مجلس الأمن يوافق على القوة الأفريقية الجديدة لحفظ السلام في الصومال    الدرهم ينخفض بنسبة 0,7 في المائة مقابل الدولار    الجيش الإسرائيلي يحتجز مدير وطاقم مستشفى كمال عدوان    الهند تودع رئيس الوزراء السابق سينج    حملة تسقط "ميليشيات الأسد" باللاذقية    سنة 2024.. ترسيخ لمكانة الرياضة الوطنية على الساحتين القارية والدولية    الحكم بالسجن ثلاث سنوات على رئيس الرجاء السابق    مصرع شخص في حادثة سير بالطريق السيار بين أزمور واثنين اشتوكة    القيادة المتهورة تُوقف سائقي سيارتي أجرة بطنجة    أبحرت من ميناء الناظور.. بيان القوات المسلحة يكشف تفاصيل العطب المفاجئ الذي أصاب وحدة خفر السواحل    عائلة أوليفيا هاسي تنعى نجمة فيلم "روميو وجولييت"    دراسة: أمراض القلب تزيد من خطر اضطراب الخلايا العصبية    تقرير للفيفا يشيد بإنجازات الكرة المغربية في 2024    مباحثات مغربية موريتانية حول تعزيز آفاق التعاون الاقتصادي بين البلدين    ترامب يتحدث إلى رئيس تيك توك .. هل يتراجع عن حظره ؟    استثناء.. الخزينة العامة للمملكة توفر ديمومة الخدمات السبت والأحد    مواجهات حارقة في مستهل إياب البطولة الوطنية    سطاد المغربي يهدد صدارة رجاء بني ملال    مبادرة مدنية للترافع على التراث الثقافي في لقاءات مع الفرق والمجموعة النيابية بمجلس النواب    مونديال الأندية.. الوداد الرياضي يشارك في ورشة عمل تنظمها "الفيفا" بأمريكا    وفاة زوج الفنانة المصرية نشوى مصطفى وهي تناشد جمهورها "أبوس إيديكم عايزة ناس كتير تيجي للصلاة عليه"    طقس السبت: نسبيا باردا إلى بارد مع جريحة محلية خلال الليل والصباح    كيوسك السبت | الحكومة تلتزم بصياغة مشروع مدونة الأسرة في آجال معقولة    حريق يأتي على منزلين في باب برد بإقليم شفشاون    الرئيس الموريتاني يجري تغييرات واسعة على قيادة الجيش والدرك والاستخبارات    التحقيق في فاجعة تحطم الطائرة الأذربيجانية يشير إلى "تدخل خارجي"    الكعبي ينهي سنة 2024 ضمن قائمة أفضل الهدافين    أزولاي يشيد بالإبداعات في الصويرة    فينيسيوس الأفضل في العالم ورونالدو في الشرق الأوسط وفق "غلوب سوكر"    البرازيل: ارتفاع حصيلة ضحايا انهيار جسر شمال البلاد إلى 10 قتلى    النفقة و"تقاسم الثروة" و"إيقاف السكن" .. تصحيح مغالطات حول مدونة الأسرة    يامال يتعهد بالعودة أقوى بعد الإصابة    اقتراب مسبار "باركر" من الشمس يعيد تشكيل فهم البشرية لأسرار الكون    لأداء الضرائب والرسوم.. الخزينة العامة للمملكة تتيح ديمومة الخدمات السبت والأحد المقبلين    وزارة النقل تؤجل تطبيق معيار "يورو6" على بعض أصناف السيارات    وليد كبير: الرئيس الموريتاني يستبق مناورات النظام الجزائري ويجري تغييرات في قيادات الجيش والمخابرات    نشرة إنذارية.. تساقطات ثلجية مرتقبة بعدة مناطق في المغرب من السبت إلى الإثنين    تراجع كمية مفرغات الصيد البحري بميناء المضيق    المدونة: قريبا من تفاصيل الجوهر!    الحكومة ترفع الحد الأدنى للأجر في النشاطات الفلاحية وغير الفلاحية    وفاة الرئيس التاريخي لمجموعة "سوزوكي" أوسامو سوزوكي    بورصة البيضاء تغلق التداولات بالأحمر    فوج جديد من المجندين يؤدي القسم    اختتام ناجح للدورة الخامسة لصالون الإلهام الدولي للفن التشكيلي بتارودانت    ما حقيقة اعتزال عامر خان الفن؟    لقاء تواصلي حول وضعية الفنان والحقوق المجاورة بالناظور    بايتاس: إعداد مدونة الأسرة الجديدة مبني على التوجيهات الملكية والنقاش مستمر في مشروع قانون الإضراب    2024.. عام استثنائي من التبادل الثقافي والشراكات الاستراتيجية بين المغرب وقطر    تراجع أسعار الذهب وسط ترقب المستثمرين للاقتصاد الأمريكي    استهلاك اللحوم الحمراء وعلاقته بمرض السكري النوع الثاني: حقائق جديدة تكشفها دراسة حديثة    الثورة السورية والحكم العطائية..    هل نحن أمام كوفيد 19 جديد ؟ .. مرض غامض يقتل 143 شخصاً في أقل من شهر    برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المشاوشة الانتخابية
نشر في هسبريس يوم 14 - 11 - 2011

بتحول عنوان برنامج "مباشرة معكم" الى "موعد مع الانتخابات" الذي تقدمه القناة الثانية، قصد مواكبة النقاشات المرتبطة باستحقاق الخامس والعشرين من نونبر، وعلى غرار الحلقات السابقة وما حملت من نقاشات حول قطاع السكن والتربية والتكوين ومحاربة الفقر والهشاشة والحضور الشبابي...فقد تناولت حلقة يوم 9.11.2011 البرنامج الانتخابي لاربعة احزاب سياسية واخر الترتيبات لخوض العملية الانتخابية .
بدأ البرنامج بممثل عن حزب الاستقلال (نزار بركة)، ثم التحق به تاليا ممثل عن حزب العدالة والتنمية (سعد الدين العثماني)، وبعدهما جاء ممثل عن حزب الاتحاد الاشتراكي(فتح الله ولعلو) ،وفي المرتبة الأخيرة دخل ممثل حزب التراكتور الأصالة والمعاصرة(حكيم بنشماس).
اولا ، من حيث الجانب التقني فيحسب لمعد البرنامج و مخرجه اجتهادهما في اضفاء مسحة فنية على برنامج غالبا مايثير في شقه السياسي ضجر المشاهدين ،وذلك في اشتغالهم الجدي على ساحة المحاورة ،المقدم والضيف الاول ثم بعد وقت الثاني فالثالث فالرابع.ثم احترام المحاصصة المخصصة للأسئلة حتى نفهم بشكل اوضح كلام الممثلين الحزبيين بعيدا عن المهاترات الجوفاء.
ثانيا ، تمت مغزى من ترتيب دخول الممثلين الحزبيين ،فهل كان بريئا أم لا..؟؟ فلو تذكرنا نتائج انتخابات 2007، الاستقلال اولا ،العدالة ثانيا ،والاتحاد الاشتراكي خامسا (ثالثا في البرنامج) ثم اخيرا الوافد الجديد الاصالة والمعاصرة الذي لم يكن له وجود حينها ،بل كان معجزة في اكتساح الانتخابات الجماعية والبلدية والتوشيح برئاسة الغرفة الثانية.
سيتبين ان هذا الترتيب هو اما احترام للشرعية التاريخية ،الأحزاب الوطنية .واما لنتائج انتخابات 2007 بحصول العدالة والتنمية على المرتبة الثانية لولا تدخل وزارة الداخلية التي اتهمها الحزب بتزوير النتائج.واما تنبؤ بزوالها ومواصلة حزب الاصالة والمعاصرة تحقيق المعجزة ورئاسة الحكومة المقبلة .إذن فالترتيب ليس بريئا على الاطلاق.
ثالثا ، بدخول بنشماس ممثل حزب الاصالة والمعاصرة الى رقعة المشاوشة ،حدث بعض السجال والتشويش طبعا كعادته في جل النقاشات ،ما بعث نفس جديد في البرنامج لأن روح المحاور السياسي على ابواب الانتخابات يسكنها الطائر الفينيقي الذي ينبعث من رماده ،فتتجدد الوعود والبرامج والغنائم الكبرى لذلك يزيد من مكره وطموحه.و تتميز لغته بالفورة والجعجة فان تكون وزيرا امنية اي مناضل حزبي ولكن شرط ان يحصل حزبك على مقاعد برلمانية مهمة .
وما زاد رقعة المشاوشة إثارة، الضربات المتبادلة بين بنشماس و فتح الله . والمشاوشة أو "المعابزة" رياضة شعبية قديمة صنع حولها عهد بنسودة فيلما يتصارع فيه هشام بهلول وعبد الله فركوس. يمثل الأول الخير ويمثل الثاني الشر. كانا يتعركان بأيديهما. فقط في البرنامج على القناة الثانية تجري المعابزة بالكلام بين الاتحادي والوافد الجديد.
فقد قام هذا باستهداف الشرعية التاريخية للاحزاب الوطنية، والشيخ الاشتراكي بخبرته السياسية ودربته في المجال بنسف خصومه بلباقة عندما نادى بانه حتى تكون لدينا انتخابات مرحلة حقيقية مسايرة للمتغيرات (الدستور الجديد_الممنوح حسب المعارضين_والثورات العربية...) ومن اجل استعادة الثقة في الاحزاب من قبل الشعب ،لابد من ثلاث استقلاليات:
الأولي هي عن مركز القرار والدوائر العليا، في إشارة واضحة لحزب الأصالة والمعاصرة.
الثانية الاستقلالية عن احتكار اي مشروعية دينية او مقدسة فكلنا مغاربة ،والكلام موجه لحزب العدالة والتنمية ذو المرجعية الاسلامية.
ثالثا الاستقلالية عن النفوذ والجاه والمال والقبيلة ،وهذه جمعت حزب الاستقلال والاصالة والمعاصرة.
وأثناء هذه المشاوشة السياسية التى ابان فيها المحاورين الانتخابيين عن براعة في السجال والكلام .تدخل الامين العام السابق للعدالة والتنمية لمطالبة وزارة الداخلية بالتوقف عن ممارستها في تضييق الخناق على مترشحي حزبه كما فعلت في الانتخابات السالفة ضدا على شعبية حزبه المتزايدة .كأنما يريد القول بان حزبهم قادم الي الساحة الدولية بعد الحزب الاسلامي التركي والنهضة التونسي فلم يبقى الا المغربي ؟؟فماذا لو ترأس الحكومة القادمة؟؟
الملاحظ على هذه المشاوشة انها كانت بعيدة كليا عن تقنيات الحوار المتعارف عليها (الحوار – النقد – التعقل) وهي آليات لا يستغني عنها التفكير. فلا المقدم برع في استخدامها ولا المتحاورين قدموا لنا حقيقة يمكنها أن تشفع لهم في خوض الانتخابات المقبلة.
لأن الحوار في العرف السقراطي يقتضي التوليد ،بمعنى توليد نفوس الرجال واستخلاص الأفكار من القول والحق من الصدور، بواسطة الجدل الذي قد يصير تهكما ،اذا قام المحاور بطرح معنى ينفي المعنى الأول ويناقضه 1. او قد يكون توليدا ،و الذي يسميه الدكتور "طه عبد الرحمان" بسؤال الفحص ،و هو أن يختبر السائل دعوى محاوره بأن يلقي عليه أسئلة تضطره الى أجوبة تؤول في الغالب إلى إبطال دعواه2 .
و لأن الحوار كذلك فن طرح السؤال وتوليد الحقيقة . وهو ما عجز عنه المقدم والممثلين الحزبيين في تبليغه للمحاور الغائب و الحاضر ،الشعب-المشاهدين . فلا بد من احترام رهانه الذي يروم تحقيق التفاهم والوفاق بين الاطراف ،والتحرر من الأوهام والظنون بفضل استخدام آلية النقد . إذ يتجاوز النقد حدود العقل الذي يقصد الى بلوغ الحقيقة الى مجال الفعل لبيان ما يجب أن يكون عليه السلوك الانساني أخلاقيا3 .
و لإبراز ذلك بخصوص الحوار و النقد ، لنا في كلام 'ايريك فايل' و 'ايمانويل كانط' ما يفيد. يقول 'ايريك.ف' ...إن الحوار هو الذي يحرر الانسان من فرديته ،وهو الذي يهديه الى ذاته والى الفضيلة والخير ...ومنذ اللحظة التي يكون فيها عاقلا فهو ليس الا عضوا في المجموعة ،مواطنا ، أي فاضلا4 .ما يعني على المستوى الانثروبولوجي قدرة الحوار على تحرير الانسان من فرديته ، وعلى المستوى الابيستيمي دور الحوار في معرفة الذات لذاتها. أما على المستوى القيمي/الاكسيولوجي دوره في تحصيل الخير والفضيلة5 .
اما بخصوص النقد فيرى 'كانط' ان من يريد حل جميع المشكلات و الاجابة عن جميع الاسئلة ،انما يفرط في التبجح ويشتط في الادعاء الى درجة يكف معها ان يكون موضع ثقة6 . ما يدل على ان النقد يعترض أولا، على كل فكر وثوقي/دوغمائي. وثانيا هو قدرة على التمييز بين اسئلة ممكنة واجابات ممكنة واسئلة واجابات غير ممكنة .ثم ثالثا هو رسم لحدود العقل الممكنة وغير الممكنة .واخيرا هو موقف .وذلك ما عجز عن بلوغه ممثلي الاحزاب ، في توضيح برامجهم الحزبية للشعب المغربي.
إنتهت المشاوشة* أو 'المعابزة' ،دون ضرب ولا لكم بين الحزبيين رغم عدم خلوها من عنف و إن كان رمزيا لم ينجم عنه سقوط أو خروج أي من ممثلي الأحزاب من لبدة الثور أو مائدة البرنامج. وإنتهت رغم الجدل الحانق احيانا بين يمين-محافظ السياسة(حزب الاستقلال)، ويسار-يمين السياسة(الاتحاد الاشتراكي)، وبين وسط-معارض-اسلامي(العدالة والتنمية).ثم بين في الحكومة و معارض لها في آن (الأصالة والمعاصرة).
من اتون هذا الإختلاف(الدور السياسي والعقيدة السياسية) ،كان من الصعب الحفاظ على معنى الجدل المرتبط بالمشاكل القابلة للإختلاف،الانتخابات, التعليم ,السكن ,الصحة ,قواعد الترشح ,البرنامج الحزبي...وغياب نقاش معقول يعتمد حرية التفكير ودينامية المواقف واحترام الآخر(العدالة والتنمية وشنأنها مع الأصالة والمعاصرة )، بل يجانب احيانا مبدأ الإقصاء واحتكار الحقيقة او الشرعية ويجعل من المغالطة ذريعته لقلوب الناخبين.
*****
1- الموسوعة الفلسفية. تأليف د عبد المنعم الحنفي.دار المعارف.ص245
2- د طه عبد الرحمان .الحق العربي في الاختلاف ص13 .
3- مراد بن قاسم .المهارة المنهجية في درس الفلسفة .ص41.مكتبة قرطاج للنشر.
4- اريك فايل .من كتاب منطق الفلسفة .
5- ايمانويل كانط .نقد العقل المحض. ترجمة موسى وهبة .ص249مركز الانماء القومي.
6- مراد بن قاسم .ص135.136.137.142.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.