وهو مشروع قد يغضب بوتين، الذي طالما اعتبر غازه سلاحا مؤثرا في صراعه مع جيرانه الأوروبيين، فهو لا يتردد في تهديدهم بإقفال أنابيب الغاز الروسي عن بلدانهم، فيكون المأزق مصيرهم، ليقظوا بذلك شتاءً باردًا. هذا الحدث، لا محالة سيطرح مجموعة من القراءات، قد تختلف باختلاف المقاربات، وتباين المواقف، حسب مواقع الأطراف وتفاوت المصالح في المنظومة التي تحكم العلاقات الدولية. من الواضح أن المغرب لن يكون راضيا عن هذا الاتفاق الطاقي مع بلد يعتبره مصدرا وطرفا أساسيا في صراعاته الحدودية والترابية مع جبهة البوليساريو الانفصالية، وسيعتبر الأمر محاولة من الجزائر لإفشال اتفاقه السابق مع دولة نيجيريا حول نقل الغاز عبر ترابه. في حالة ما إذا اكتملت حيثيات تنفيذ هذا المشروع بين الجزائرونيجيريا، الذي طال عمره، بالنظر إلى كونه مدرجا في اتفاقات سابقة بين البلدين، سيكون المغرب قد تلقى ضربة موجعة، لا على المستوى السياسي ولا على المستوى الاقتصادي، حيث ستستغل جبهة البوليساريو الانفصالية هذا الحدث لتحوله إلى مكسب سياسي ودبلوماسي، وتعتبره نتيجة وثمرة تحركاتها على مستوى المحاكم الدولية في سعيها إلى منع المغرب من الاستفادة من ثرواته على ترابه، وبالتالي فإن نيجيريا خضعت لمنطق الدخول في صراعات قانونية دولية، في حالة مرور أنبوب الغاز بأراض مازال متنازعا عليها، ولم يُحسم ملفها أمام أنظار منظمة الأممالمتحدة. نيجيريا كدولة إفريقية لها وزن اقتصادي وسياسي جد مهم، باعتبارها من بين أكبر الدول، لا من حيث تعداد سكانها ولا من حيث ثرواتها الطبيعية والمعدنية، وبالتالي فمسألة فُقدان مُسَاندتها تعْتَبر خسارة كبيرة للمغرب، كما هو الحال مع جنوب أفريقيا التي يُشَكل دَعمها لجبهة البوليساريو الانفصالية مَأزقا حقيقيا للمملكة، وهُنا تطرح مسألة ضعف الحضور والتأثير المغربي في نطاقات البلدان الأنجلوساكسونية، أي الدول الأفريقية التي خرجت من رحم الاستعمار البريطاني. قد يكون الأمر مقلقا للمغرب في حالة ما إذا استجابت دول أخرى وشركات أجنبية دولية لمنطق نيجيريا، لتصبح المسألة قاعدة وليس استثناء، مما سَيُضَيّعُ على المغرب فرص استثمارية اقتصادية جد مهمة بدأت بالفوسفاط، مع قضية احتجاز السفينة المغربية المحملة بالفوسفاط في موانئ جنوب أفريقيا، مرورا عبر ملف الفلاحة والصيد البحري مع دول الاتحاد الأوروبي، وصولا إلى الغاز النيجيري المراد تسويقه إلى أوروبا عبر بوابة تراب المملكة. المثير للانتباه أن الطرف المغربي يَعتبر أن الاتفاق المبرم مع نيجيريا مازال ساري المفعول، والدراسات التقنية لتنفيذه مستمرة، وبالتالي فلا مجال للحديث عن تخلي السلطات النيجيرية عنه لصالح الجارة الجزائر، مما يجعل الصورة ملتبسة، وتدعو المرء إلى التساؤل، هل فعلا نيجيريا ستقوم بنقل غازها عبر مَشْرُوعين يمران عبر ترابين مختلفين من أجل هدف واحد هو أن يصل إلى أوروبا، أم إنها ستحتفظ بواحد وتتخلى عن الآخر، بحسب ميلان كفة مصالحها لجهة معينة؟ هذا السؤال لن يجيب عنه سوى مرور الأيام القادمة. في السياق ذاته، إذا كان المغرب حريصا على تفعيل هذا المشروع الطاقي الضخم مع دولة نيجيريا، سعيا إلى كسب ودها، لتغليب مصالحها الاقتصادية على السياسية، فإن المواطن المغربي يتساءل عن حجم وقع هذا المشروع على وضعيته الاقتصادية، ومدى استفادته من هذه الطاقة الحيوية، علما أن التراب الوطني تمر عبره أنابيب مشروع المغرب العربي نحو أوروبا، حيث ينطلق من حقل حاسي الرمل بالجزائر ليصل إلى إسبانيا والبرتغال، لكن أثره لا ينعكس بالشكل المأمول على المواطن، حتى إن الحكومة المغربية تُصَرح أكثر من مرة بنيتها مستقبلا رفع الدعم عن غاز البوطان ليرتفع ثمنه، عوض أن ينخفض. هذا الصراع الاقتصادي بين البلدن، يكشف مرة أخرى عن حجم تكلفة جمود عمل هياكل المغرب العربي، وضياع الفرص الاقتصادية الهائلة المتاحة في المنطقة، وسبل التعاون بين الشعوب للرفع من مسالك التنمية. ربما قد تكون المبادرة الملكية بدعوة الجارة الجزائر لفتح الحدود خطوة مهمة في اتجاه دعم التقارب بين البلدين، وطي صفحة الخلافات الماضية، وهي مبادرة من المحتمل ألا تجد آذانا صاغية، اللهم إن حدثت مفاجأة من الدبلوماسية الجزائرية، بالنظر إلى مواقفها السابقة الرافضة لأية إمكانية لفتح الحدود في المستقبل القريب، رابطة ذلك بضرورة حل الخلافات في إطارها الشمولي بشكل يراعي تسوية ملف الصحراء المغربية مع جبهة البوليساريو، فضلا على كونها تعي حجم استفادة المغرب اقتصاديا من فتح الحدود، خصوصا فيما يتعلق بالتبادل التجاري في الميدان الفلاحي، وكذا دخول النفط والغاز الجزائريين إلى التراب الوطني، الذي يكتوي المغاربة هذه الأيام بغلاء سعره على الصعيد الدولي. هذه المبادرة في قراءة أبعادها يمكن أن تسبب إحراجا للجزائر، خصوصا للقيادة الحاكمة، وتأتي في توقيت دقيق قبَيْلَ عقد محادثات جديدة بين طرفي النزاع في 5 و6 دجنبر 2018 بجنيف، وهي رسالة قد تنطوي على حسن النية تجاه الجارة الجزائر من أجل إعادة النظر في سياسة دعمها لجبهة البوليساريو، والتفكير مليا في الالتفات إلى مصالح البلدين الاقتصادية، ودعم الوحدة المغاربية، عوض تكريس سياسة تفتيت الدول، وخلق كيانات ضعيفة في زمن التكتلات الإقليمية. *باحث ومهتم بشؤون المعرفة